انتهجت وزارة التجارة والصناعة منهجا في التجارة الداخلية لا يحقق الجانب الوقائي المانع من وقوع جرائم الغش التجاري ولا يحقق الجانب العلاجي القامع عند وقوعها نتيجة قرار وزير التجارة والصناعة 535 لسنة 2007 الذي حال دون أي تواجد رقابي دائم ومستمر بأسواق مصر. طالعتنا جريدة (الأهرام المسائي) بعددها الصادر يوم الأحد الموافق 17 أكتوبر سنة 2010 بخبر تحت عنوان (فساد الغشاشين) تضمن الاجراءات التي يعتزم كل من اتحادي الغرف التجارية والصناعات اتخاذها لمحاربة السلع المغشوشة استجابة لطلب المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الذي آلت إليه التجارة الداخلية منذ أكثر من خمس سنوات تقريباً.. والتأكيد علي أن أحد المعايير الرئيسية لتقييم حماية الأسواق من جرائم الغش التجاري هي وفرة منتجات تتسم بالجودة المطلوبة والأسعار الملائمة وهذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث تعتبر أنشطة التجارة الداخلية أحد المحاور الرئيسية لتحقيق المعدلات المستهدفة للنمو الاقتصادي من خلال عدة محاور لضمان استقرار السوق وتوظيف القدر اللازم من الاستثمارات بما يساهم في زيادة معدلات التنمية التي من أهمها سلامة وأمان السلع المتداولة حماية لحقوق المستهلك مثل حق المفاضلة والاختيار بين المنتجات.. وبالرغم مما يدعيه البعض من أن الضرر الناشئ عن الغش في عدم مطابقة السلعة للمواصفات القياسية المقررة نتيجة نقض أو إضافة أحد مكونات السلعة لعنصر ضار بالصحة أو قاتل للانسان أو الحيوان أو النبات إلا أن جرائم الغش التجاري تعتبر في جميع الأحوال من جرائم الخطر وجرائم الضرر سواء بالهياكل الانتاجية أو التسويقية أو التجارية الملتزمة، فضلاً عن الإهدار بحقوق ومصالح المستهلك القانونية والاقتصادية، لذا فإن الغش التجاري إخلال أيضاً بقواعد وآليات السوق باعتباره احدي الممارسات الضارة بالمنافسة المشروعة نتيجة تداول المنتجات المغشوشة بالأسواق ووصولها ليد المستهلك بأثمان زهيدة وأسعار مغرية خاصة لمحدودي الدخل.. وعلي هذا فإن رابطة الاتصال بين تلك المنتجات وايدي المستهلك تتم عن طريق وسائل تسويقية متعددة الاشكال والأنماط تتخذ من خداع المستهلك وسيلة اسباغ للشرعية علي واقعة غير حقيقية من الوقائع المرتبطة بكيان المنتجات أو أصلها أو مصدرها، كما يتحقق أيضاً بأسلوب إيجابي كتأكيد البائع للمشتري بأن السلعة من نوع معين خلافاً للحقيقة أو بسلوك سلبي إذا سكت البائع عن تنبيه المستهلك لحقيقة البضاعة محل العرض حتي اشتراها بمعيار غير مطابق للحقيقة.. أما جريمة الخداع فهي تتحقق بالكذب المجرد فقط بعكس الاحتيال الذي يتطلب جهداً مبذولاً حتي تتحقق غاية الفاعل.. ولمواجهة ظاهرة الغش التجاري فإن الأمر يتطلب تحديد نقطة بداية تتمثل في كسر الرابطة والتعامل مع تلك الظاهرة..