رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد الميلاد المجيد    جامعة المنيا تحقق معدلات مُرتفعة في سرعة حسم الشكاوى    سعر الجنيه الإسترلينى فى بنك CIB ب مقابل الجنيه المصري    زراعة الإسكندرية: جار تشكيل لجان مرور لحصر أي مخالفين بزراعة الأرز    سكرتير عام مساعد البحيرة يتابع تنفيذ مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي    وزير الري: نعمل على توفير حياة كريمة للمواطنين بالصعيد    الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي تُناقش آفاق التعاون مع وكالة تمويل الصادرات البريطانية    تفاصيل مشروعات الطرق والمرافق بتوسعات مدينتي سفنكس والشروق    رفع أطنان من المخلفات وصيانة أعمدة الإنارة في كفر الشيخ    مصادر العربية: وفد قطري يتوجه إلى القاهرة للمشاركة في مفاوضات اتفاق الهدنة بغزة    اندلاع نيران في خاركيف بأوكرانيا جراء هجمات روسية بعد منتصف الليل    عاجل| السيسي يعزي رئيس مجلس السيادة السوداني في وفاة نجله    كوريا الجنوبية: ارتفاع عدد الهاربين للبلاد من الشمال لأكثر من 34 ألفا    موعد بيرنلي أمام نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    الداخلية: ضبط عصابتين و171 سلاحا ناريا و298 كيلو مخدرات خلال يوم    عاجل.. حملات للمديريات التموين على الأسواق لتشديد الرقابة على المخابز والأسواق    إصابة 3 أفراد شرطة فى حادث تصادم سيارة "بوكس" بالدقهلية    شذوذ جنسي وشرب الحشيش.. ننشر اعترافات المتهم بذبح طفل شبرا الخيمة    التصريح بدفن طالبة سقطت من البلكونة أثناء نشر الغسيل بالجيزة    مستشار الرئيس: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    الصحة السعودية تؤكد عدم تسجيل إصابات جديدة بالتسمم الغذائي    صافرة كينية تدير مواجهة نهضة بركان والزمالك في نهائي الكونفدرالية    عفروتو يرد على انتقادات «التقصير والكسل»    حملات لرفع الإشغالات وتكثيف صيانة المزروعات بالشروق    «الرعاية الصحية» تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد القيامة وشم النسيم    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة حديثاً لمدينتي سفنكس والشروق    عاجل| مصر تكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية والإغاثية على غزة    إندونيسيا: 106 زلازل ضربت إقليم "جاوة الغربية" الشهر الماضي    «أتوبيسات لنقل الركاب».. إيقاف حركة القطارات ببعض محطات مطروح بشكل مؤقت (تفاصيل)    "دفنوه على عتبة بيتهم".. أبوان يقيدان ابنهما ويعذبانه حتى الموت بالبحيرة    "تطبيق قانون المرور الجديد" زيادة أسعار اللوحات المعدنية وتعديلات أخرى    5 ملايين جنيه إيرادات أفلام موسم عيد الفطر أمس.. السرب في الصدارة    تامر حسني يوجه رسالة لأيتن عامر بعد غنائها معه في حفله الأخير: أجمل إحساس    طرح البوستر الرسمي لفيلم «بنقدر ظروفك» وعرضه بالسينمات 22 مايو    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    ما حكم الإحتفال بشم النسيم والتنزه في هذا اليوم؟.. «الإفتاء» تُجيب    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    «القومي للمرأة» يشيد بترجمة أعمال درامية للغة الإشارة في موسم رمضان 2024    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    محافظ الوادي الجديد يهنئ الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد    الصحة توجه نصائح هامة لحماية المواطنين من الممارسات الغذائية الضارة    رئيس هيئة الدواء يشارك في اجتماع «الأطر التنظيمية بإفريقيا» بأمريكا    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    عمرو وردة يفسخ تعاقده مع بانسيرايكوس اليوناني    تشكيل أرسنال المتوقع أمام بورنموث| تروسارد يقود الهجوم    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ختان الإناث .. بين التحليل والتحريم في آراء المفتي
نشر في محيط يوم 25 - 04 - 2009

