وزير المالية يوجه بتسهيل الإجراءات الجمركية للحجاج.. أولوية خاصة لكبار السن    أسعار السمك في سوق العبور اليوم الثلاثاء 18-6-2024.. البلطي ب30 جنيها    عاجل| مفوض الأمم المتحدة يؤكد فزعه بسبب تجاهل حقوق الإنسان في غزة    "كهربا في الهجوم".. التشكيل المتوقع للأهلي لمواجهة الاتحاد بالدوري الممتاز    رد فعل مفاجئ من زوجة زيزو ضد حكم مباراة الزمالك والمصري    سيتي يبدأ المشوار بمواجهة تشيلسي.. خريطة مباريات القمة في بريميرليج 2024-2025    خلافات بينهما.. تفاصيل إصابة سائق توك توك بحروق خلال مشاجرة في أبو النمرس    في ثاني أيام العيد..ولاد رزق 3 يحقق إيرادات ب رقم قياسي    طريقة عمل اللحمة المشوية على الفحم.. اعرف أسرار المطاعم    قيادي بحماس: المقاومة الفلسطينية فككت مجلس الحرب الإسرائيلي    شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين وولي العهد السعودي بنجاح موسم الحج    إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بقرب إنهاء العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية    بكين: فقدان 4 أشخاص جراء الفيضانات الجبلية في منطقة شينجيانج بشمال غربي الصين    الرئيس الأمريكي يرحب بدعم حلفاء الناتو لأوكرانيا    التنظيم والإدارة يعتمد 8 مراكز تدريبية خلال مايو الماضي    في ثالث أيام عيد الأضحى.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    وزير الإسكان: تنفيذ 23 مشروعاً لمياه الشرب والصرف الصحي بالوادى الجديد    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    مواعيد مباريات الثلاثاء 18 يونيو - الأهلي ضد الاتحاد.. والظهور الأول ل رونالدو في اليورو    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024 ثالث أيام عيد الأضحى    «عملاق الصيف».. الأرصاد تحذر من منخفض الهند الموسمي: يضرب البلاد في هذا الموعد    فريق محميات البحر الأحمر يشن حملات تفتيشية مفاجئة خلال إجازة عيد الأضحى    "الشئون الدينية" ترفع جاهزيتها لاستقبال الحجاج المتعجلين لأداء طواف الوداع    بعثة الحج السياحي: إعادة 142 حاجًا تائهًا منذ بداية موسم الحج.. وحالة مفقودة    حبس حداد بتهمة إشعال النيران في زوجته بالشرقية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم 18 يونيو 2024    إجمالي إيرادات فيلم عصابة الماكس في 4 أيام عرض (مفاجأة)    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج على ضيوف الرحمن (صور)    دار الإفتاء: الأضحية سنة مؤكدة وترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-6-2024    دعاء الأرق وعدم النوم.. لا إله إلّا الله الحليم الكريم    دعاء الانتهاء من الحج.. صيغ مختلفة للتضرع عند اكتمال المناسك    «المهايأة».. كيف تتحول شقة الميراث إلى ملكية خاصة دون قسمة؟    