مما لاشك فيه ان قطاع الزراعة في مصر قطاع نشط يسهم بدور فعال في الاقتصاد المصري حيث يشارك بنسبة 20% من إجمالي الناتج المحلي ويستوعب ما يزيد علي 30% من العمالة المصرية ، 14.8% من جملة الصادرات السلعية غير البترولية ، كما يؤمن جانبا من خامات الصناعات الزراعية ، ويتيح فرص عمل لما يقرب من 27% من السكان ، إلا أن الزراعية المصرية تعاني أزمة حقيقية ، فمساحة الأرض المنزرعة التي تقدر 8.5 مليون فدان لا تكفي الاحتياجات الغذائية تحديداً ، إذ تبلغ مساهمة الإنتاج الزراعي 50% فقط من الحاجة لمحاصيل القمح والذرة والفول ، 2% للعدس ، 8 لزيوت الطعام ، 68% للسكر واللحوم والألبان المجففة والزبد البقري ونظراً لندرة الموارد الطبيعية من أرض ومياه وانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة النباتية والحيوانية وتوسيع دائرة الفقر الريفي ، يتوقع أن تزيد الفجوة الغذائية مستقبلاً نظراً للمشاكل الزراعية والتسويقية التي تواجه المزارعين من عدم توفير مدخلات الإنتاج من أسمدة وتقاوي ومبيدات بالأسعار والجودة المناسبة . هذا فضلا عن مشاكل تسويق مخرجات الإنتاج من المحاصيل المختلفة وترك المزارعين فريسة للتجار والوسطاء ومحتكري السلع الغذائية والمستفيدين من مصدري ومستوردي تلك السلع الغذائية المقربين من متخذي القرار ،وهذا يؤدي إلي اتخاذ قرارات تسويقية غير مدروسة خاصة باستيراد وتصدير المنتجات الزراعية تصب في صالح تلك الفئة وتسبب ضرراً بالغاً بالاقتصاد القومي والمزارعين والمتاجرة بقوتهم , مما ينتج عن تلك السياسات عزوف كثير من المزارعين عن زراعة المحاصيل الإستراتيجية الهامة وهذا ينعكس علي زيادة الفجوة الغذائية وارتفاع فاتورة استيراد تلك السلع الغذائية مما يشكل عبئاً علي الموازنة العامة للدولة عام بعد الأخر .
تلك السياسات تؤدي مستقبلاً إلي أن تصبح مصر مستورداً كاملاً للغذاء بعد ارتفاع الفجوة الغذائية خلال الثلاث سنوات السابقة إلي 60% من حاجة البلاد من الغذاء وفي هذا الصدد طالعتنا الصحف بتصريح وزير التموين بالبدأ في استيراد الأرز من الخارج لتغطية متطلبات بطاقات التموين بداية من شهر ابريل 2014 .
فيما يتعلق بمحصول الأرز لهذا العام 2014 وما هو معلوم وموثق بوزارة التموين ووزارة الزراعة ، يوجد في مصر علي الأقل نصف مليون طن أرز أبيض زيادة عن الحاجة من الإنتاج المحلي للأرز المصري لموسم 2013 فلماذا الاستيراد ؟ هذا فضلا عن أن الأرز المصري يتميز بجودة عالية ويحقق أعلا سعر في السوق العالمي حوالي 980 دولار للطن ، بينما الأرز المستورد لا يقبل عليه المستهلك المصري نظراً لاختلاف نمط الاستهلاك سواء للأرز طويل أو متوسط الحبة ، حيث أنه مرتفع في نسبة الاميلوز ويكون جاف بعد الطهي ولا يقبل عليه المستهلك المصري .
وقد سبق استيراد تلك النوعية من الأرز من الخارج وتم توزيعه علي بطاقات التموين بنفس سعر الأرز المصري ولم يقبل عليه المستهلك المصري وقدم علفاً للإنتاج الحيواني ، فكيف يتم مساواة الأرز المستورد الذي يستورد بسعر 420 دولار للطن ، بالأرز المصري الذي يصدر بسعر 980 دولار للطن ، بذلك يكون هناك خسارة حوالي 560 دولار للطن بجملة حوالي 280 مليون دولار علي الخزانة العامة الدولة إذا ما تم تصدير نصف مليون طن من الأرز المحلي الزائد عن حاجة الاستهلاك المحلي وعدم استيراد أرز من الخارج ،حيث أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من سلعة الأرز وتصدير الفائض منذ سنوات وحتي هذا العام . وكانت مصر تصدر سنوياً حوالي مليون طن أرز أبيض يحقق عائد حوالي مليار دولار سنوياً قبل إيقاف تصدير الأرز في عام 2008 .
إذن الإنتاج المحلي من الأرز يكفي متطلبات بطاقات التموين بحوالي 1.2 مليون طن والاستهلاك المحلي الحر بحوالي 2.3 مليون طن بجملة 3.5 مليون طن ويكون هناك فائض عن الحاجة بحوالي نصف مليون طن فلماذا يتم فتح استيراد الأرز من الخارج ؟ ومن المستفيد من ذلك الفرق في السعر من هم وراء فتح استيراد الأرز من الخارج وكانت مصر من أكبر الدول المصدرة للأرز قصير ومتوسط الحبة ذات الطراز الياباني والذي ينافس في جودته أرز كاليفورنيا وأرز استراليا .