ختان الإناث .. بين التحليل والتحريم في آراء فضيلة المفتي



محيط – هاني ضوَّه


مفتى مصر الدكتور على جمعة
مشهد كثيرا ما يحدث في مصر .. طفلة صغيرة تسحب إلى مكان غريب لا تدري ما هو، تمدد على "طرابيزة" .. امرأة متجهمة تكمم فمها، وأخرى تكتف يدها، وثالثة تفتح ساقيها، وتأتي الرابعة بخنجرها لتبتر عضوا من جسدها، والأم واقفة .. تستغيثها ابنتها بنظراتها المرتعشة ولا تهب لنجددتها .. إنه الختان الخاطئ .. ذلك الطقس الدموي الذي يغتال براءة الفتيات.

يذكر التاريخ أن الختان المصري قد ظهر في عهد فرعون موسي، بعد أن أخبره المنجمون أن طفلا ذكرا سيولد في بنى إسرائيل، وسيكون زوال ملكه علي يديه، ولهذا كانت فكرته الشيطانية أن يتم يقوم بختان النساء، حيث يتم إزالة البظر والشفرتين بالكلية وبعدها تتم خياطتهما، مما يؤدي إلى صعوبة في عملية الولادة، وبالتالي ستدل الآلام والصرخات المصاحبة للولادة على المرأة التي تلد، فيصل جنود فرعون إليها، وإن كان المولود ولداً قتلوه فوراً، ولذلك سمي بالختان الفرعوني.

ولم تختلف طرق الختان في مصر الآن كثيرا عما كانت عليه قديما، حيث يتم بعدة طرق من أشهرها الختان الفرعوني حيث تقوم الخافضة - بعد تكتيف الفتاة الصغيرة من قبل نسوة أخريات وكمكمة فمها - بقطع البظر وإزالته بالكلية؛ ثم تقوم بإزالة الشفرين الصغيرين والكبيرين بالكلية، ثم تقوم الخافضة بوضع عود ثقاب قبل فتحة الشرج بقليل ليكون كعلامة تنتهي عندها، لتقوم بعد ذلك بخياطة طرفي الشفرين الكبيرين المستأصلين والنازفتين، وتستمر الخياطة ابتداءً من موضع البظر السابق، ونزولاً إلى موضع وضع عود الثقاب، ليتم إغلاق فرج المرأة بالكلية، وترك منفذ صغير لا يتجاوز السنتيمترين في أغلب الأحيان.

وبالطبع مع الزمن فإن الخياطة التي تمت، يغطيها جلد غليظ ونسيج ليفي خشن يشبه الندبة الناتجة عن جرح عميق في الغلظة والخشونة؛ وعند الولادة يؤدي الختان بهذه الطريقة إلى تعقيد الولادة وإطالة وقتها، وربما إيقاف تقدمها، مما يضطر الأطباء للجوء إلى العملية القيصرية أو استخدام وسائل مساعدة.

الأدوات التي تستخدم في الختان
أما الطريقة الثانية التي يتم بها الختان في مصر فهي ما يسمى بالختان السني، ولا سنة فيه نهائياً، وإنما هي تسمية فقط شاعت بين الناس، وهو منتشر في جنوب مصر وأنحاء السودان، وهو أخف من الطريقة السابقة، حيث يتم فيه إما قطع البظر فقط بالكلية، أو قطع الشفرين الصغيرين فقط بالكلية، أو قطع الشفرين الصغيرين مع الكبيرين مع البظر بالكلية، ولكنه لا خياطة فيه ولا إصمات.

وهناك طرق أخرى غير منتشرة بشكل كبير، منها تدمير وتسوية البظر والشفرين الصغيرين، عن طريق كي هذه الأجزاء أو حرقها مع الأجزاء المحيطة بها.

