وزير الأوقاف أمام الشيوخ: عهد السيسي العصر الذهبي للدعوة وعمارة المساجد    بدء الفعاليات التمهيدية للترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» في مصر    جامعة الزقازيق تحقق مراكز متقدمة في مسابقة «إبداع 12»    وزارة العمل: «سلامتك تهمنا» لنشر ثقافة الصحة المهنية بالقليوبية    قطع المياه لمدة ثلاث ساعات على مدار يومين لتطهير بئر المعلمين في أسيوط    تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 15 جنيهًا خلال تعاملات اليوم    الداودي يفتتح مركز معلومات شبكات المرافق بقنا    توزيع مساعدات مالية لعدد 21 أسرة بالفيوم    كوريا الشمالية: محادثات قمة سول حول نزع السلاح النووي «استفزاز سياسي»    الإمارات تدين القصف الإسرائيلي لخيام النازحين في رفح الفلسطينية    الحكومة الإسرائيلية تعلن النتائج الأولية بشأن هجوم رفح.. ماذا قالت؟    إسبانيا تعلن دفعة أسلحة جديدة بقيمة 1.1 مليار يورو إلى أوكرانيا    الأمين العام للأمم المتحدة: إفريقيا يجب أن تكون حاضرة في كل منتدى متعدد الأطراف    تأجيل مباراتي الأهلي والزمالك في كأس مصر    المشدد 15 عام لتاجر ملابس شرع في قتل شخص بشبرا الخيمة    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 1445 هجريا في مصر.. اعرف عدد الأيام المتبقية    تكثيف أمنى لضبط قاتل «روبي» في قليوب    محافظ قنا يكرم الفائزين بمهرجان "إبداع مراكز الشباب" بمديرية الشباب والرياضة    فاكر المنيل؟!.. صلاح عبد الله يداعب لطفي لبيب على الهواء والأخير: كان فيها عواجيز مصر    طريقة عمل العجة.. صحية ومفيدة    غدا.. انطلاق عروض برنامج السينما الإيطالية في القاهرة    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    غزل المحلة يعلن رحيل محمود عبد العزيز    حدد 3 مناقشات.. مجلس أمناء الحوار الوطني يجتمع 1 يونيو    انطلاق فعاليات الأسبوع الثقافي ل«الأوقاف».. «حق الجار والإحسان إليه»    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتابع سير أعمال الامتحانات بكلية التربية للطفولة المبكرة    مياه الجيزة توضح أسباب الانقطاعات المتكررة عن هضبة الأهرام    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الأفريقي بكينيا    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    عائشة بن أحمد عن قصف مخيمات رفح الفلسطينية: «نحن آسفون»    بالصور: ياسر سليمان يطرب جمهوره بأغاني محمد رشدي على مسرح الجمهورية    ضبط 6000 كيس مواد غذائية مجهول المصدر في العاشر من رمضان    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    تأجيل محاكمة متهم بتقليد الأختام الحكومية لجلسة ل12 يونيو    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    قافلة طبية جديدة لدعم المرضى غير القادرين بقرى ديرمواس    شريف العريان: لن أخوض انتخابات رئاسة اتحاد الخماسي الدورة المقبلة    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    فيلم «The Fall Guy» يحقق 132 مليون إيردات منذ طرحه    القنوات الناقلة لمباراة الاتحاد والنصر في دوري روشن السعودي مع تردداتها    الرقابة الصحية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة طنطا لمنح شهادة الاعتماد    السيطرة على حريق داخل هايبر ماركت في قنا    الأمين العام المساعد للبحوث الإسلامية يوضح حكم تصوير الجنازات    وزير الكهرباء ل"اليوم السابع": كل مليم سيتم تحصيله يساهم فى إنهاء تخفيف الأحمال    البورصة المصرية، ارتفاع جماعي للمؤشرات بمستهل التعاملات    