تبدأ اليوم الأربعاء حملة تنظيف "خانقاه سعيد السعداء" أول خانقاه أنشئت في مصر بحى الجمالية شارع المعز لدين الله الفاطمى. وقال الأثري محمد الصادق منسق عام الحملة القومية لإنقاذ الآثار والتراث في تصريحات ل"محيط" أن الحملة تعلن عن إستجابتها لدعوة شباب حملة "حراس الحضارة" وبالتعاون مع الإدارة العامة للقاهرة التاريخية فى بدأ حملتها الثانية والتى تستهدف تنظيف وتطوير المواقع الاثرية ونشر الوعى الأثرى بين أهالى هذه المواقع. ووقع الاختيار على خانقاة سعيد السعداء أثر رقم 480، لأن الخانقاه الأثرية ذات فناء مكشوف ومتاخمة لبيوت الأهالى، بجانب احتياج أشجارها لأعمال تقليم وتجميل لتساقط أفرع كثيفة منها مما يعيق الحركة، كذلك لأن الأهالى يستخدمون الفناء للصلاة، والخانقاه تقع بشارع الجمالية. الحملة كما يقول الصادق تم تدشينها يوم 1 أكتوبر الحالي، بعد نجاح حملة تنظيف مدرسة الأمير مثقال بشارع المعز، واستقبلت بعدها رسائل كثيرة من الأقاليم والصعيد لأناس كثر يرغبون في مشاركتنا. هنا كان لابد من التنظيم والهيكلة – يواصل الأثري - لذلك تم تدشين الحمله الأم بالقاهرة، ثم أصبح لنا ممثل للحملة فى محافظات المنيا - المنوفية - أسوان - طنطا – الدقهلية، وجارى التنسيق مع باقى الزملاء فى المحافظات الأخرى. خانقاة سعيد السعداء قال ابن عبد الظاهر عن الخانقاه: وهي دار سعيد السعداء خادم المستنصر من خدام القصر. وصارت في آخر الوقت سكن الوزير طلائع بن رزيك وولده رزيك بن طلائع الذي صار إليه الملك، سكنها وفتح من دار الوزارة إليها سرداب تحت الأرض وصار يخرج من هذه إلى هذه من ذلك السرداب. ثم سكنها شاور ثم ولده الكامل. ثم رجعت إلى السلطان صلاح الدين فوقفها على الفقراء القاطنين والمترددين من الصوفية، وكذلك وقف عليهم بستان الحبانية الذي بجوار بركة الفيل وهو من أحسن الأماكن وأبهى مواطن العبادات وله ضيعة بالبهنساوية أوقفها عليها تسمى دهمرو ولها قيسارية الشرب وغير ذلك. ولها حطب مقرر في كل سنة وغلّة. ومن شرط صلاح الدين بها أن من مات من الصوفية ومعه فوق العشرين ديناراً كانت للصوفية لا يتعرض إليه ديوان المواريث، ومن سافر أعطي للتسفير، ولهم دخول حمام مباح وأشياء غير ذلك. جددها العزيز عثمان بن صلاح الدين سنة 593 ه / 1196 م وأوقف عليها عدة أوقاف منها وكالة بمدينة دسوق نص نقشها التأسيسي على أنها أوقفت على دار سعيد السعداء بمحروسة القاهرة. وقد تغيرت معالم هذه الدار في عهد الأشرف قايتباي، وهى تتكون من صحن أوسط يتعامد عليه أربعة إيوانات أي أنها تتبع التخطيط المتعامد، والإيوان الجنوبي الشرقي هو الأهم، وهو مقسم إلى ثلاث أروقة. كما يطل على الصحن ببائكة مكونة من خمسة عقود محمولة على أربع دعامات حجرية مثمنة. ويوجد المحراب بهذا الإيوان. ومن المؤسف أن معظم ملحقات هذه الخانقاة الفريدة دخلت ضمن ما يجاورها من مبانٍ مستحدثة، حتى حمام الخانقاة. كان شهر رمضان، إذا ما حل تتجه أنظار المسلمين إلى "الخوانق" أو بيوت المتصوفة، حيث كانت هذه الأبنية أكبر مواقع الاحتفاء الديني بمقدم الشهر، فتكثر بها قراءة القرآن ويحتشد سكانها من الصوفية لأداء الفروض الخمسة والتراويح بخشوع ترهب له القلوب وتدمع له الأعين. ومن المعروف أن إنشاء مبان خاصة لسكن الصوفية تقليد إيراني انتقل إلى مصر في عصر الأيوبيين، فقد أنشأ صلاح الدين أول خانقاه بالقاهرة وهي المعروفة باسم خانقاه سعيد السعداء من أجل محاربة الدعوة الشيعية التي رعتها الدولة الفاطمية قبله في مصر، ونجح القائد السني إلى حد بعيد في جعل هذه الخانقاوات من مراكز الدعوة السنية التي أزالت كل أثر لعقيدة الشيعة الإسماعيلية في مصر. وحذا سلاطين المماليك حذو صلاح الدين فشيدوا المباني الضخمة لإيواء الصوفية وتكفلوا بالإنفاق على ملبسهم ومأكلهم بل وحملوا عنهم نفقات السفر للحج، وتنافس أمراء المماليك