وهذه الأنواع من الختان لا تشبه في شيء ذلك الخفاض المذكور في الحديث النبوي - على فرض صحته - ولا الذي كانت تعرفه العرب وتمارسه، وهي نفسها الأنواع التي توجهت إليها فتوى فضيلة الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية، والذي قامت عليه الدنيا ولم تقعد واتهموه بأنه غير فتواه بعد توليه منصب الإفتاء، وأنه يحرم ما أحل الله.



فتوى الشيخ علي جمعة


كان موضوع الختان قد أثار زوبعة كبيرة في مصر الفترة الأخيرة، ما بين مؤيد ومعارض، وتراشق الجميع بالاتهام، حتى وصل الأمر باتهام البعض لفضلة الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية بأنه غير فتواه في الختان بعد أن تولى منصب الإفتاء ليتماشى مع توجهات الحكومة، حيث كان الشيخ علي جمعة قد أفتى قبل أن يتولى المنصب بأن الختان مكرمة وقد يرقى إلى السنية وأن ختان السنة لا يسبب أى أضرار ولكنه قيدها ب إذا "أُجرى بطريقة صحيحة".

وعندما تولى الشيخ علي جمعة منصب الإفتاء ارتأى له حكما آخر في المسألة، نتيجة لظهور العديد من الأضرار الخطيرة، ووفاة ثلاثة فتيات صغيرات نتيجة لإجراء عملية الختان لهن، وبالتالي تغيرت فتواه إلى التحريم، وهذا ليس عيبا، فالفتوى قد تتغير بتغير جهاتها الأربع "الزمان، المكان، الأشخاص، والأحوال".

ولنتوقف سوياً وقفة متأنية مع فتوى تحريم الختان التي أصدرها الشيخ علي جمعة، وقبل أن نتعرض لها أود أن أوضح بعض الأمور، التي ستبين سبب تحريم فضيلة المفتي للختان، والتي قد تغيب عن البعض.



تغير مفهوم المصطلحات الفقهية

بداية هناك أمر هام يجب توضيحة، وهو أنه يجب على الفقيه أن يكون ملماً بواقعه، عارفاً بما يحدث حوله، لا أن يتقوقع حول المتون يرددها ويحكم بها في حياة الناس، دون أن يتأكد هل المذكور هو ذات الموجود في مجتمعه من مفهوم أم لا، خاصة وأن الكثير من المصطلحات الفقهية الموجودة في كتب الفقهاء تغير مفهومها في عصرنا الحالي، كما أن الاختلاف في الأحكام بين المذاهب الفقهية يرجع في الأساس لاختلاف فهمهم للمصطلح، فقد تكون اللفظة واحدة لكن فهمهم لها يختلف لأسباب معينة، ومن هنا جاءت المشكلة مع فتوى فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة في الختان.

فالمصطلحات تحمل بين طياتها حساسية شديدة، لأن أدنى تغيير يحصل في معناها يؤثر كثيراً على عملية الاستنباط، ويكمن سر ذلك في أن المصطلحات تعتبر القناة التي يمر عبرها تأثير الأصول على الفقه.


النبي شرب النبيذ

بالطبع صعقت واتهمتني الآن بالفسوق بل ربما بالكفر بعد أن قرأت العنوان السابق .. ولكن مهلاً .. فمعني النبيذ قديماً وفي كتب الحديث وكتب التراث الفقهية، يختلف تماماً عن معنى النبيذ الذي نعرفه الآن .. سأوضح الأمر:

النبيذ كما هو مشار في الأحاديث النبوية وكتب الفقهاء هو الماء الموضوع فيه قليل من التمر أو الزبيب مما يجعل طعم الماء حلو المذاق، فيما يشبه "الياميش" الذي نقوم بعمله في رمضان.

وشرب النبيذ والعصير بهذه الصورة جائز باتفاق الفقهاء قبل غليانه الغليان أي الاختمار وذلك بدليل مشروعية هو ما أخرجه الإمام مسلم وغيره من حديث السيدة عائشة "أنها كانت تنتبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة، فإذا كان العشى فتعشى، شرب على عشائه، وإن فضل شئ صبته أو أفرغته ثم تنتبذ له بليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه قالت تغسل السقاء غدوة وعشية".