في ذكرى رحيله ال18| الأب "متى المسكين" رمز الكنيسة القبطية.. عاش حياة الرهبنة كما يجب أن تكون    الصحة: تنفيذ 454 زيارة مفاجئة للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ب23 محافظة خلال عيد الأضحى    «الصحة»: فحص 13.6 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي    «هيئة الدواء» تسحب مستحضرا شهيرا من الصيدليات.. «غير مطابق للمواصفات»    إصابة 7 أشخاص فى 3 مشاجرات متنوعة بالجيزة    أسعار عملات دول البريكس اليوم الثلاثاء 18-6-2024في البنوك    بوتين: أمريكا تريد فرض نظام دكتاتوري استعماري جديد على العالم    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    17 شهيدا إثر غارات الاحتلال على وسط وجنوبى قطاع غزة منذ فجر اليوم    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    «الصحة» تكشف حالات الإعاقة المستحقة لكارت الخدمات المتكاملة    مشاهير القراء، الخريطة الكاملة للتلاوات بإذاعة القرآن الكريم اليوم    أزمة قلبية أم الورم الأصفر، طبيب يكشف سبب وفاة الطيار المصري على متن الرحلة    بينهم مصريون، مصرع 11 وفقدان أكثر من 60 في غرق قاربي مهاجرين قبالة سواحل إيطاليا    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة فرنسا الاستعمارية
نشر في نهضة مصر يوم 19 - 02 - 2006

باريس مدينة النور والموضة والعطور، فهي بالفعل تستحق هذه الألقاب، ومن الطريف أن كل مدينة جميلة في العالم يطلقون عليها هذا المسمي باريس كما أطلق علي بيروت، وكما يحلو لقاطني مدينة المنصورة أن يسموها كذلك باريس مصر وفرنسا حلم كل مثقف عربي
حيث يهفو إليها فؤاده للنهم من ثقافتها وعلومها فهي بالفعل محببة لقلوب العرب، وتمثل لهم قبلة الحضارة الغربية.. ولكن بنظرة تأملية للسياسة الخارجية الفرنسية نجد أنها علي النقيض تماما من السياسة الخارجية الأمريكية، التي اتسمت دائما وأبدا بالتناقضات الصارخة التي تجعل الولدان شيبا، أما الفرنسيون كما عاهدناها دائما ذات ثوابت راسخة ولها خط معروف تهتدي به كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة لا تحاول تغييره فهي بحق دولة مبدأ، فكلنا يذكر أنها إحدي دول الثالوث التي وقفت في مواجهة قطار الحرب علي بغداد مع يقينها أن القطار كان سريعا ومن الحماقة الوقوف أمامه، لأنه لن يتوقف وكأنه درب من الجنون والانتحار التصدي له، ولكنها لم ترد التخلي عن مبادئها الراسخة في وجدانها، ولكن فجأة دون سابق إنذار غطت شمس السياسة الخارجية الفرنسية غوم كثيفة وانعدمت الرؤية، حيث تبدلت هذه السياسة فجأة وتخلت عن جميع معتقداتها أو ربما اعتقدنا خطأ أنها آمنت بهذه المبادئ وهذا وارد في المجال السياسي والقت باريس بسياستها القديمة عرض الحائط، بل أنها اتبعت مقولة نظرية "انسف حمامك القديم" وكانت السياسة الجديدة واضحة تماما عندما أعلن الرئيس شيراك يوم الخميس 19/1/2006 أن فرنسا لن تتردد في استخدام أسلحتها النووية في ردع من يهدد أمن فرنسا وحلفائها وإمداداتها الاستراتيجية، وكان هذا التصريح في قاعدة ايل لونج البحرية التي تحتوي غواصات نووية فرنسية، وقد أضاف شيراك إلي المصطلح الكلاسيكي لمصلحة الدولة وسيادتها والذي يشمل سلامة الأراضي الفرنسية والممارسة الكاملة للسيادة سيادة علي الأراضي الفرنسية وحماية أمن المواطن ومصالح أخري اعتبرها ذات أهمية حيوية من قبيل توفير الإمدادات الاستراتيجية والدفاع عن حلفاء باريس، ومن الجدير بالذكر أن ترسانة فرنسا النووية تهتم بالإضافة إلي الغواصات سالفة الذكر صواريخ نووية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن لماذا تغيرت الرؤية الفرنسية للسلاح النووي الذي طالما نظر إليه علي أنه آخر أسلحة الردع الفرنسية أي أنه الملجأ الأخير للدفاع عن فرنسا؟
