الزغاريد تملأ الشوارع التي زينت بصورها.. يعزف الجيش الوطني للدولة أغنيتها الشهيرة "تسلم ياعسكر لبنان" التي تمثل نشيدًا وطنيًا ثانيًا يوازي النشيد الرسمي لدولة لبنان.. تأتى الجماهير من مختلف الأعمار والأنحاء تحمل الزهور وصور "الشحرورة".. يأتي الفنانين إليها من مصر ولبنان ليودعوها الوداع الأخير.. وفرق راقصة تقدم رقصة "الدبكة"..يجمل المشهد بأكليل من الورود ترسله إليها السيدة فيروز مدون عليه عبارة "شمسك ما بتغيب"..هكذا نفذت وصية "الصبوحة" بما تمنته وبما لا تطلبه. لم يكن وداع جثمان الشحرورة باليوم العادي على دولة لبنان، فقد كان يوماً للفرح.. للتفاؤل.. للرقص لا للدموع والأحزان، لكن محبي الصبوحة لم يلتزموا بوصيتها حرفياً فقد فوجئوا بالكثير والكثير، فمنهم من جاءها حاملاً بورتريه مرسوما بيديه لوجهها المشرق المحفور بالأذهان، وآخرون قاموا بالعزف لها على الناي، وغيرها بالكثير من معالم تعبير عن حب جماهير الصبوحة إليها. اجتمع محبو الشحرورة على كلمة واحدة تؤكد أن "صباح = لبنان"، أكدوا في أحاديثهم أنها جعلت من الدولة رمزاوقوة لم يستطع السياسيون أن يقدموا للشعب، بل وصفوها بأنها مثل "شجرة الأرز" المنقوشة على علم بلادهم. رقصات الدبكة لم تتوقف في أرجاء المدينة على مدار اليوم، فقد ملئت الشوارع المحيطة وأمام كنيسة "ماري جرجس" التي شيعت بها جثمان الفقيدة، ظل الجميع يرقص للصبوحة تنفيذاً لوصيتها، وارتدوا ملابس مبهجة زاهية بأهي الألوان، ولم تتركها الفرق الراقصة بل انتظرتها فرقة "الزفة" اللبنانية أمام منزلها بوادي شحرور، لتودعها قبل أن تنتقل إلى مثواها الأخير في بدادون. محبي الشحرورة لم تنزل لهم دمعة واحدة، بل إنهم ما لبثوا أن رأوا تابوت جثمان الراحلة ملفوفا بعلم الدولة إلا وحمله وظلوا يرقصون به على أنغام أغنيتها الشهيرة "تسلم يا عسكر لبنان". حضور كبير لفنانين لبنان ومصر، كان في مقدمتهم الفنانة ماجدة الرومي، ومدير أعمال الراحلة جوزيف غريب، ورولا سعد، وراغب علامة، وليد توفيق، ولبلبة، الإعلامية بوسي شلبي، إلهام شاهين، والمذيعة أنابيلا هلال، ومريام فارس، وهيفاء وهبي وغيرهم. التليفزيون اللبناني نجح على مدار الأيام الماضية في إحياء ذكرى الصبوحة، بل جعلوا من وفاتها عيداً، نجحوا في عرض كثير من لقاءاتها وأعمالها النادرة، وقدموا كثيرا من التقارير المتنوعة عن حياتها ومشوارها الفني إضافة إلى النخب الفنية والإعلامية التي كانت تتحدث عنها طوال الوقت. اتفق الجميع على كرم الشحرورة.. على عطائها.. محبتها.. على ابتسامتها التي كانت تحرص على رسمها على وجوه الجميع..اتفقوا على أنها رمز الوطن، والدولة.. نفذوا وصيتها وستظل باقية بفنها الذي أثرت به عالمنا العربي. يودع محبو الشحرورة الجثمان بطلقات وألعاب نارية، وبأجراس الكنيسة التي ظلت تطلق دقتها استعداداً لاستقبالها.. ظلوا يحملوها على الأعناق ويرقصونها بأيديهم، ولم يشعروا لحظة بأية أوجاع من الوقوف في انتظارها منذ الصباح الباكر حتى دفنها بمثواها الأخير بمسقط رأسها.