وفي صحيح النسائي قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فامسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا".

إذا نفهم من الأحاديث السابقة أن "النبيذ" الذي كان يشربه الحبيب صلَّى الله عليه وآله وسلم معناه أنه عبارة عن ماء منقوع به قليلاً من التمر أو الزبيب، وهو بمثابة العصير الذي لم يختمر، ويصبح خمرا مسكرا كالخمر.

أما الآن فمفهومنا عن "النبيذ" أنه الخمر .. فقط الخمر .. لذلك عندما قرأت العنوان السابق ظننت أنني أقول أن سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قد شرب خمرا –وحاشاه- صلَّى الله عليه وآله.

وهذا ما حدث عند الناس مع فضيلة المفتي عندما أفتى مؤخرا بأن الختان محرماً .. وذلك لأن معنى كلمة "ختان" ومفهومها قد تغير عما في كتب الفقهاء .. فعندما نسمع كلمة ختان أول ما يتبادر إلى الذهن أنه تلك العملية التي تشبه الاغتصاب ونتخيل فتاة مكتفه يعلو وجهها الخوف والدهشة ومشرط ينزل ليبتر ودم يسيل بغزارة.


نظرة متأنية لفتوى تحريم الختان

عندما نتعرض لنقض فتوى، يجب أن نقرأها أولاً بعناية، ومعرفة ملابسات وظروف خروج هذه الفتوى، وكذلك المكان الذي قصدته، وأيضا مفهوم الناس عن الشئ المستفتى عنه، والزمان الذي قصدته الفتوى، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

وبالنسبة لفتوى تحريم الختان التي أصدرها فضيلة الشيخ علي جمعة حفظه الله، فقد جاءت عقب وفاة ثلاث فتيات لا يتخطين الثالثة عشر من عمرهن في شهر واحد، نتيجة لعملية الختان بالطريقة الخاطئة في مصر.

والقارئ المنصف المتأني لفتوى تحريم الختان التي أصدرها الشيخ علي جمعة يجد قال فيها بالحرف: "عادة الختان (الضارة) التي تمارس (في مصر) في (عصرنا) حرام".

فهو قد حدد حكمه بالحرمة على: (الختان الضار - الممارس في مصر - الموجود في عصرنا الحالي). فهو يتكلم عما يفهمه الناس بالتحديد من لفظة "ختان" والذي لا يوجد دليل شرعي عليه، ولا يقصد بذلك الختان الذي تكلم عنه الفقهاء في كتبهم.

وفتوى المفتي يجب أن تتوجه لما هو موجود في الواقع، وليس إلى ما هو موجود في الكتب، ولا وجود له إلا فيها، وكل ما تحدث عنه فضيلة الشيخ علي جمعة كما سبق وقيل وأوضح في تأصيل فتواه، أن الختان كما يصفه الأطباء في عصرنا الحديث على أربع مراحل الأولى منها نوع من أنواع التجميل التي ينصح به الأطباء عند الحاجة إليه، هذا هو الختان في مفهوم المسلمين.

إذا فضيلة المفتي لم ينكر الختان الذي في كتب الفقهاء، أي أن الختان الاسلامي الصحيح، هو عبارة عن تجميل يقررها الأطباء نتيجة عيوب خلقية أو أمراض تناسلية، وهذا نسبته لا تتعدي1% بين الفتيات.

والسائل أو السائلة عندما يسأل عن الختان فإنه يسأل ويقصد الطريقة الغير صحيحة التي يتم بها في مصر في عصرنا الحالي، خاصة مع كونه من العوام. ولا أحد من العوام يعرف شيئا عن الخفاض الشرعي الذي حكمه الندب والذي هو محل كلام الفقهاء.

ولو كان فضيلة المفتي قد أفتى بأن الختان الذي يتم في مصر الآن حلال وسنة، وله دليل شرعي على طريقته التي يتم بها، على أساس أن الخفاض عند الفقهاء مكرمة، لانعدم التواصل والترابط، ولتحول الأمر إلى حوار طرشان كلٌ يهيم في واد غير الآخر. لأن المعنى الفقهي للختان يختلف عن المعني الواقعي المطبق في مصر.