هل المبرر في ذلك محاولة تبرير ميزانية الدفاع الفرنسية الهائلة التي تضعها فرنسا تحت بند "ميزانية حرب نووية" أم هل تشعر فرنسا بالقلق من جراء شيء ما في نفس يعقوب لذلك لوح شيراك بالرادع النووي ليرهب به أي أرعن يحاول استهداف فرنسا، وهل مازالت فرنسا تعتبر القوة النووية هي الضمانة الأساسية لأمن فرنسا وفق رؤية شيراك في مواجهة المصاعب المستقبلية وما تحمله الأيام من مجهول وتهديدات؟
فقد كانت عقيدة الردع النووي الفرنسية أهم أركان تفعيلها هي الاعتداء علي سيادتها وأراضيها، أما الآن فقد قام شيراك بتدشين حقبة جديدة في تاريخ فرنسا النووي وكذلك بقوة نووية جديدة أبرز ملامحها أنها مطاطية فضفاضة تتسع لتشتمل علي كل شيء وأي شيء مفهوم يحدد ماهية الموارد الاستراتيجية، فهل لو قامت دول الخليج بمنع أو وقف تصدير البترول لأسبابها التي ربما لا تتعلق بفرنسا ولها مبررها في ذلك الخليج ولها كل الحق في ذلك هل هذا يعطي الحق لشيراك دك المنطقة بالأسلحة النووية، إنه هراء بالطبع، وهل لو كانت مصر منعت كليمنصو من عبور القناة كان سيجعل عاليها سافلها، وكذلك نتساءل لماذا لم يحدد شيراك الحلفاء حتي يتسني للأعداء المساس بالحلفاء المجهولين وربما كان قصد السيد شيراك من ذلك إيهام المصالح والحلفاء للتكهنات ترك فرصة للعالم لممارسة هوايته المفضلة بحل الكلمات المتقاطعة وفوازير رمضان الشيراكية وتكون في النهاية رغبة شيراكية في رفع ثقافة العالم أو ربما جاءت كذلك حتي يكون لفرنسا حق التدخل الكامل في شئون أي دولة تراها هي من الأعداء وتمس مصالح فرنسا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبذلك تصبح حدود فرنسا (العالم) أما السؤال الملح في هذه اللحظة لماذا اختار شيراك هذا التوقيت ليعيد علي مسامعنا مصطلحات الحرب الباردة أي ربما نسيها معظمنا من نظير "الردع النووي"؟
ربما يريد شيراك أن يدغدغ المشاعر الفرنسية واشعارهم بأن فرنسا مازالت تمارس دورا قياديا علي مستوي العالم، وأنها مازالت من القوي الإقليمية الكبري بعدما خفت بريقها، وربما تكون رسالة موجهة إلي واشنطن مفادها أن فرنسا لم تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنها مازالت علي قيد الحياة وتستطيع تهديد أي دولة بفضل ما تملك من مارد نووي قادر علي تدمير وفتك وإبادة من تسول له نفسه الاقتراب من عرين الأسد المصالح الفرنسية وكذلك ربما رسالة لبوش الابن حتي لا يتجاهل فرنسا في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوروبا وأن يتعامل مع فرنسا علي أنها سيدة القادرة العجوزة أوروبا" وأنها محرك القاطرة الأوروبية، وأن الردع النووي ليس حكرا علي واشنطن دون غيرها فمن حق باريس إشهاره ضد أعدائها مثلما فعلت واشنطن في نجازاكي وهيروشيما ومن ثم في أفغانستان والعراق باحتلالهما بالأسلحة التقليدية وربما أسلحة كيماوية وبيولوجية لسبب بسيط أن أفغانستان والعراق ليسا بالقوة التي تستحق استخدام السلاح النووي، وعلي أرجح تقدير جاءت هذه التصريحات النووية نتيجة رغبة فرنسية عارمة في العودة إلي سابق عهدها كقائد للقاطرة الأوروبية، وكذلك كنتيجة من نتائج الحرب علي العراق ودورسها المستفادة، حيث أيقنت باريس بعد الحرب أننا نعيش في عالم لا تحكمه الشرعية