بين موجات الفرح والانبهار التي سادت الشارع المصري بكل فئاته وشرائحه لفوز مصر ومنتخبها الوطني بكأس الأمم الافريقية الخامسة والعشرين لكرة القدم في إطار ملحمة ومنظومة فنية وإدارية كانت موضع احترام وتقدير من الجميع.. إذا اثبتت ان هذا الشعب برموزه في أي موقع قادر علي احراز النجاح والفوز إذ تولدت لديه العزيمة والارادة لتحقيق الهدف.. وانصرف تماما عن أي امراض بيروقراطية و مجتمعية أو مصالح شخصية تعوق تصميمه وثباته. وإذ اختلطت موجات الفرح بأعاصير الحسرة والأحزان بغرق العبارة (السلام 98) قبيل حصول مصر علي كأس البطولة الافريقية.. والذي أسفر عن مأساة وصدمة للجميع اذ تجاوز الغرقي الف شخص غالبيتهم من المصريين البسطاء. ، خاصة ان ما ينشر وما يكتشف حتي الآن.. يولد اعتقادا لدي الشارع المصري بأن تكرار الحوادث والكوارث نتيجة الاهمال والاستهتار أصبح يرتبط بلاشك بمواطن للفساد تحميه وتؤازره ليدخل في طيات النسيان كحوادث جسيمة سابقة. إلا ان تصريحات القيادة السياسية اعطت كل الأمل في أن هذا الحادث.. ومايحيطه من تحقيقات لن يفلت منه مهمل أو فاسد.. وسيكون للشعب كله الحق في المعرفة.. كما سيكون لأهالي الضحايا او المصابين كل التسهيلات في الحصول علي تعويضاتهم من الدولة. وما بين اقتران المرحلة الزمنية التي نعيشها بهذا الخليط من موجات الفرح من جانب واعاصير الأحزان من جانب آخر.. فقد ثارت بعض التساؤلات والتأملات.. وعلي كثرتها إلا انه أتي في مقدمتها تساؤل حيوي.. وتأمل يفرض من نفسه.. يتحدد بإيجاز.. في كيف نعلل هذا التناقض.. ما بين نجاح وانبهار في مناسبة تجمع شعب بأكمله عليها.. بمختلف أعماره وشرائحه.. وما بين إهمال وفشل تذهب معهما أرواح البشر في أعماق البحار دون رحمة أو ضمير. وإذ طرحت التساولات.. والتأملات.. وكان التساؤل الأخير في مقدمتها.. فقد جاءت بعض المناسبات التي ارتبط بعضها بعالمين عظيمين أنجبتهما مصر.. وحصلا علي جائزة نوبل والتي عمرها حتي الآن ما يزيد علي مائة سنة منذ بدأ منحها في عام 1901 من خلال مؤسسة نوبل.. والتي أنشأها الفريد نوبل مخترع الديناميت ثم توفي في عام 1996.. فحددا في تصريحاتهما أو مطبوعاتهما الأخيرة تشخيصا من وجهة نظرهما ارتبط إلي حد كبير "بروشتة" للعلاج وتحذيرا من التأخير في بعض الموضوعات الهامة التي ترتبط بمسيرة العالم أو الوطن الحبيب "مصر". ولعلي في سطور.. اتناول طرحهما.. كمناسبة وأسلوب ورأي علي الوجه التالي: أولاً مقتطفات هامة من كلمة الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 7 فبراير 2006 اعتزازا بتكريم مصر له رئيساً وشعباً بمنحه قلادة "النيل العظمي".. إذ قال: ان حصولنا علي جائزة نوبل للسلام هو تأكيد من قبل المجتمع الانساني علي ان السلام ليس إنجازاً واحدا بل هو مناخ وعمل مستمر والتزام دائم.. لذا فانني أعتبر ان حصولنا علي هذه الجائزة هو رسالة واضحة ودفعة قوية لكي نستمر في اداء عملنا أكثر عدالة وأمنا في عالم تضيق فيه الفجوة بين الفقير والغني.. عالم يستظل فيه الجميع بمظلة للأمن الجماعي. هذا العالم الذي يستهلك فيه حاليا عشرون بالمائة من سكانه ثمانية بالمائة من موارده والذي يعيش فيه اكثر من اربعين بالمائة من ابنائه علي دخل يقل عن دولارين في اليوم.. هذا العالم الذي ينفق فيه سنويا اكثر من ألف مليار