في إنشاء الخانقاوات حتى وصل عددها بعد قرنين من حكمهم إلى أكثر من عشرين خانقاه. وقد زودت منشآت الصوفية بكل ما يحتاجه أهلها ورتبت من أجل راحتهم الكثير من الوظائف التي يتولاها الصوفية أنفسهم سواء من المقيمين بالخانقاه أو من بين المترددين عليها حتى يتحقق للخانقاه استقلالها ويمكن للمتصوفة بها أن يعيشوا بمعزل تام عن المجتمع منقطعين للعبادة، فكانت الخوانق تزود بالمطابخ التي يطهى بها اللحم، وعادة ما كان لحم الضأن حسب شروط الواقفين. وفي كثير من المنشآت كان يعمل "الوازن" على ضمان وصول مقرر كل متصوف من الخبز واللحم والمرق حسب تعليمات الواقف، وكان في أغلب الأحوال ثلث رطل من اللحم وثلاثة أرطال من خبز القمح يومياً. وإذا ما تعذر تقديم الطعام للصوفية داخل الخانقاه كان يتم صرف بدل نقدي لهم لتدبير ذلك، خارجاً عما كان مخصصاً لهم من نقود لغسل ثيابهم بالصابون، وكان وقتها ترفاً لا يقدر عليه إلا الأغنياء، وكذلك لدخول الحمام في كل شهر إن لم يكن مخصصاً لهم حمام برسم خدمتهم وأيضاً لشراء زيت للإضاءة ليلاً. وجرت العادة في نصوص أوقاف الخانقاوات أن يأمر الواقف بزيادة النفقات في شهر رمضان على وجه الخوص لكونه شهر البر والصدقات. فتزداد نفقات السكر الذي تتضاعف الكميات المستهلكة منه في هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى التي كانت توزع في أيام رمضان ضمن طعام المتصوفة. ولم يقتصر أمر التوسعة في شهر رمضان على توزيع السكر بل شمل ذلك أيضاً توزيع الطعام المجهز الذي كانت تحدد أصنافه أحياناً بالأرز واللحم والعسل وحب الرمان. وفي إحدى الخوانق كان يفرق في كل رمضان على متصوفها "كيزان" لشرب الماء وتبيّض لهم قدورهم النحاس ويصرف لهم ما يكفل نظافة أيديهم من وصر اللحم. خوانق المماليك كما هي العادة في العصر المملوكي لم يكن كل الذين قاموا بإنشاء هذه الخوانق والإنفاق عليها حتى بعد وفاتهم من المشهورين بالصلاح والتقوى، مثلما نلاحظ من وقائع سيرة "ابن غراب" الذي شيد خانقاه على الخليج المصري "شارع بور سعيد الآن" فقد كان حسب وصف أحد معاصريه "غداراً" لا يتوانى عن طلب عدوه ولا يرضى من نكبته بدون إتلاف النفس. ولا يختلف حال الصوفية، أو معظمهم، في عصر المماليك عن حال مؤسس الخوانق اشتغالاً بالدنيا وصغائر الأمور، إذ أفضى ظلم المماليك وعسفهم من ناحية، والفقر الذي ساد عامة الشعب من ناحية أخرى إلى الدفع بالكثير من المصريين للإقبال على التصوف تخلصاً من الفقر والفاقة ويأساً من الحياة، فضمت بيوت الصوفية الكثير من الدخلاء الذين لم يقبلوا على هذه الحياة رغبة في الانقطاع للعبادة ولكن فراراً من قسوة الحياة ورغبة في الهناء دون عناء. وكانت النتيجة المنطقية لذلك أن الدنيا شغلت أذهان المقيمين ببيوت المتصوفة، فابتعدوا عن التصوف والزهد بمعناه الدقيق وانصرفوا عن العبادة إلى البحث عن المال والمتاع في ظل الأوقاف الواسعة التي تمتعت بها الخوانق حتى وجد من الصوفية من ارتبط بأكثر من خانقاه في وقت واحد طمعاً في المال. ازداد الطين بلة في العصر العثماني الذي أصبحت الخوانق فيه تعرف بالتكايا، ولا زالت كلمة التكية تعني لدى أبناء الشعب المصري الحصول على رغد العيش دون عمل أو مقابل، ففي هذه التكايا كانت تمارس كل المعاصي التي تغضب الله وتتفشى الخزعبلات والخرافات التي ليست من صحيح الإسلام. ورغم ما لحق الخوانق من تدهور بدءاً من عصر المماليك. فإنها ظلت حتى مطلع القرن العشرين تقريباً محافظة على التقليد الذي صاحب نشأتها في مصر، وهو قصر السكنى فيها على غير المتزوجين إلا الشيوخ من كبار السن فهؤلاء فقط كان مصرح لها باصطحاب زوجاتهم لدواعي خدمتهم، ومنذ أعيد تنظيم الأوقاف أهمل أمر الخوانق والتكايا وجاء العصر الحديث بمفاهيمه التي وضعت الإسلام مرة أخرى في خضم الحياة واعتبرت ضمناً أن انعزال المسلم هو خروج عن روح الدين.