وهذا هو للأسف حال غالبية من يفتي في المسألة، وينتج عنه أن يأخذ هذا السائل الفتوى سعيداً بها ليرتكب جريمته في حق ابنته، وهو مسرور لأنه يطبق شرع الله، ولو سئل أو منع لما استجاب ولانتفض قائلاً أنتم تعترضون على حكم الله.



هل العفة مرتبطة بالختان؟!


جدل كبير حول ختان الإناث
هناك فهم شعبي سخيف يروج ويدفع إلى الإستمرار في هذا الوأد للفتيات الصغيرات مفاده أن المختونة أكثر عفة وطهارة من غير المختونة، وهذا محض خرافة، فالرغبة في الجنس كما قال العلماء محلها الدماغ لا العضو التناسلي الذي هو مجرد آداة موصلة، ويشهد الواقع أن هذه المجتمعات التي اشتهر فيها الختان غير خالية من الرذيلة.

كما أن مسألة الطهارة أيضا خرافة، ففتحة البول عند المرأة توجد أسفل البظر وبعدية عنه، بل على العكس تماماً، فإن الغير مختونة يتوفر لديها نظام نظافة ذاتي من الغدد والإفرازات المهبلية لا يتوفر لدى المختونة، مما يجعل المحل عرضة لتراكم الجراثيم والإلتهابات والأدران.

فأنا لا أرى ارتباطا بين الختان والعفة، فكم من امرأة غير مختتنه وعفيفة، وكم من مختتنه وغير عفيفة، كما أن المرأة لا تستثار من بظرها فقط، وهناك أماكن أخرى كثيرة تستثار منها كالثدي والأرداف والعينان والأذنان.

فهل نختنهم هم أيضاً؟!!!، هل نفقأ عيناها حتى لا تنظر إلى الرجال وتستثار بهم؟!!!، هل نثقب أذناها حتى لا تستمع لصوت الرجال فتشتهيهم؟! والأذن تعشق قبل العين أحيانا.

إذا فالتربية السليمة على مبادئ الإسلام والخشية من الله، واستشعار مراقبة الله تعالى للعبد، والصحبة الصالحة هي التي تجعل المرء عفيفاً، فكيف نربط عفة المرأة بقطع مليمترات منها؟!!!.

ومن العجيب أنك عندما تتناقش مع المؤيدين للختان ويعتبرونه سبيلا للعفة، وتقول لهم أنه يؤثر سلباً على العملية الجنسية عند المرأة لأنه يقلل من شعورها، تجدهم يدافعون باستماته ويستشهدون بآراء الأطباء بأنه لا يؤثر على إحساس المرأة !! .. وعجبا قولهم .. إذا لماذا تختون بناتكم ما دام هذا الأمر لا يؤثر في الشهوة؟!!!.



نظرة في بعض أدلة مؤجبي الختان


يتمسك المؤيدون لإجراء الختان بعدد من الأحاديث التي حكم عليها الحفاظ بأنها ضعيفة، والمثير للجدل هنا، إن كان الختان أمراً لازماً، فلماذا لم يختتن سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله بناته، فلم يرد في ذلك ولو حتى أثراً واحداً يشير إلى أن أحداً من بنات أو نساء الحبيب قد خُتن.

قد يقول قائل أن هذا الأمر من الأمور الحساسة التي لا يجب أن يظهرها الإنسان، وأن العرب كانوا يستحون أن يتكلموا عن هذا ويعتبرونها عورات تستر ولا يتحدث عنها.

أقول لهم السنة الفعلية أولى بالإظهار، والنبي صلَّى الله عليه وآله كان قدوة، وأول من سيطبق السنة فيهم هم أهل بيته، حتى يكونوا مثالاً لجميع المسلمين.

ولو عدنا إلى التاريخ، لوجدنا أن من روى حديث أن "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء"، هو الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس، وقد وضع 4000 حديثا، وقتله الخليفة المنصور بتهمة الزندقة!.