دولار علي التسلح بينما ننفق أقل من عشرة بالمائة من هذا المبلغ علي اجمالي مساعدات التنمية.. وفي مجال اشارة الدكتور البرادعي إلي برنامج التعاون القائم حاليا بين مصر والوكالة الدولية للطاقة الذرية وأشاد بهذا التعاون والبرنامج فقد أكد علي عدة نقاط هامة كمواجهة ومعالجة للتحديات نوجزها: لابد ان نتأكد أن السلاح النووي يجب أن نتجنبه للحيلولة دون هلاك البشرية إذ اصبح لا مكان له في ضمير الانسانية ولا دور له في أمنها. من الضروري أن يبدأ حوار أمني في منطقة الشرق الاوسط يعالج عدم التوازن الامني في المنطقة ليسير هذا الحوار بجانب مسيرة السلام. ان البعض ينظر إلي عالمنا العربي نظرة تخوف وريبة واستعلاء معتبرين ان اسهامنا الحالي في الحضارة الانسانية لايتعدي نشر التخلف والدمار تلك المرحلة التي بدأ فيها البعض من ابنائنا يفقد الثقة في نفسه!! وهو ما يشير إلي ان حصول مصري علي تلك الجائزة قد يكون خطوة متواضعة لاعادة التوازن بالنسبة لرؤية العالم لنا وكذلك رؤيتنا لأنفسنا. أن أساس تقدم أي مجتمع يعتمد علي ركيزتين هما: العلم والمعرفة فهما ركيزة نهضة أي مجتمع انساني. الحرية وتشمل حرية التعبير والعقيدة والحرية من الخوف.. الحرية من الحاجة ولا يمكن بدونها لأي مجتمع او انسان ان يحقق ذاته أو يفجر طاقاته. الأمل يحدو الجميع ان تستعيد مصر الريادة للنهضة في العالم العربي التي ظلت لعهود طويلة تبنيها بسواعد ابنائها. ثانيا: أما المناسبة الثانية.. فكانت لقاء محدودا وحديثا وشخصيا خلال نفس الفترة مع العالم الكبير الدكتور أحمد زويل بحضور الاخ العزيز الاستاذ ابراهيم المعلم رئيس مجلس ادارة دار الشروق للنشر والصحفي الشاب النابه أحمد المسلماني الكاتب السياسي بجريدة الأهرام. أعود لاتذكر أن مقابلتي الاخيرة للدكتور زويل وصحبه كانت الثالثة.. وأذكر ان الاولي كانت في مناسبة اجتماعية اكتشفت فيها انه بجانب شخصيته العلمية التي اثارت العالم.. فهو رجل يتميز بشخصية مصرية اجتماعية بسيطة ودودة وله من الاصدقاء الكثيرون. إلا انه ريفي الهوية من دمنهور بحيرة وعائلة والدته من دسوق كفر الشيخ وعصب اهتماماته وطنه مصر.. وقراها وريفها.. ومتعته العلم والفن الأصيل وأم كلثوم.. وهمومه هي هموم كل مصري يحب وطنه.. وهدفه.. استكمال طريق العلم والابداع والاختراع. وكانت الجلسة طويلة وطرحت بها قضايا كثيرة اعتقد ان سطور المقال الباقية لاتتسع لها.. ولذلك.. أنهي هذا الجزء.. بتصريح للكاتب احمد المسلماني اذ يقول: "سمعت الدكتور أحمد زويل يقول للاستاذ نجيب محفوظ.. اني افهم ان يلتف الناس حولك ويحتفون بك.. فأدبك معروف وسهل الفهم.. ومن ثم فإن تقديرهم لك يأتي من قراءة ووعي.. ولكني اندهش من هؤلاء الذين يتركون ما بأيديهم من عمال نظافة ومقاه ومارة في الطريق ويأتون لتحيتي.. انهم لايعرفون ماذا فعلت ولكنهم يقدرون". لماذا؟ لماذا؟". وقد كان ذلك نفس السؤال الذي وجهته للدكتور أحمد زويل في نهاية جلستنا بعد لقائنا الرباعي.. وحديثنا الذي تطرق لكل آمال وهموم الوطن.. فكان أن اهداني الأخ الاستاذ ابراهيم المعلم مشكوراً الطبعة الثالثة (يناير 2006) من كتاب الدكتور زويل الذي اشرت إليه.. حيث التهمت- بالقراءة- سطوره وصفحاته.. في نفس الوقت الذي تابعت محاضراته بالجامعة الأمريكية ودار الأوبرا.. والي لقاء قادم.