تلك هي نفس السياسات التي تتبع في تسويق محصول الذرة الشامية الصفراء والفول البلدي والمحاصيل الزيتية والبقوليات الأخرى كذا القطن قصير التيلة أثناء حصاد تلك المحاصيل في مصر وبدأ تسويقها ينخفض سعرها في السوق العالمي ويفتح الاستيراد لتلك السلع من الخارج لإحداث حالة من الإغراق وخفض أسعار منتجاتنا الزراعية، مما يؤدي إلي عزوف المزارعين عن زراعة تلك المحاصيل لفشل تسويقها وعدم وجود آلية لتسويق منتجاتنا الزراعية وقت حصادها واتجاه الحكومة إلي استيرادها من الخارج ، وانخفاض أسعار تلك المنتجات الزراعية في السوق العالمي متعمد من الخارج كل عام ولتحقيق خسائر من زراعتها بمصر وقف الحصاد في مصر ويعزف المزارعين عن زراعة تلك المحاصيل الإستراتيجية وتتجه مصر إلي استيرادها من الخارج هذا مخطط محكم لتدمير الزراعة المصرية وهجرة المزارعين لأراضيهم والبحث عن مهنة أخري أكثر ربحية، ثم تعود الأسعار إلي الارتفاع في السوق العالمي مرة أخري بعد انتهاء موسم حصاد تلك المحاصيل بمصر .
أناشد الحكومة ضرورة عدم استيراد الأرز من الخارج وعليها مراجعة السياسات السابقة لاستيراد الأرز من الخارج ونتيجة ذلك وما حققته من خسائر فادحة علي الاقتصاد القومي ،كذا خطورة تصدير الأرز المصرى بسعر 980 دولار للطن واستيراد أرز سيئ الجودة بسعر 420 دولار للطن توزع على بطاقات التموين بنظام (إعادة التصدير) وسوف يكون الفارق هو 560 دولار للطن ربح يذهب إلى المستورد وفى جميع الأحوال المزارع هو الضحية، كذا العمل علي وقف استيراد المحاصيل المشابهة عند حصاد محاصيلنا حتي تستطيع المزارعين من تسويق منتجاتهم بأسعار مناسبة وتحقيق هامش ربح عادل يحقق حياه كريمة للمزارعين وعدم هجرة المزارعين للزراعة وتشجيع المزارعين علي الاستمرار في زراعة تلك المحاصيل التي تعاني مصر منها من فجوة غذائية وخاصة محاصيل القمح ، الذرة الشامية الصفراء ، الزيوت النباتية ، الفول البلدي والعدس والسكر وذلك لحماية الزراعة المصرية وعدم تدميرها عام بعد الأخر،مما سوف يتسبب في إحداث مجاعة . فقد يتوفر المال لاستيراد تلك السلع ، ولكن لا تتوفر السلعة ذاتها بإصدار قرارات حمائية من الدول المصدرة بوقف التصدير كما حدث في محصول القمح من بعض الدول خلال السنوات السابقة
فإن ما يحدث من سياسات متخبطة ومغرضة لمصلحة فئة معينة وفي غير صالح الدول والمزارعين ، فعلي سبيل المثال هذا العام موسم 2013/2014 كيف يتم وقف تصدير الأرز أثناء الحصاد بداية من شهر سبتمبر مما أدي إلي انخفاض سعره إلي 1700 جنية للطن، ثم تم فتح التصدير في نوفمبر من نفس العام بعد انتهاء الحصاد مباشرة بعد أن تم تخزينه لدي التجار ومحتكري السلعة بتلك الأسعار المخفضة ليرتفع السعر مرة أخري بعد فتح التصدير إلي 2300 جنية للطن لمصلحة من هذا الفرق في السعر خلال شهر ، ثم أوقف التصدير في نفس الشهر (في نوفمبر) وانخفض السعر مره أخري إلي ألفين جنية للطن والآن تتجه الحكومة إلي فتح استيراد الأرز في مارس من الخارج هذه السياسة سوف تؤدي إلي القضاء علي الأرز المصري نهائيا واستيراد سلعة لا يقبل عليها المستهلك المصري لانخفاض الجودة لهذه النوعية من الأرز المستورد إلي ادني مستوي .
هذا دليل علي أن الذي يوجه السياسة التسويقية للمنتجات الزراعية مجموعة المستفيدين والمقربين من الوزراء ولا أحد يفكر في مصلحة البلد وتشجيع الزراعة ومنع الاحتكار ووضع سياسة تسويق عادلة لمنتجاتنا الزراعية وعدم ترك المزارعين فريسة للتجار والمحتكرين مما سوف ينعكس بالسلب علي الزراعة المصرية وارتفاع فاتورة استيراد الغذاء وهجرة المزارعين للأرض الزراعية وتحويلها إلي كتل خرسانية وأني مستعد لمناقشة أي مسئول بالحكومة حول هذا الموضوع واستطلاع رأي عامة المزارعين والمستهلكين .