العثور علي "الغول والعنقاء والخل الوفي" اسهل كثيرا من مقابلة سيدة مطلقة تتحدث عن مشاعرها بعد حصولها علي لقب زوجة سابقة، ولذا كان جميلا من رابطة المرأة العربية ان اسست ناديا للمطلقات، تقوم مهمته علي الاستماع "لفضفضة" المطلقات ومحاولة مساعدتهن علي اجتياز هذه التجربة المؤلمة. تقول مديحة السيد "مطلقة" ان طلاقي من زوجي كان حتميا لكثرة المشاكل بينما، سقط القناع عنه بعد زواجنا مباشرة، لم يعد ذلك الرجل الرومانسي اللطيف الذي احببته وتزوجته، بدأت شخصيته الحقيقة تظهر، اصبح جافا في تصرفاته وعدوانيا معي. وتضيف: ظننت بعد طلاقي ان صديقاتي سوف يقفن بجواري في هذه المحنة، ولكن اختلف الامر، ولاحظت انهن يتجنبن الحديث معي وزيارتي، بعد ان كان منزلي لا يخلو يوما منهن، واكتشفت مع مرور الوقت انهن يرفضن مرافقتي حتي في المواصلات العامة. وتري هند احمد "مطلقة" ان المجتمع يحمل مسئولية الطلاق للمرأة وتصبح في قفص الاتهام وحيدة تصارع الآلام، ولا تجد من يواسيها، بل كل ما تجده نظرات كلها تحمل معاني الاحتكار في حين ان الرجل دائما ما يكون فوق الشبهات والشائعات، ويعتبرون انه لا يعيبه الا قرشه او جيبه كما يقولون. وتضيف: ان الاسرة لا يتسع صدرها للمرأة المطلقة بل تقابلها بقسوة وكأنها خادمة وتسمعها كلاما قاسيا وتحملها الذنب في الطلاق، علي الرغم من انه يفترض قيام الاسرة بتخفيض الآلام عنها، ومحاولة اخراج ابنتهم المطلقة من الضغوط النفسية والاجتماعية التي تعاني منها بعد الطلاق، ومساعدتها علي الخروج الي المجتمع مرة اخري لكي تصبح امرأة منتجة. وتقول مبروكة جابر لنادي المطلقات انها تواجه بتعليقات غير لائقة ونظرات جارحة ومؤلمة للغاية من الناس في المجتمع، الامر الذي جعلني افكر بشكل جدي في الموافقة علي الزواج من ان اي رجل مناسب يتقدم لي هربا من هذا الوضع المخزي الذي اعيش فيه. وتتابع: تبقي المشكلة في نوعية الرجل الذي يتقدم للزواج والمطلقة، فهو اما مطلق او ارمل ولديه اولاد. وتقول مني قوني ان المجتمع النسائي لا يرحم المرأة المطلقة وينكر عليها حقها في الخروج او الاختلاط بغيرها من النساء، لان اغلبية النساء تري ان المطلقة حاملة لعدوي الطلاق وبالتالي اقتراب اي واحدة منها لا يعني الا خراب بيتها لانها في نظرهن "خاطفة رجالة". وبعد التعرف علي آراء بعض المطلقات ورصد نظرات المجتمع لهن توجهنا لخبراء الاجتماع ليعللوا العوامل التي ادت الي هذه الوضعية التي تعانيها المطلقة في المجتمع بعد ان كانت زوجة سابقة. د. أحمد المجدوب خبير علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يقول: لقد اصبح المجتع مريضا بأمراض اجتماعية خطيرة ويعاني من تناقضات غريبة من ضمنها التعامل مع المرأة المطلقة كعدوة، ولذا يفضل الابتعاد ويعرض الرجال عن الارتباط بها لاسباب وهمية، مثل ان المرأة المطلقة مثل "الطبخة البائتة". ويتابع: كما يوجد اعتقاد خاطئ لدي البعض مؤداة ان المرأة المطلقة احتمالية انحرافها كبيرة، ولا يؤمن جانبها ولا يجب الاطمئنان اليها، ويعتبرها بعض الرجال فريسة لهم، غير ان المطلقة تكون علي عكس ذلك تماما، فهي الاكثر حرصا علي كرامتها وعفتها من نظيراتها اللائي يعشن في كنف ازواجهن. ويضيف د. المجدوب: الغريب في الامر ان اكثر اعداد المطلقات هن النساء انفسهن وذلك لخوفهن علي ازواجهن من ان تخطفه المطلقة، لانهن يعتبرن السيدة المطلقة تبحث عن اي فرصة للزواج حتي لو كان زوج اعز صديقاتها والشئ المدهش ايضا ان اسهم المرأة المطلقة بدأت تهبط حيث لا يتقدم للزواج منها سوي زوج علي المعاش ويحتاج الي سيدة تخدمه او مريض يحتاج الي زوجة ممرضة او رجل مزواج او آخر طامع في مالها لو كانت غنية. كما يحمل د. المجدوب الاسرة مسئولية انحراف المطلقة في حال حدوثه، لان الاسرة اصبحت تصد المطلقة ولا ترحب بها، بل في كثير من الاحيان تقوم بطردها ويري ان المطلقة لا تهدد المجتمع كما يدعي البعض، بل المجتمع هو الذي يهددها بإغلاقه جميع الابواب امامها ووصمه لها بالانحراف فضلا عن قيامه برصد خطواتها ومقاطعة الصديقات لها لا شيء سوي لانها اصبحت مطلقة فكلهن في هذه الحالة يرفعن شعار "الباب الذي يأتيك من الريح اغلقه واستريح". وتري د. سامية خضر استاذ علم الاجتماع بجامعة شمس ان المطلقة من اكثر النساء حساسية وهي اكثر تعرضا للاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية، بسبب الهمسات والنظرات الغريبة التي تحيطها وتشعر الكثيرات من المطلقات بالاكتئاب والعزلة نتيجة لابتعاد الصديقات عنهن او خوف النساء منهن او كثرة الشائعات حولهن. وينصح د. يسري عبد المحسن استاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة جميع المطلقات بأن يشغلن اوقاتهن بممارسة انشطة جديدة ومفيدة، كأن يكملن تعليمهن او يحصلن علي وظيفة او يلتحقن بناد اجتماعي، وغيرها من الانشطة الاجتماعية التي ستعزز احترامهن لانفسهن كما ان هناك كثيراً من المطلقات في حاجة الي المساعدة من خبراء الصحة النفسية ولكنهن قد يخجلن من التوجه لعيادة نفسية، ومهم جدا لكل مطلقة ان تكون لديها ارادة قوية لاثبات ذاتها في المجتمع وان توافرت لها فرصة الحصول علي وظيفة فلا تردد في قبولها ولا مانع في التفكير في الزواج مرة اخري. ما اصعب الطلاق علي المرأة المطلقة، ففور وقوعة تعاني العديد من الآثار النفسية والاجتماعية المؤلمة للمطلق و "المطلقة" وان كانت الاخيرة هي الاكثر معاناة حيث ينظر المجتمع لها نظرات مليئة بالريبة والشك، فضلا عن ابتعاد الصديقات عنها خوفا علي ازواجهن منها، ويعتبرها البعض خطرا يهدد المجتمع ووصمة عار تلاحق من يقترب منها، الامر الذي يجعلها حبيسة سجن اجتماعي من نوع خاص، لا يستشعر مراراته الا هي.