اعتبر الدكتور جلال أمين، المفكر الاجتماعي المصري البارز، أن مؤامرة غربية تحاك ضدنا ليل نهار وتسببت في أحداث كثيرة لنتأمل أسبابها، ومنها مثلا محاولة قتل نجيب محفوظ ، لتكتب صحف العالم في ذكرى حصوله على نوبل أنه تعرض لاعتداء من متشدد ديني فيكره العالم المسلمين ويسيئون الظن بهم، ومما يؤكد ذلك أن الحادثة جرت على خلفية رواية كان محفوظ قد كتبها قبل 38 عاما من تلك المحاولة الآثمة. ويظن أمين أن واقعة التمثيل بجثث سياح بالأقصر كان من تلك العينة التي دبرت لها قوى خارجية لتشويه المصريين في توقيت معين. وفي مجموعة قصصية يحبها جلال أمين لمحفوظ كان اسمها "صباح الورد" يتذكر قصة أسرة بهجت ، والتي اتجه ابنها الطبيب للاستشياخ بحسب تعبير أمين، ثم زاد تشدده وانغمس في الارهاب حتى وصل لحبل المنشقة، وحين تتساءل الأم المكلومة زوجها عما أودى بابنهم لذلك يقول : إنه جيل يعاني ذكريات الهزيمة وانعدام الأمل في التغيير والفقر. وقد شهدت مكتبة در الشروق مؤخرا حفل توقيع الكتاب الجديد لجلال أمين باسم "محنة الدنيا والدين في مصر" وقد تحدث المفكر أن الطبقة المتوسطة أصابها انقسام شديد مختلف عن ذلك الذي كانت تتسم به قبل قيام ثورة يوليو 1952 ، وشبه انقسامها بأنه مثل الإنسان الذي صار له رأسان وأوضح أمين أن التيار الديني مسئول عن حالة الانقسام التي ضربت الطبقة الموصوفة بالاستنارة على مدى عقود تاريخية طويلة ، وقد كانت الانقسام قديما طبيعي بين طبقات اجتماعية مختلفة أما اليوم فهو يضرب الطبقة المتوسطة ذاتها في العمق. وتذكر المفكر أبيه المفكر الإسلامي أحمد أمين، وهو لا يزال فخورا بموقفه العقلاني في علاقته بالدين، وقد طلبت منه دار الهلال أن يكتب عن هارون الرشيد فكان سعيدا للغاية لأنه معروف بالزهد والبكاء بين يدي الله والذهاب للحج سيرا على الأقدام، وعلى الجانب الآخر عرف عنه امتلاء قصره بمجالس السمر والثقافة ، ما يدل على كونه لا يرائي الناس ولا فئة منهم وصادقا فيما يفعل. وذات يوم كتب أحمد أمين مقدمة لكتاب العلامة الهندي أبوالحسن الندوي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، فجاءه الندوي للقاهرة بعد أن لامه البعض على اختيار أمين لكتابة المقدمة، وبعد أن سمع لآراء له لم تعجبه مثل إمكانية جمع الصلاة في حالة الانشغال الشديد بالعمل، وحين سأله : ما رأيك بكتاب علي عبدالرازق "الإسلام وأصول الحكم" ، أجاب والد جلال أمين : أما المؤلف فلا يرى كلام للإسلام في السياسة، أما أنا فأرى أن له كلام لكن المهم هو الاجتهاد ليتماشى مع المستجدات والواقع. أما عن محنة الدنيا والدين التي يعنيها المؤلف بكتابه، أن التيارات الدينية في مصر لم تكتفي بإشاعة حالة التشدد بين المجتمع، لكنهم أيضا أشاعوا النمط الاستهلاكي البشع الذي اتصف به العالم الغربي، في نفاق تام بحسب الكاتب وتخلٍ عن القيم الروحانية التي يتشدقون بها، والدليل