هل هناك فعلاً معركة بين الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر؟. هل تقاطعت خطوط السياسة الأمريكية والإسرائيلية أم أن كل شىء يجري بقدر ؟ الوضع ضبابي لأول مرة في علاقة الكيان الصهيوني بولية نعمته. للمعركة جانب عميق في السياسة الأمريكية. في جانب منه هناك معركة بين البيت الأبيض والكونجرس. الُمتابع لتاريخ السياسة الأمريكية في النصف قرن الماضية وتوجهات الكونجرس تحديداً الخارجية يصل ليقين أن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الأقل في الشرق الأوسط تتحكم فيه دولة إسرائيل. واشنطن في واقع الأمر عند الكثيرين مجرد مستعمرة إسرائيلية. مجلس الشيوخ ومجلس النواب منطقتان تخضعان للاحتلال الإسرائيلي، تماما مثل رام الله ونابلس. القطيعة مع الولاياتالمتحدة أمر لم يخطر على بال إسرائيلي من قبل. فالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية حسب التعبير العبري الذي يحبه نتنياهو كثيرا هى : (صخرة وجود الدولة العبرية) المتغير الجديد في شبكة العلاقات بينهما يدور حول القنبلة النووية الإيرانية المفترضة. الرئيس أوباما مصمم على إلغاء المواجهة العسكرية. ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مصمم على منع التسوية. نتنياهو يرى أن القدرات النووية الإيرانية أصبح قضية مصيرية، يتحدث عنها باستمرار. أعلن مراراً أنه تهديد »وجودى« لإسرائيل، تمثل عنده احتمال حدوث هولوكوست ثان. وفى العام الماضي تقمص دور الفنان التشكيلي كفعل أنصاف الموهوبين وأقام علي نفقة اللوبي الإسرائيلي معرضاً فنياً لنفسه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عرض فيه رسوماته الطفولية السمجة للقنبلة النووية. الأزمة المكتومة بين الحليفين قد يراها البعض أنها مجرد عملية خداع وتمويه لصرف انتباه العالم عن القضية الفلسطينية. والواقع يقطع أنه منذ سنوات كانت السياسة الإسرائيلية الخاصة بالاحتلال والمستوطنات تتقدم في هدوء متسارع بعيدا عن الأضواء. لكن المتبصر لما يحدث يتأكد أن هناك أزمة حقيقة. نتنياهو جاد وحاد بشأن القنبلة الإيرانية. والدليل على ذلك أنه مستعد فيما يتعلق بهذه القضية أن يفعل شيئا لم يجرؤ رئيس وزراء إسرائيلي على فعله من قبل وهو تهديد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. هذا قرار استراتيجي بالغ الأهمية. الربيبة إسرائيل تعتمد على أمها الحنون الولاياتالمتحدة فى كل مناحي الحياة. المعلن أن الولاياتالمتحدة تدفع مصروف جيب سنوي قدره ثلاثة مليارات دولار، الحقيقة أن ما تؤديه لإسرائيل أكثر من ذلك بكثير. بدءاً من أحدث المعدات العسكرية والتقنيات العلمية. ومظلة حق الفيتو الذي تستنقذ به الكيان الغاصب من عقوبات مجلس الأمن المرتعد. وغيره الكثير والكثير.. تري هل يفكر نتنياهو في مدي أبعد للخصومة مع أمريكا.. نتنياهو نشأ فى الولاياتالمتحدة. التحق هناك بالمدرسة الثانوية والجامعة. وهناك بدأ حياته العملية. ببساطة البيبي يظن نفسها بسبب تنشئته أنه لا يحتاج إلى مستشارين بشأن الشئون الأمريكية. يعتبر نفسه أذكى خبير على الإطلاق. الرجل في موازين السياسة ليس بأحمق. كما أنه باليقين ليس سياسياً فذاً. تقوم خطواته على التقييم القائل بأنه دوماً فى المواجهة المباشرة بين الكونجرس والبيت الأبيض يفوز الكونجرس. أوباما تنهكه قضايا أخرى ولذا سوف يُهزم، بل يدمَر. صحيح أنه ثبت خطأ نتنياهو فى المرة السابقة التى جرب فيها شيئا كهذا. إذ أيد أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية رومنى علنا. وكانت الفكرة هى أن الجمهوريين مقدر لهم الفوز. وأغدق بارون كازينوهات القمار اليهودي أديلسون المال على حملتهم.. وخسر رومنى وفاز أوباما. كذلك أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب علي وجه العموم ليسوا مغفلين (بعضهم فقط). فهم لديهم غرض واضح، وهو أن يُعاد انتخابهم. ذلك أنهم يعلمون من أين تؤكل الكتف. إذ أفصحت جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي ( أيباك ) فى سوابق عديدة، أنه يمكنها خلع أى عضو مجلس شيوخ أو نواب لا يتقبل الاتجاه الإسرائيلي. تكفى جملة ضمنية واحدة من النقد للسياسات الإسرائيلية للحكم بالموت على المرشح. في المقابل يعلم أوباما ووزير خارجيته كيرى أن الرأى العام الأمريكى يعارض تماما أية حرب جديدة فى الشرق الأوسط. وها هى التسوية مع إيران تلوح فى الأفق. وهذا أمر تؤيد كل قوى العالم تقريبا. بل إنه حتى نوبات الغضب الفرنسية المتوترة، التى ليس لها غرض واضح سوى إلقاء ثقلها المفترض فى أنحاء العالم، ليست خطيرة بل قد تكون بلا أدنى تأثير. ويبقي السؤال؛ إذا تشبث أوباما وكيرى بموقفيهما وظلا على مسارهما فيما يتعلق بإيران، هل يمكن للكونجرس تحت ضغط نتنياهو وإيباك فرض مسار معاكس؟ وهل من الممكن أن يتحول هذا إلى أخطر أزمة دستورية فى التاريخ الأمريكى؟ الزمن كفيل بالإجابة علي السؤال.. وكالعادة يكتفي العرب بالجلوس علي مقاعد المشاهدين.