وزير الإسكان يعلن تفاصيل مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية    للتعاون في مجال التدريب.. تفاصيل توقيع مذكرة تفاهم بين مركز التدريب الإقليمي وجامعة بنها -صور    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    إسرائيل تأمر إسبانيا بوقف الخدمات القنصلية المقدّمة لفلسطينيي الضفة الغربية اعتبارا من 1 يونيو    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة صاحب محل في العمرانية    500 متر من النيران.. حالتا اختناق في حريق مخزن خردة بإمبابة    سيد معوض ينصح الأهلي برفع جودة المحترفين قبل كأس العالم 2025    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    موقف جوارديولا من الرحيل عن مانشستر سيتي في الصيف    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    جيش الاحتلال يعلن اغتيال قياديين فى حركة حماس خلال هجوم على رفح الفلسطينية    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشوراء.. الانفجار الشيعي والتوظيف السياسي
نشر في نهضة مصر يوم 13 - 02 - 2006

تمر علي العراقيين هذه الايام مناسبة عاشوراء، ذكري استشهاد الامام الحسين بن علي "رضي الله عنه"، وهذه الذكري لها في الذاكرة العراقية اكثر من وجه في التحليل والتطبيق، فالموضوع لايتعلق فقط باحياء ذكري دينية لها خصوصية مذهب معين من المذاهب الاسلامية، بل ترجع في تطبيقاتها السياسية عند المحللين الي ذلك الافتراق بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، في سياق ابراز التنافس مابين مذهبين وصل الي حد الصراع العقائدي بين الدولتين، فنقلت الدولة العثمانية الكثير من تطرف الاستانة علي هذه التطبيقات، فيما وجدت الدولة الصفوية في وجود مراقد الائمة الاطهار "عليهم السلام" في العراق، منفذا للتدخل في الشأن العراقي حتي وصل الي غزوه في العصور الوسطي، وسقوط بغداد بيد الدولة الصفوية لاكثر من مرة ،فظهرت اوائل حالات تطبيق المنهج الصفوي التعامل مع هذه المناسبة حينما جاء شاه فارس الصفوي الي العراق لزيارة مرقد الامام علي بن ابي طالب "رضي الله عنه"، وهو يسير علي اربع ويقوده من حبل ربط بعنقه، احد اصحاب العمائم، حتي دخل الي مرقد الامام علي في النجف الاشرف.
ولعل ابرز المفكرين الايرانيين تميزا للفارق ما بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، الدكتور علي شريعتي، في كتابه المعروف "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"، وسرعان ما انتقل الامر الي حالة صراع بين الدولة القاراجية، التي انشأها الشاه رضا بهلوي والد اخر ملوك ايران محمد رضا بهلوي، وبين امتدادات النفوذ داخل الحوزة العملية للنجف الاشرف اثر ما عرف بثورة المشروطية عام 906، وصدور فتوي من المرجع الاعلي في حوزة النجف بالامتناع عن التدخين، ابعد توقيع الشاه الايراني لعقد بيع حق صناعة التبغ لشركة بريطانية، فتراجع عنه واعلن دستوراً جديداً لايران، الدولة الحديثة بعد ان كانت تسمي بدولة فارس، هذه الحالة لم تطبق في العراق الا في زيارة وحيدة لوزيرالخارجية الايراني الدكتور علي ولاياتي الي النجف الاشرف اواسط التسعينيات من القرن الماضي،هذا العرض التاريخي البسيط، نقل ما يعرفه علماء الاجتماع السياسي، بتطور الظاهرة المؤقتة الي عادة تدخل في صميم التقاليد الاجتماعية المتوارثة، بين الجمهور المتلقي، فبعدما كانت عادات التشيع الصوفي، لا تمارس في العراق، الا من قبل اتباع الدولة الصفوية الايرانية، وبترجيح من قبل بعض علماء الحوزة، فان هذه الظاهرة نقلت الي حالة الممارسة السياسية.
