بداية لابد من الإقرار بأن ثمة خطوطاً حمراء ينبغي عدم الاقتراب منها أو ملامستها خاصة إذا كان الأمر أو القضية المثارة ذات علاقة مباشرة أو حتي غير مباشرة بالتعرض للأنبياء أو الأديان السماوية أيضا. ولذلك فإننا نعتقد بأن الجرم الذي أقدمت عليه الصحيفة الدنماركية بنشرها للرسوم المسيئة لنبينا محمد "صلي الله عليه وسلم" قد دفع ثمنه مواطنو الدنمارك جميعا واقتصادها وحكومتها التي كانت تدعي السماحة مثلما هو الحال في دول أوروبا الأخري، وخصوصا في الدول الاسكندنافية وإيمانها بفكرة حوار الحضارات كبديل عن الصراعوالتصادم بين حضارتي الغرب والشرق بالذات الدول الإسلامية فيه إلا أن الذي حدث بالفعل قد أكد ربما علي أن الصراع بين الغرب عموما والحضارات الأخري، ومن بينها إن لم تكن أهمها الحضارة الإسلامية له جذورا أعمق وأخطر وهي تتعلق في الحقيقة بالصراع الثقافي أصلا ما بين الحضارتين، ويرجع ذلك وفق ما نعتقد إلي حدود فهمنا لكلا المصطلحين فإذا كانت الثقافة هي ما نفكر به فإن الحضارة تنصرف بالتأكيد إلي ما نعمل به وعلي ذلك فإننا نعتبر أن المشكلة الثقافية هي أقدم وأسبق من المشكلة الحضارية ما بين الغرب والشرق معا. ولذلك لم يكن غريبا في إطار هذه الخلفية أن يركز الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 علي الشكوي من محتوي مناهجنا الدراسية العربية وخصوصا الدينية منها حيث اعتبر الغرب في حينه وإلي الآن أن محتوي تلك المناهج هو الذي أفرز ما حدث في 11 سبتمبر وما بعده ونذكر جميعا في هذا الإطار الإلحاح الأمريكي المتعلق بضرورة إصلاح المناهج الدراسية وتجديد الخطاب الديني في دولنا العربية بشكل خاص، وفي دول العالم الإسلامي بشكل عام ويعكس ذلك الأمر إذن إدراك الغرب لمحورية دور الثقافة والتي تعتبر المناهج الدراسية أحد أهم روافدها في تشكيل وتحديد وعي وانطباعات البشر وسلوكهم الحالي والمستقبلي مع أنفسهم أو مع الآخرين. ولم يمض كثير من الوقت فإذا بالتاريخ وكأنه يعيد نفسه فبعد كل ما يري من صور الرفض والسخط والغضب الذي صاحب نشر الرسوم الكاريكاتيرية المهينة للنبي الكريم "صلي الله عليه وسلم" وجدنا مطالبات مصرية وعربية وإسلامية بتعديل أو ضرورة تغيير المناهج الدراسية الغربية التي تشوه الإسلام وصورته لدي دول الاتحاد الأوروبي حيث جاء ذلك في البيان المهم الذي أعلنه الأستاذ الدكتورعلي جمعة مفتي الجمهورية والأستاذ عمرو خالد الداعية الإسلامي المستنير ففي المؤتمر الصحفي الذي انعقد بالقاهرة يوم 18 فبراير الماضي طالب 42 داعية وعالما ومفكرا إسلاميا من مختلف دول العالم المجتمع الدولي بالعمل علي إصدار قرار من الأممالمتحدة بتجريم الإساءة إلي الأنبياء والرسل والأديان فضلا عن مطالباتهم بتغيير مناهج التعليم الغربية والذي أشرنا إليه منذ قليل. من ذلك يتضح أن شكوي الغرب والشرق الإسلامي مما تضمنته المناهج الدراسية كل طرف في مقابل الآخر، هي حقيقة مدركة ومعروفة وأن ما يثور هنا أو هناك بالتالي يرجع في حقيقته إلي تصادم أو تعارض أو صراع الثقافات قبل أن يصل إلي مداه إلي صراع الحضارات وفقا للطرح الذي أورده صموئيل هانتنجتون بخصوص ذلك الصراع المحتمل. ومما يؤسف له أن بعض دوائر الغرب قد تلقفت ما قال به هانتنجتون اعتباره زادا ضروريا لتعبئة المشاعر الغربية ضد الشعوب والأمم التي تتبع نظما قيمية وأنساقا أخلاقية متباينة في مصادرها ومشروعاتها عن مثيلاتها في سياق الحضارة الغربية كما يوجد بينها وبين الغرب هواجس لها جذور تاريخية حقيقية في شكل مواجهات عسكرية وأزمات سياسية وعداءات ثقافية عبر أزمنة مختلفة، وذلك علي حد قول د. وليد عبدالناصر في كتابه المهم حول حوار الحضارات وتحدي العولمة والذي قام مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بنشره العام الماضي 2005 . ونظرا لإيماننا العميق بأن فهم الآخر مقدم بالضرورة قبل التحاور معه فإننا سوف نقتصر في حديثنا اليوم علي وحول نظرة الاخر وثقافته التي تحكم فهمه وتفكيره بخصوصنا ولذلك فإنه قد يكون مفيدا في هذا المجال أن نتعرف علي صورة العرب والمسلمين في ثقافة الغرب وتحديدا تلك الصورة التي تشملها القسمات أو السمات التي تركزت في أذهان مواطني الغرب والتي تعكسها بطبيعة الحال المناهج الدراسية التي يتم تدريسها للنشء هناك في مراحل التعليم