كيف يصبح أدبنا العربي. .. عالمياً؟ هذا سؤال يتردد في الصحف وفي المجالس كثيرا وتختلف الأجوبة عنه اختلافا كبيرًا لقد برز في عصرنا هذا شعراء وأدباء كبار في مصر ولبنان والشام وفي غيرها من الأقطار العربية، وظهرت لبعضهم ترجمات في لغات أجنبية ولكن أحدا منهم لم يظفر بشهرة عريضة. وكم أحب بعضهم أن تمنح "جائزة نوبل" أديبا أو عالما عربيا ولكن آمالهم خابت، وقد عدوا إقامة تمثال لأحمد شوقي في إحدي حدائق روما، اعترافا من الغربيين بفضله وبفضل العرب من ورائه، وهذا التفكير يدل علي "سذاجة" مفرطة فهل يصبح ادبنا عالميا وكيف ومتي يكون ذلك. ان أدبنا الجديد سيفرض نفسه عالميا ان شاء الله وأما أدبنا القديم فيجب علينا ان نحسن اختيار ما ننقله منه إلي اللغات الأجنبية بحيث ترضي مختاراتنا أذواق الغربيين وتوافق ميولهم لا أن نعطيهم من الشعر مالا يعدونه شعرا ومن النثر مايجدونه غثا باردا. لقد غني بعض المستشرقين والعلماء بآثار ابن خلدون والجاحظ وطائفة من فقهائنا ومتصوفتنا ولكن ذلك بقي محصورا في دوائر ضيقة ومن المؤسف حقا أن شعرنا العربي لم يظفر بعناية أديب شاعر يصنع له مثل صنيع "فيتزجرالد" الذي ترجم رباعيات الخيام ترجمة تعدل الأصل بل تفوقه أحيانا، وبذلك ضمن لشعر عمر الخيام في الغرب مكانة رفيعة جدا وشهرة واسعة جدا، لم يبلغها الا قليل من الشعراء الغربيين أنفسهم، ان الغربيين لايكترثون لشعر المديح والهجاء، وليس كل كلام منظوم عندهم شعرا وشعر الحكمة والامثال قد يستمعون اليه في المسرحيات ولكنهم لايقبلونه، ولا يقبلون عليه في الدواوين الشعرية. وهكذا يستوجب الأمر منا أن نشرك في اختيار مانحب نقله إلي اللغات الغربية أدباء غربيين إلي جانب ادباء عرب يعرفون المذاهب الأدبية الغربية والذوق العربي فهل تفكر في هذا العمل الجليل جماعة او جامعة او حكومة؟.. ان ادبنا العربي في العصر الوسيط ومابعده، نقل إلي اوروبا بلغات كثيرة، كاللاتينية، والأسبانية والفرنسية وغيرها، وتأثر به بعض عباقرة الأدب الغربي واقتبسوا منه، وان لم يشيروا إلي ذلك وسأضرب امثلة لما اقتبسه عنا أولئك العباقرة في رواياتهم أو أشعارهم، ولكن الأمر المجمع عليه هو أن الغرب عرف تراثنا وأقبل عليه وتأثر به من خلال قصتين شعبيتين مشهورتين، هما : (الف ليلة وليلة)و(سيرة عنترة) أما سيرة عنترة، فأمرها آخذ في التقلص أو الانحسار، وأما الف ليلة وليلة، فهي في ازدياد وأتمني علي اخواننا من الادباء والناشرين ان يحققوا الأمرين الآتيين: أولا: اعادة النظر في قصص " الف ليلة وليلة " و"سيرة عنترة " وغيرهما من القصص الشعبية، وتهذيبها وتحريرها من الألفاظ البذيئة واعادة صياغتها عند الضرورة ثم طبعها طباعة جيدة مزينة بالصور الفنية الجميلة ولا بأس بالاستعانة بما صنعه الغربيون في هذا المجال فقد قام فنانوهم ومخرجوهم بأعمال باهرة حقا فصدرت طبعات بالغة الاناقة لقصص مختارة من الف ليلة وليلة يتهاداها الناس في أعيادهم وأفراحهم ويقبل عليها الكبار قبل الأطفال ويتباري في اقتنائها النساء والرجال. ثانيا : الاقتباس في كتبنا