أما حديث أم عطية: "أخفضي ولا تجوري"، والرواية الأخرى "أشمي ولا تنهكي فأنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج"، فهو حديث ضعيف مضطرب، لا يصح من أي طريق.

ضغفه صاحب المغنى عن الأسفار، ففيه محمد بن حسان الذي قال عنه أبو داود مجهول، فاسناده ليس بالقوى، وعلق الإمام شمس الحق العظيم آبادى على كلام بن داود قائلا: "روى من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لايصح الاحتجاج بها"، وقال الحافظ عبد الغنى بن سعيد: "راويه هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين".


وللمزيد حول تضعيف الحديث تدونه في:السنن الكبرى للبيهقي (8/324)- الكامل في الضعفاء (7/445)- أحكام النظر لابن القطان ص 374-الخلاصة للنووي (1/92) - المهذب للذهبي (7/3470) - البدر المنير لابن الملقن (8/745) - تخريج أحاديث الإحياء للعراقي (1/195) وغيرها.

وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديث، وكلها طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة، حتى قال الشيخ مصطفى العدوي في كتابه أحكام النساء في سؤال وجواب جزء الطهارة: "وقد ضعف أبو داود -رحمه الله- هذا الحديث والأمر كما ذهب إليه أبو داود رحمه الله فالحديث ضعيف وقد روي من طرق أخرى ضعيفة أيضا وقد تساهل من صححه من أهل العلم".

قال العلامة الدكتور محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث: "فانظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داود والعراقي وكيف "حكما عليه بالضعف، ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين".

ثم هذا الحديث "أشمي ولا تنهكي فأنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج"، ناقض آخره أوله، ففي أوله أمر بالختان، وفى آخره بيان أن بقاء بعض ذلك الجزء المأمور إزالته "أسرى للوجه وأحظى عند الزوج"، فلماذا لايبقى أصل الخلقة كما خلقه الله فتكتمل نضارة الوجه والحظوة عند الزوج؟!!!.

وفي قوله صلي الله عليه وآله وسلم "أشمي" من الإشمام (العلو والارتقاء)، وكأنه صلى الله عليه وآله يقول "إذا وجدتي البظر أشماً عالياً فأخفضيه وإلا فلا"، أو كأنه يقول "خذي منه ما يؤخذ من الوردة عند شمها فكأنها لا تأخذ منه شيئا". وبالطبع هذا يغاير تماماً ما يحدث الآن إن صح الحديث.

ولا أظن أن هناك من الأطباء مهما بلغت مهارته أن يختن بنتاً دون أن يجوز أو ينهك، فالبظر ضئيل لا يكاد يمسك، فكيف يقطع جزء منه دون أن يخدش بقية الأعضاء؟!.

كما أن الختان في أصلة عادة كانت موجودة عند البعض قديما، وعندما سألت أم عطية عنه قال لها النبي صلَّى الله عليه وآله "أشمي ولا تنهكي"، وذلك على مثال أن يقول أب لابته إذا ارادت الذهاب إلى مكان يبعد مثلاً ساعتين، اذهبي ولكن عودي قبل ساعة. فيفهم ضمنياً عدم موافقته التامة على هذا الفعل.

أما حديث "إذا التقى الختانان وجب الغسل" فقال العلماء فيه ومنهم الإمام ابن حجر العسقلاني أن "الختانان" مثنى، والتثنية ترد لجمع الأمرين بأسم أحدهما على سبيل التغليب، كمثل القمران يقصد بهما الشمس والقمر، والعشاءان يقصد بهما المغرب والعشاء، والأسودان يعني التمر والماء، وهكذا.

وقال الإمام الشوكاني عنه أنه لا حجة فيه على الختان فقال: "ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حجة فيه على المطلوب".

والحديث مؤول عند العلماء، فالفقهاء لايوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانين، وإنما بالإيلاج فإذا ترك المعنى الحر في لفظ الحديث -أي لمنطوقه-، فكيف يقبل القول بمفهومه؟!.


