جاءت تعاليم الإسلام لتقف موقف مناهض ورافض لكل المعتقدات أو الممارسات التي لا تمت إلى المنطق وصحيح العلم بصلة كالسحر والكهانة والشعوذة وما إلى ذلك ، لكن رغم رفض ديننا لهذه المعتقدات فإن بعض هذه المعتقدات لا تزال مثار جدل كبير، والمثال البارز لذلك قضية "العين" ، فما هو المراد بالعين؟ وما هو الموقف العلمي والإسلامي منها؟ تعريف العين : هي عبارة عن نظر المرء باستحسان مشوب بحسدٍ وخبث وحقد بحيث يحصل للمنظور إليه إنساناً كان أو حيواناً أو شيئاً ضرر أو عطب، قال ابن منظور في لسان العرب : "والعين: أن تصيب الإنسان بعينٍ، وعان الرجل يعينه فهو عائن والمصاب معيون"، وتوجيه سهام العين على فرض صحتها لا تصدق في كل الناس، وإنما تحصل من بعض ذوي النفوس الخبيثة التي يتملكها الحسد ويسيطر عليها الشعور بالنقص، و قد تؤثر بصورة عفوية غير إرادية بمعنى أن العائن لا يدرك ولا يشعر بما يترتب على نظرته المسمومة من إضرار بالآخرين، بل قد يضر بعض محبيه على ما يقال، حتى أنه ورد في بعض التعويذات الشعبية الاستجارة من عين المحب : حفظتك بالله من عين أمك وأبوك واللي بيحبوك .. كما أنها قد تؤثر بصورة إرادية متعمدة، ويحكى أن بعضهم إذا أراد أن يصيب أحداً بالعين تجوّع ثلاثة أيام ثم ينظر إليه فيصرعه ! .. ولكن هل كل حاسد قادر علي إصابة غيره بالعين ؟ والجواب: إن الحسد هو عبارة عن انفعال نفسي يتمنى صاحبه زوال النعمة عن المحسود سواء رغب الحاسد أن تكون النعمة له أم لا . وهذا الانفعال الذي يتحكم بالحاسد ويعتمل في نفسه بسبب عُقَده النفسية وخبث سريرته ربما بقي حبيساً لديه، وتظل في حدود الأماني وهذا هو الحسد .. وربما خرج عن حيز الأمل الذي يعتمل في الصدور إلى حيز الفعل وإلحاق الضرر بالغير، إما عن طريق اليد أو اللسان أو العين إن ثبت أن للعين قدرة على التأثير والحالة الأخيرة فقط هي التي تسمى بالعين ، أي أن كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائن . تجذر الاعتقاد بالعين: وباليقين أن الاعتقاد بالعين لم يكن من مختصات أمة العرب ، بل هو اعتقاد قديم وواسع الانتشار، فقد عرفته مختلف الشعوب، فآمن به الفينيقيون والفراعنة واتخذوا للوقاية من العين الأحجبة والتعاويذ والخرز الأزرق، كذلك آمنت به الشعوب الأوروبية لا سيما الإيطاليين، فقد ذكر عن ملك أسبانيا ألفونس الثالث كان يصيب بالعين وأنه تسبب في قتل مئات الأشخاص بسبب نظره إليهم طويلاً ، والاعتقاد عينه منتشر كذلك لدى الشعوب والقبائل الإفريقية . والاعتقاد بخطر الإصابة العين متجذر لدي العرب ويعود إلى العصر الجاهلي ، حيث اعتقد العرب أنّ عيون بعض الناس لا تنتج إلاّ شراً وهي لا تكاد تكون في خير مطلقاً ولذلك تجنبوا العائن وابتعدوا عنه، وقد تفننوا في ابتداع وسائل الوقاية من العين فاستعملوا الخرز والتعاويذ والرقى، والتمائم من قبيل تعليق كعب الأرانب أو منقار الغراب على أنفسهم، كما اتقوا العين الصائبة بوضع الوشم على الخدين والذقن، ومن الأمثال العربية المتعلقة بإصابة العين قولهم: " العين أدخلت الجمل القدر وأدخلت الرجل القبر . وفي الإسلام يثبت كثير من الشراح والمفسرون وجود العين ، ففي تفسير قول الله تعالى: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين يقول ابن كثير : قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "ليزلقونك" لينفذونك "بأبصارهم" أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم أ.ه. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. يقول صلى الله عليه وسلم : "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؛ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ" ( حديث صحيح )، ويقول الشاعر: ترميك مزلقة العيون بطرفها *** وتكل عنك نصال نبل الرامي وبالنظر إلى عصرنا فإننا نلاحظ أن الاعتقاد بالعين لا يزال منتشراً في مختلف الأوساط ولدى كافة الشعوب سواء من أتباع الأديان السماوية أو غيرهم، أجل إن نسبة المعتقدين بالعين تتدنى في أوساط المتعلمين ومرتادي الجامعات وذوي الاختصاصات العلمية. وعن حقيقة تأثير العين نبسط مقالنا القادم بمشيئة الله تعالي .