المختلفة. ونظرا لما نعرفه مسبقا وما نتوقعه بهذا الخصوص فإنه من الضروري الإشارة إلي أن ما سوف نقدم عليه لا يتوجه إطلاقا ولا يصب في خانة زيادة تأجيج المشاعر والعواطف وإنما الهدف منه أن يكون الكيل بيننا وبين الغرب بنفس المكيال فإذا كنا نعترف كعرب وكمسلمين بأن مناهجنا الدراسية لا تخلو من التحيز أو الخطاب التعميمي غير الدقيق أحيانا إلا أن ما لدي الطرف الآخر هو في الحقيقة أخطر وأضل سبيلا. فمن المعروف أن التعليم المكتسب في المدارس الابتدائية والثانوية عادة ما يكون له تأثير دائم علي التشكيل الاجتماعي للمتلقي. كما أنه من المعروف كذلك أن المواقف التي يتخذها الكبار تجاه جماعات معينة إنما يمكن إرجاعها إلي التجارب التربوية الأولي لهذا فإن التحريف خلال عمليات التعليم والذي ينشأ عادة عنه إقحام وقائع أو مقولات غير دقيقة كاملة أو غير متصلة بالموضوع بقصد إشاعة صورة مشوهة عن الجماعة أو البلد الذي يجري الحديث عنه دائما ما يؤدي إلي تعزيز أو إنشاء صور سلبية عن الشعوب المقصود نعتها بالتخلف أو الاختلاف أو المقصود رميها ببعض أو كل ما هو سلبي وغير حميد. فعندما نحاول التعرف علي ذلك التحريف في المناهج الدراسية الأمريكية فإننا سنجد ما يلي: 1 تعمدها تصوير العرب كشعب بدوي مغرم بالغزو والنهب والسلب كما أن العربي وثني كافر وأن الإسلام ديانة غير متسامحة انتشرت بحد السيف فقط. 2 إن غالبية الكتب المدرسية تعالج الإسلام بطريقة مبتسرة وتتعمد إغفال اتصاله بالديانتين السابقتين مع إبراز غرابة بعض الممارسات الإسلامية. 3 تأكيد الخصائص السلبية للإسلام مثل نزعة الإسلام إلي الحرب وتأكيد الأمية بين غالبية معتنقيه وتعدد الزوجات بينهم. 4 إن الصورة النمطية عن العرب والمسلمين تصورهم علي أنهم إرهابيون ومحاربون ومتطرفون ومغتصبون وسفاحون ومضطهدون للمرأة كما أن مستقر بوجدانهم مقولات تصف العرب والمسلمين بالجهل وبولعهم بالحروب المقدسة. أما بالنسبة إلي بريطانيا فإنها تمثل النزعة المركزية الأوروبية في نظرتنا إلي العرب والمسلمين وبهذا المعني يتم تكريس فكرة أوروبا كمركز للعالم تتفوق ثقافته بالتأكيد علي ثقافة الأخرين كما يلاحظ أن المناهج الدراسية البريطانية تصر عادة علي تكريس مفهوم الحضارة المسيحية اليهودية مهملة بذلك وجود ثلاثة مصادر وليس مصدرين فقط للحضارة وبذلك فهي لاتعترف بالجذر الثالث العربي الإسلامي كأحد مصادر الحضارة. وفي فرنسا تولد كتب القراءة في المرحلة الابتدائية للتلاميذ العرب إحساسا سلبيا ناشئاً عن تحقير شأنهم وتشويه صورتهم كما تتضمن كتب التاريخ الفرنسية للمرحلة نفسها العديد من التعبيرات السلبية خاصة عندما يتعلق الأمر بفرنسا ذاتها حيث يشار إلي ما يحقر شأن العرب والمسلمين بوصفهم بالغزاة المسلمين أو القراصنة المسلمين، تجدر الإشارة هنا إلي أن الكتب المدرسية للجمهورية الفرنسية الثالثة 1870 1914 كانت تصف الإسلام بأنه دين مسخ ابتكره محمد الذي ادعي أنه نبي إلا أنها حاليا تبدي احتراما أكبر للإسلام وتقدمه علي أنه دين توحيدي عالمي، وإن كانت تلك الكتب تتفق مع كتب الجمهورية الثالثة في تصوير الإسلام كدين يسعي إلي تحقيق المفتوحات الفتوحات العسكرية كما بررت تلك الكتب الحملات الصليبية علي أنها رد فعل عكسي وطبيعي لحركة الفتح الإسلامي لجنوب فرنسا. وفي كتب الجغرافيا والتربية المدنية للمرحلة الثانوية اتضح ورود كلمة العرب والمسلمين في سياق له طابع سلبي يعبر عن معني العدوان والمجابهة مثل "خطط الغزاة العرب" و"اجتاح العرب" واجتاح العرب أسبانيا وهددوا أما كلمة المسلمين فإنها تستخدم عادة عند معارضة الفرنسيين أو المقارنة بهم أو المجابهة معهم ونادراً ما تعترف كتب الجغرافيا بوجود العالم العربي بعكس كتب التاريخ كما لاتشير إليه بالاسم حيث يجري بها تقسيم العالم إلي مناطق مناخية لا تذكر فيها إلا أسماء الدول فقط أو القارات التي تشملها. وبالنسبة إلي اسبانيا فقد تبين تعمد قصص وكتب الأطفال فترة الحكم الشيوعي بها لتشويه الإسلام، وفي مرحلة الحكم العسكري تضمنت كتب التعليم الأساسي والمعاهد المتوسطة تعريف الإسلام بأنه الذي ابتدعه محمد، حيث يسمح ذلك الدين بتعدد الزوجات ويأمر بقتل غير المسلمين ويحرم الخمر والخنزير لأن محمداً كان ثملا ذات يوم فعضه خنزير ولما استفاق حرم الخمر والخنزير معا.