فهي قد تكون البداية عند المستهلك أم عند المنتجين أم عند التجار والمستوردين.. وكل بداية فيها تتميز بمميزات خاصة تختلف عن الأخري فإن بدأنا بالمستهلك فالأمر يتطلب رفع الوعي الاستهلاكي والقدرة علي الاختيار بين السليم والمغشوش وإذا بدأنا بالمنتجين والتجار والمستوردين فإن ذلك يستوجب وضع عدة قواعد أهمها مم الانتاج العشوائي ومنع تداول المنتجات غير المصحوبة بالمستندات الدالة علي مصدرها.. أو استخدام وسائل الاعلام المختلفة في عرض إعلامي عن المنتجات دون تحديد أماكن مصدرها حتي يمكن تحديد المسئولية والوصول إلي الايدي الخفية الآثمة في الغش التجاري الذي أصبح ظاهرة تعكس وجها قبيحا لسلوك بعض من بني البشر الذين أرادوا الثراء السريع والربح الوفير علي حساب أفراد المجتمع دون باعث من دين أو وازع من ضمير.. لهذا تصدي المشرع المصري لذلك بالردع اللازم من خلال تشريعات لها القدرة الفعالة لمواجهة جميع صور الغش التجاري ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك دون توافر الجهاز الرقابي بالتقنيات التكنولوجية الحديثة لتحقيق الجانب الوقائي المانع من وقوع جريمة الغش التجاري بالأسواق من خلال التواجد الرقابي الدائم والمستمر، فضلاً عن قدرته لتحقيق الجانب العلاجي القامع عند وقوع هذه الجريمة ولذا فقد حرص القرار الجمهوري 420 لسنة 2005 الصادر في 30/12/2005 والذي بموجبه آلت التجارة الداخلية للمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة وبموجبه حدد لوزارة التجارة والصناعة عدة اختصاصات لتنمية التجارة الداخلية من أهمها الرقابة علي الأسواق لتوفير حماية المستهلك من عمليات الغش التجاري، فضلاً عن حماية الهياكل الانتاجية والتجارية من الممارسات الضارة بالمنافسة المشروعة والتي من بينها حالات الغش التجاري والتدليس إلا أن منهج وزارة التجارة والصناعة جاء علي النحو التالي: أولاً: أصدر المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة القرار 535 لسنة 2007 بتشكيل الهيكل التنظيمي للتجارة الداخلية المنوط به مكافحة الغش التجاري بالأسواق الداخلية للبلاد بما يخلو تماماً من وجود أية أقسام ادارات تتبع وزير التجارة والصناعة بجميع محافظات الجمهورية، الأمر الذي يعد تنازلاً صريحا من وزارة التجارة والصناعة عن الالتزام باختصاصاتها المنوطة بها في تواجد أجهزتها الرقابية داخل الأسواق الداخلية والتي من شأنها أن يتحقق الجانبان الوقائي المانع والعلاجي القامع المشار إليه سلفا ويزداد الأمر سوءاً حينما نجد أن قوة وزارة التجارة والصناعة من رجال الضبط القضائي لمواجهة جريمة الغش التجاري لا يزيد عن 190 رجلاً أو يكاد في الوقت الذي كانت الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية لمكافحة الغش التجاري تزيد عن عشرة آلاف رجل من رجال الضبط الوقائي بجميع محافظات الجمهورية يعملون ليلاً ونهاراً وفق خطط رقابية لمواجهة حركة تجارة السلع والخدمات بالأسواق وانتظام واستقرار أداء السوق.. والسؤال المطروح: هل هذا القدر من رجال الضبط القضائي الكائنين بقطاع التجارة الداخلية بمبني وزارة التضامن الاجتماعي ومقرها 99 ش قصر العيني يكفي للتواجد الرقابي المانع من حدوث جريمة الغش التجاري علي الأقل.. وهل يصح لوزير التجارة والضاعة المنوط به الاختصاص الاصيل وفقاً للقرار الجمهوري 420 لسنة 2005 مواجهة جرائم الغش التجاري بمحافظات الجمهورية بهذه الكيفية وبتلك الأدوات.. الحقيقة المسكوت عنها أن تنمية التجارة الداخلية وانتظام أداء الأسواق أصبح ضرباً من الخيال وتلك هي تجربة تولية رجال الأعمال وزارات لها أهميتها الاقتصادية والاجتماعية.