أن نشاهد السيارات الفارهة التي اشتراها أعضاء البرلمان السابق من الإخوان المسلمين ورئيسهم الدكتور سعد الكتاتني والذي لا نعلم مصدر ثروته تلك . وواصل أمين : أندهش لماذا كان الدكتور محمد مرسي يخرج لصلاة الفجر في حرس مهول ، ولا يصلي لله منفردا خشية المراءاة على الأقل ، وحين عارضه أحد الكتاب بقوله أنه يكلف خزانة الدولة الآلاف المؤلفة كل يوم لتأمينه، كان رد مرسي أن ذلك الكاتب بالتأكيد لا يصلي الفجر !! من جانب آخر، اقتصار الحياة على الشئون الدينية أمر لم تعرفه إلا أوروبا في عصورها القديمة الظلامية ، أما الحضارة الإسلامية فخلال عصور نهضتها كانت تعلم الترجمة والطب والعلوم والفكر والطرب والترفيه وكل شيء وتصدره للعالم . وفي هذا العصر كان الاجتهاد كبيرا في العلوم الشرعية حتى قال الإمام أبوحنيفة أنه يجوز قراءة الفاتحة باللغة الفارسية للناطقين بها الذين دخلوا الإسلام وتعذر عليهم تعلم العربية . ويتفق جلال أمين مع رأي المفكر الراحل سعيد العشماوي أن جماعات الإسلام السياسي تتخذ من الدين ستارا للمصالح . وهو يرى أن حال المواطن الأمريكي بائس فمثلا قد تضطر لمعرفة الحقيقة في ولاية لوس أنجلوس لابد أن تستقل سيارة لأربع ساعات لتجد جرائد لا تعبر عن الرأسمالية القح ، ولكنه على الأقل لا يدعي أنه متدين. وقد تسربت النزعة الاستهلاكية في المسرح والتليفزيون والسينما والأدب الغربي مع الوقت. تخللت الأمسية مداخلات، جاء بينها مثال ضربة الدكتور جلال الشايب أن وزير الاستثمار السابق دفع 30 ألف جنيه فاتورة مأكولات يوم واحد لأصدقائه ! فيما فوجئت الأم تريزا حائزة نوبل الشهيرة بمأدبة عشاء تتكلف20 ألف دولار فرفضت قبولها وفضلت أن تهديها لألف أسرة هندية فقيرة . وعقب على ذلك : هذا هو الدين الحقيقي لمن يجهله . وردا على المداخلة قال أمين أنه سعد لفوز مرسي على شفيق، باعتبار أن الثاني يعني عودة نظام مبارك، لكن نظام الإخوان ظل في الحكم عاما، وهي فترة قصيرة لا يحدث فيها تغييرات كبرى، لكنا كنا ننتظر بوادر للتغيير نحو أهداف الثورة فإذا بنا نجد أخونة ونجد وزير ثقافة لا يمت بصلة للثقافة ونجد دستور وبرلمان مسيئين لمصر وهكذا. وسؤل الكاتب جلال أمين عن رأيه في منع حلقات برنامج باسم يوسف "البرنامج" بعد حلقة انتقدت الحكم العسكري، وكان رده : أنا أرفض المنع حتى للأشياء البذيئة وفعلا أعتبر الحلقة مسيئة لكن الرد عليها يجب أن يكون بشكل فكري وليس أمني. أخيرا قال أمين : الديمقراطية أكذوبة ولكن بدرجات متفاوتة، والوصول إلى الديمقراطية الصادقة شبه محال، كما أن الحديث عن الديمقراطية قبل إلغاء استخدام الفكر الطائفى فى الدعاية للانتخابات السياسية هزار لأنها لن تكون موجودة، لأن هذا النوع من الدعاية يصنع "غسيل مخ" للمواطن العادى، ولكى نصل إلى برلمان صالح لابد من إلغاء استخدام الدين والأفكار الطائفية فى الدعية الانتخابية القادمة.