والمثير في الامر بأنها نقلت الي ممارسة جماهيرية في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، بعد حظره من قبل حزب البعث، بعد الاختلاف بين قيادات الحزبين وهروب القيادة الشيوعية الي الدول الاشتراكية في حينها، وكانت مواكب العزاء الحسيني التي ينظمها الحزب الشيوعي العراقي معروفة في الكاظمية والحرية والشعلة والكرادة من مناطق بغداد، باعتبار ان المسيرة الجماهيرة الوحيدة التي لا تحتاج الي تصريح من وزارة الداخلية هي المواكب العاشورائية، وكانت القصائد التي يطلقها بعض الشعراء الشعبيين المحسوبين علي الحزب الشيوعي، تشعر النظام والمواطن بانتقادات الشارع السياسي له، في مفاصل اقتصادية بارزة مثل الاموال التي كان النظام السابق يقدمها للكثير من الحركات التحررية في الدول الافريقية ليس لاكثر من مساندتها له في منظمة عدم الانحياز التي كان الرئيس المخلوع يشعر بأهمية زعامته لها بعد موت الزعيم العربي جمال عبد الناصر.
وتعاملت المنظمات الحزبية في المناطق ذات الكثافة الشيعية بدعم سخي لهذه المواكب، بل ان اغلب المواكب كانت تستلم اعانات كبيرة من حزب البعث لتسيير شئونها، والصرف علي نفقات الاطعام في ليلة عاشوراء، فالمصروفات التي تصرف علي المواكب المعروفة باهظة التكاليف، ويقوم مسئولو المواكب بجمعها من العوائل الميسورة واصحاب المحلات التجارية في اول صلاة جمعة بعد عيد الاضحي المبارك.
وتشمل هذه المصروفات، ايجار المكان الذي ينظم فيه الموكب خلال ايام عاشوراء، وتكاليف "الرواديد" وهم المنشدون لقراءة القصائد الحسينية التي تصاحب عادة باللطم علي الصدور، ثم طبخ نوعين من الطعام صبيحة يوم العاشر من محرم "يوم عاشوراء" الذي وقعت فيه معركة الطف، ويتضمن "الهريسة" وهي الطعام الذي طبخ للمقاتلين من اصحاب الحسين في يوم الواقعة، والثاني هو طعام الغداء وهو عبارة عن الارز المطبوخ، ونوع من المرق يسمي "القيمة" وهوخليط مابين الحمص واللحم، ويقال في الروايات ان بعض اهالي الكوفة قد قدموه لعيال الحسين بعد او خلال المعركة، ولا اعتقد بأن اولئك القوم كانوا بحاجة الي الطعام بقدر حاجتهم الي الاسناد في القتال.
فكانت المواكب الحسينية، تعتمد غالبا علي تبرعات الناس ولكن اشتداد التوظيف السياسي لها، خلال السبعينات وبشكل خاص نصف عقدها الثاني، جعل حزب البعث يصرف بسخاء علي هذه المواكب التي تعد بأكثر من 500 موكب معروف في عموم المدن العراقية، وفي بغداد وحدها هناك حوالي نصف هذا العدد.
وجاء التغيير بعد ما عرف بأحداث "خان النص" عام 1977، وهو موقع اثري ما بين النجف وكربلاء، يتجمع فيه القادمون نحو كربلاء في يوم عاشوراء، ونقل للنظام عبر وسائله الامنية ان ثمة تجمعاً لمظاهرات تتخذ من المواكب الحسينية غطاء لها للتنديد بالنظام والمطالبة بنظام اسلامي "مذهبي" كما جاء في بيان اصدره مجلس قيادة الثورة في حينه.