المدرسية، من قصصنا الشعبي أو نقل قطع مختارة كاملة منه، فهو جزء من تراثنا الحضاري وقد أصبح أدباً عالميا، ومن العار أن يعرفه الغربيون ويجهله أصحابه، وأن يكبره الغريب ويحقره الغريب النسيب. وهناك العديد من الأعمال الأدبية الغربيه التي تدل علي أن العرب سبقوا عباقرة الأدب الغربي إلي معان ابكار في الشعر والقصه ومنها علي سبيل المثال رواية البخيل التي تعد من أحسن مسرحيات الكاتب الفرنسي الكبير موليير واكبر ظني أن موليير قرأ مجموعات من الادب العربي في الاندلس وأنه اقتبس منها فقد قرأت في كتاب الجهشياري ما يأتي: يروي عن أبي عبد الله بن الجصاص أن يده خرجت من الفراش في ليلة باردة فأعادها إلي جسده يثقل النوم فأيقظته، فقبض عليها بيده الاخري، وصاح اللصوص، اللصوص فاقتبس موليير هذا المشهد في مشهد وموقف روايته هذه كما جاء هارباجون، البخيل في حجرة نومه ينهض مذعورا ويصيح بصوت متهدج إلي اللص إلي اللص إلي القاتل.. إلخ من هذا قف ثم يصيح وهو يقبض عليه بيده اليمني علي يده اليسري مخاطبا في توهمه اللص.. ألا يوحي الينا هذا التطابق والتماثل في المبني والمعني أن هناك تقليدا ان لم نقل سرقة أدبية لامجرد توارد خواطر ووقوع الحافر علي الحافر. ومن أهم الأمثلة العظيمة أيضا علي اقتباس الغربيين الأدب العربي " شكسبير " الذي أظهر النقاد المثقفون من الغربيين أن الأديب الايطالي المشهور" دانتي" أخذ الكثير في جنته وجحيمه، عن معراج النبي (صلي الله عليه وسلم)، وعن المصري ومن كتابات المتصوفة المسلمين ولكن أحداً لم يعكف في حدود معرفتي علي مسرحيات شكسبير، أعظم كاتب مسرحي في العالم ليكشف عن آثار العبقرية العربية فيها كان أستاذنا المرحوم الشيخ /عبد القادر المغربي يقول أو ينسب اليه أنه قال إن شكسبير عربي الأصل واسمه الحقيقي " الشيخ صابر"، فحرفوه وان كان الباحثون لم يتفقوا حتي اليوم علي نسب شكسبير ولكننا نستطيع الجزم بأن شكسبير وقف علي كثير من روائع الأدب العربي ففي رواية " أوثيلو" التي عربها خليل مطران واختار لها اسم عطيل وهذا في نظري خطأ فاحش لأن الاسم العربي الصحيح هو "عطاء الله " وفي رواية " ماكبث " ورواية روميو وجولييت " فتذكر بقصة " وضاح اليمن " وقصيدته المشهورة وهو يخاطب حبيبته في برجها المنيع. نجد مواقف كثيرة ونقرأ جملا كثيرة لها أشباه ونظائر في أدبنا العربي القديم فكان شكسبير يعرف كثيرًا من أخبار العرب وأشعارهم وحكاياتهم وأساطيرهم. ما في عندي شك وهذا لاينقص من قدره شيئا ولكن أخذه عن العرب يؤكد فضلنا علي مسرح شكسبير العالمي هذا الفضل الذي لم يشر أحد اليه ومهما يكن الأمر فليست غايتنا أن نثبت أمرا لا ينفعنا، هو أن الغربيين سرقوا منا أوأخذوا عنا ولكننا نريد أن نثبت لهم، ولشبابنا أن عبقريتنا العربية حلقت في كل الآفاق وغاصت في كل الأعماق وإنها تلونت وتشكلت بكل ألوان الإبداع وأشكاله وكانت رائدة في كل مجال، ولو امتد العمر بحضارتنا ولم يتآمر عليها برابرة من الغرب والشرق، لبلغت قبل مئات الأعوام اكثر مما بلغه الغرب اليوم في آدابه وعلومه.