الدولية ولا القانون الدولي، ولكن يحكمه القانون الأمريكي قانون الغاب والقوة والبقاء للأقوي ولذلك قررت فرنسا التكشير عن أنيابها ودخول نادي الأقوياء، وقد قوبلت هذه التصريحات بردود فعل متباينة داخل فرنسا وخارجها، حيث رحب بها مسئول بحلف شمال الأطلنطي "الناتو" حيث قال "إني غير قلق من موقف شيراك موضحا أن كلام شيراك يندرج ضمن الخط العام الذي يلزمه الحلف بشأن السلاح النووي وهو يقضي بالتشديد علي وظيفة الرداعة، وفي ألمانيا صرح روبريشت بولنس رئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الألماني "بأن الرئيس الفرنسي قد بين بوضوح أنها استراتيجية دفاعية، وأن الأسلحة النووية لن تستخدم مستقبلا كأداة حرب، ولكن كأداة ردع"، وأضاف أن شيراك أوضح أنه لا يعني ردع الإرهابيين بالسلاح النووي، ولكن ردع الدول التي تفكر أو يمكن أن تفكر في استخدام أسلحة الدمار الشامل للاعتداء علي فرنسا أو أحد حلفائها، وعلي الجانب الآخر فقد انتقد حزب الخضر وحزب اليسار الألمانيان هذه التصريحات وطلبا من الحكومة الألمانية إبداء موقف صارم إيزاء تهديدات شيراك.
وقد ركز شيراك في تصريحاته علي "محاولة بعض الدول حيازة القوة النووية بما يتنافي مع المعاهدات الدولية" في إشارة غير صريحة لإيران وسوريا، حيث يرجع الفضل لفرنسا في استصدار القرار 1559 من مجلس الأمن بخصوص سوريا وانسحابها من لبنان، علي الرغم من امتلاك فرنسا وإسرائيل وغيرهما هذه القوة، ولكن كما سلف الذكر أنه عالم الأقوياء، وكعادة الأقوياء يريدون استحواذ القوة والسلطة وينكرون ذلك علي غيرهم ممن يحاول تملكها وقد نفت مصادر باريسية أن تصريحات شيراك يقصد بها دولة بعينها علي السواء إيران وسوريا، ولكن هل بالفعل جاءت هذه التصريحات في محاولة تذكير الفرنسيين شيراك، خاصة أنه يقضي آخر أيام حكمه، حيث إن الانتخابات الرئاسية في فرنسا ستكون في العام المقبل ربما .
والأسئلة الجوهرية والأكثر أهمية والتي نرجو أن نجد لها أجوبة!!
هل اختار شيراك الوقت المناسب لهذه التصريحات؟ أم أنها جاءت في هذا الوقت بالذات الذي تحاول فيه إيران المراوغة مع الترويكا بشأن ملفها النووي، وهل السبب الجوهري لهذه التصريحات هو فشل الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية للوصول مع حل وسط مع طهران؟ أم أن شيراك وجد العالم كله يتطلع بشغف لتصريحات محمود أحمدي نجاد، وربما يعجب البعض بتصريحاته النارية، فأصابت عدوي تصريحات جاك شيراك، أم جاءت هذه التصريحات بايعاز من إسرائيل لتضيق الخناق علي إيران، ومن ثم إما الرجوع عن مشروعها وحلمها النووي أو ضربها ضربة استباقية حتي لا تستطيع امتلاك القدرات النووية وتضييع أسلحة نووية وهل تشجع هذه التصريحات الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل علي ضرب منشآت نووية إيرانية ضربة استباقية اعتمادا علي هذه التصريحات وبتأييد فرنسي لأمريكا بعكس الحالة العراقية، وبالتالي تعطي هذه التصريحات الشراكية شرعية لضرب إيران، وعلي الجانب الآخر هل تدفع هذه التصريحات إيران بخاصة المحافظين إلي التعنت والتمسك بقرارهم بالمضي في برنامجهم وأبحاثهم النووية، كل هذه الأسئلة تحتاج إلي إجابات التاريخ كفيل بإيجادها إن كان في العمر بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.