وكانت هذه المحاولة باكورة نشاط حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه اية الله العظمي الشهيد محمد باقر الصدر، الذي اعدم من قبل النظام العراقي السابق عام 1981، فصدر بعدها قرار يمنع تنظيم مواكب عاشوراء، بل ان النظام بوسائله الامنية ربط كل من يشارك في هذه المواكب، او يقوم بزيارة عاشوراء لكربلاء، بتنظيمات حزب الدعوة، الذي اصدر قرارا يعتبر من ينتمي اليه متهما بالخيانة العظمي والعمالة للجمهورية الاسلامية بعد وصول اية الله الخميني وبعد سقوط النظام، سارع رئيس المجلس الاعلي للثورة الاسلامية، الراحل محمد باقر الحكيم الي توظيف انتقال المظاهر الصفوية في التعامل مع المناسبات الدينية في المجتمع العراقي جنوب وبعض وسط العراق، الي تقاليد وعادات اجتماعية متوارثة، ودعا قبل وصوله الي العراق لتنظيم اول زيارة جماعية في ذكري وفاة الامام موسي الكاظم في بغداد، واستطاع عبر خطبة حماسية تحريك ذلك الوجع الاجتماعي من قرار منع المواكب العاشورائية، ومنع النظام المنهار تنظيم الزيارات المعتادة عليها في ذكري وفاة الائمة من ال بيت النبي "عليهم السلام "، فكانت استجابة اهل المناطق الشعبية من اولئك الذين تعودوا علي ممارسة هذه الشعائر الاجتماعية الدينية، بشكل منقطع النظير، وتدافعوا من جهات بغداد الاربع ومن خارجها للوصول الي منطقة الكاظمية شمال شرق بغداد، وهي ذات الزيارة التي وقعت فيها مأساة جسر الائمة اثر التدافع الهائل للزوار فوقه بعد عامين، وقضي جراءها اكثر من الفي مواطن، وبعد ان كانت هذه المواكب تنظم من قبل متبرعين عادة ما يكونون من اهالي المنطقة التي يسمي الموكب باسمها، باتت هذه المواكب تخرج اليوم باسم الاحزاب الدينية مع احتفاظها باسمها القديم، ولكن تنظيم دخولها وحمايتها داخل كربلاء يعود الي الحزب الذي ينظمها، ما بين حزب الدعوة بفروعه الثلاثة، وتنظيمات المجلس الاعلي للثورة الاسلامية الذي اوجد مؤسسة متخصصة بالتبليغ الاسلامي يراسها نجل رئيسه عبد العزيز الحكيم، فضلا عن مواكب التيار الصدري، وهناك تنافس محموم ما بين هذه المواكب في اظهار الولاء لآل بيت النبي يضاف الي ذلك توظيف المشاعر الجياشة المعروفة في علم الاجتماع السياسي، بأن كل ما يمنع عنه الناس يصبح مرغوبا، فما بالك وهناك جهات سياسية تروج لذلك، فأخذت الكثير من هذه المواكب تضم بعض البعثيين الذين يسعون ل "التوبة" عن ما فعلوه خلال حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، واضحوا اشد الناس مغالاة في اظهار تشيعهم بالطريقة الصفوية، والسؤال لماذا كل هذا الارث من التوظيف السياسي لهذه الواقعة الاليمة، بعد مرور اكثر من 14 قرنا عليها؟
الاجابة المنطقية علي ذلك، ان احد ولاة بغداد، من الذين يعرفون بالمتنورين، بعد حكم مدحت باشا لبغداد وانتقاله ليكون الصدر الاعظم للدولة العثمائية اواخر القرن التاسع عشر، قد منع الناس من تنظيم هذه المواكب، بكونها حالة معيبة للرجال باللطم علي الصدور، فضلا عن تحريم اللطم علي الميت في الشريعة الاسلامية، ونقل له بعض الوشاة بان سرداب السياسي العراقي جعفر ابو التمن يمتليء بالناس الذين يلطمون علي صدورهم فيما تقوم النسوة بالدق فيما يعرف بالجاون، وهوجهاز خشبي لتنعيم الحنطة بعض مرورها بالطحن في المجرشة الحجرية، ويكون صوت الطرق بالجاون عازلا لسمع الصوت الصادر عن اللطم ،فنقل الوالي الامر الي مدحت باشا الصدر الاعظم في الاستانة، فرد عليه "هل يأذون انفسهم ام يأذون السلطنة" واضاف "انهم بالتأكيد يأذون انفسهم فاتركهم وشأنهم" ولكن بعد ظهور الدولة الايرانية الاسلامية، لم يعد امرا يترك فيه الموكب العاشورائي لشأنه، واجادت الاحزاب الدينية في استنهاضها، وتوظيفها لصالح حصد اصوات الناخبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.