القطع موجب للدية


وبعد عرض الأحاديث، نقف مع بعض أقوال العلماء والفقهاء الذين تبنوا نفس موقف فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة في الختان، فقال الإمام ابن المنذر وهو من كبار العلماء فى الفقه والحديث فى القرن الرابع الهجرى: "ليس فى الختان خبر يرجع اليه ولا سنة تتبع".

وأفتى الإمام ابن قدامة الحنبلى برأيين فيه، أحدهما "يجيز القصاص فى قطع الشفرين"، والثاني ب "الدية" لاعتبارات فنية تتصل بإجراء القصاص.

كما نص الفقهاء على أنه فى حالة قطع الشفرين يجب "الدية" الكاملة، لأن الالتذاذ بالجماع يقع بهما، وخالفهم الإمام بن حزم الأندلسي إلى وجوب القصاص على المتعمد ونفى الدية عن المخطئ.


ومن المحدثين

- قال الشيخ محمود شلتوت في الختان: "وقد خرجنا من استعراض المرويات فى مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على "السنة الفقهية" ، فضلاً "عن الوجود الفقهى" وهى النتيجة التى وصل إليها بعض العلماء السابقين، وعبر عنها بقوله: "ليس فى الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع" وأن كلمة (سنة) التى جاءت فى بعض المرويات معناها، إذا صحت، الطريقة المألوفة عند القوم فى ذلك الوقت، ولم ترد الكلمات على لسان الرسول بمعناها الفقهى الذى عرفت به فيما بعد.

والذى أراه أن حكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وإنما يخضع فى الذكر والأنثى لقاعدة شرعية عامة: وهى أن إيلام الحى لا يجوز شرعاً إلا لمصالح تعود عليه، وتربو على الألم الذى يلحقه".

- أجرى الدكتور محمد بن لطفي الصباع أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الرياض بحثاً موثقاً بكل الأدلة الشرعية من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة حول "الحكم الشرعى للختان" انتهى فيه إلى الرأى الآتى:

"لم يعد هذا الختان مقبولاً شرعاً للفتاة، لأنه لم يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، وفيه من الأخطار والأضرار الكثير. ورسول الله صلى الله عليه وآله يقرر فيما صح عنه "أنه لا ضرر ولا ضرار" وهذا الحديث كلية من كليات هذا الدين الحنيف. نخلص من هذا أن ختان الإناث ليس مطلوباً ولا واجباً ولا سنة، وهذا ما ذهب إليه الكثير من العلماء لأنه لم يثبت فيه عندهم حديث عن النبى صلى الله عليه وآله سلم".

- كذلك أجرى المرحوم الشيخ محمد عرفة عضو جامعة كبار العلماء في مصر بحثاً عن الختان بمجلة الأزهر كان خلاصته:

"والذى نراه بعد أن استعرضنا آراء بعض العلماء القدامى والمحدثين فى مسألة "الختان" أنها سنة أو واجبة بالنسبة للذكور، لوجود النصوص الصحيحة التى تحض على ذلك. أما بالنسبة للنساء، فلا يوجد نص شرعى صحيح يحتج به على ختانهن. والذى أراه أنه عادة انتشرت فى مصر من جيل إلى آخر وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافة الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين. ومن الأدلة على أنها عادة ولا يوجد نص شرعى يدعو إليها. أننا نجد معظم الدول الإسلامية الزاخرة بالفقهاء، قد تركت ختان النساء. ومن هذه الدول: السعودية ومعها دول الخليج وكذلك دول اليمن والعراق وسوريا وشرق الأردن وفلسطين وليبيا والجزائر وتونس والمغرب.. الخ".


وأحب أن أختتم موضوعي بسؤال أوجهه لكل من هاج وماج من أجل مسألة الختان .. فلتكن صريحاً مع نفسك لتجاوبني على سؤالي .. هل ختنت ابنتك ؟!!! .. كن صادقا مع نفسك وأجبني ب "نعم" أو "لا" .. علماً بأنك لن تستطيع "حذف إجابتين" أو "الاتصال بصديق" أو "أخذ آراء الجمهور".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.