إتصلت بى الصحفية والكاتبة الامعة د/ لميس جابر صارخة الماً لما يحدث للتراث الحضارى المصرى، وإقترحت ضرورة أن يجتمع المثقفون المصريون لبحث ما يحدث من تدهور لأثارنا الفرعونيه والقبطية والإسلامية، وأن يخاطب المثقفون وكل المهتمين بقضايا التراث الحضارى اليونسكو للتدخل ومساعدة مصر فى الحفاظ على ما نملك من تراث إنسانى هو فى الحقيقة ملك للإنسانية كلها. وسألتنى د/ لميس وهى تكاد تبكى: وهل رأيت العمائر القبيحة التى نبتت على مشارف قاهرة المعز؟ وهل رأيت الحريق الذى شب بجوار الكرنك فاضحاً ما نعانيه من إهمال؟ مهدداً أهم المعابد المصرية القديمة التى تحكى قصة الحضارة المصرية فى عصرها الذهبى عندما حكمت مصر العالم القديم! وهل رأيت الإعتداءات المتواصلة على اراضى الأثار فى الأقصر والتى أصبحت تعترض مسار طريق الكباش؟ أسئلة لم تنتظر محدثتى إجابات عليها، فجميعنا يرى ما يحدث فى ظل غياب تام للأمن، وفوضى لا يمكن تبريرها والصاقها بالثورة وكأن هذا هو المطلوب! كنا نتعامل مع الأثار ليس على أنها الدجاجة التى تبيض ذهباً لمصر، ولكن كان المبدأ والأساس هو الحفاظ على تراثنا وتوصيلة بحالة جيدة للأجيال القادمة لكى لا تحرم من تاريخها المشرف ولكى لا تندثر الهوية المصرية الضاربة فى جذور الزمن. تراثنا الحضارى رسالة نحملها جيل بعد جيل وسنذهب وتبقى مصر؛ التى حكمت العالم القديم بالماعت – الحق والعدل والنظام. كانت هناك ملحمة عمل مصرية من أثريين ومرممين ورسامين وعمال حفائر يواصلون العمل بطريق الكباش الذى كان يربط بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك وذلك بهدف قومى واحد وهو إحياء واحد من أقدم طرق الإحتفالات فى مصر القديمة. وقبل عامين كان العمل قد قارب على الأنتهاء سواء الكشف عن الطريق وترميم تماثيل ابو الهول سواء تلك المنحوتة برؤوس أدمية أو رؤوس كباش. وعلى هذا الطريق المهم سار فراعنة عظام وملوك وأباطرة مصريين وأجانب، وعلى هذا الطريق حمل كهنة الإله أمون على أكتافهم المركب المقدس الذى يأوى التمثال الذهبى لأمون –سيد الإحتفالات وسيد الكرنك- وذلك ليزور صورته القديمة أمون كا موت إف – الساكن فى معبد الأقصر. عندما بدأت وأبناءى من شباب الأثريين العمل فى مشروع طريق الكباش كنا نعى تماماً كم الصعاب والعقبات التى سنواجها، وإستطعنا بالعمل والفكر السليم التغلب عليها؛ ونجحنا فى إزالة مبانى سكنية ودور عبادة سواء كانت مسجد أو كنيسة وحتى قسم الشرطة تم إزالته بعد نقلة لمكان أخر. وكان سر النجاح هو الإقناع بأهمية ما نقوم به وسمو الهدف الذى نريد تحقيقه وهو إحياء جزء عزيز من تراثنا وأعادة الصلة والرابط بين الكرنك وعبد الأقصر، وأيضا دفعنا كافة التعويضات المناسبة والواقعية لكل من تنازل عن أرض أو عقار. كنا نعمل ونحلم باليوم الذى نعلن فيه للعالم كله أننا جديرون بتراثنا وأننا حقاً حراث على تراثنا. نعم بكيت وأنا أرى وأسمع من شبان وشابات يشكون حال المشروع المهدد والمعتدى عليه. ظلت الدكتورة لميس تعدد لى الإنتهاكات التى يتعرض لها تراثنا، وكان واضحاً أن بداخلها بركان يغلى، وأنها تريد أن تدق ناقوس الخطر قبل أن نصحوا فلا نجد تراثاً أو ميراثاً.. فكيف لنا أن نواجه أبناءنا والأجيال القادمة؟! أصبحت هناك مافيا تدمر مواقعنا الأثرية فى أهرامات الجيزة وأهرامات دهشور واللشت وغيرها من مواقع تراثية لا يمكن تعويضها. وليسهناك من سبيل لإنقاذ هذة الأثار سوى المصريين أنفسهم ممن يجاورون هذه المناطق. ويجب أن تقوم هذه الجيرة على أساس الإحترام ومراعاة ظروف الجار سواء كان من هذا الجانب أو ذاك، وعلينا أن نحكم هذة العلاقة بميثاق عملى موقع بين من يديرون التراث والأهالى التى تسكن وتعيش بجوار الأثار. ويجب أن يوضح هذا الميثاق المنافع الكثيرة التى ستعود على جيران الأثر سواء كانت مادية أو حتى معيشية من العيش فى موقع تراثى نظيف يحكمة نظام إدارى فعال. هناك تجارب ناجحة فى دول كثيرة جعلت من يعيشون بجوار الأثار الأداة الأولى للحفاظ وحماية الموقع الأثرى. ويجب أن لا ننسى أن الشباب المصرى كانوا هم من حموا المتحف المصرى يوم 28 يناير 2011 المسمى بجمعة الغضب. أما حديث الدكتورة لميس جابر عن الإستعانة باليونسكو لحماية تراثنا الأثرى فهو أمر ليس من ورائة نفع أو فائدة، حيث أن أقصى ما سيفعله المسئولون باليونسكو هو كتابة خطاب إستنكار وشجب للمسؤلين فى مصر يحثونهم على أخذ كل الإحتياطيات الازمة للحفاظ علىالأثار المصرية! ثم ماذا بعد؟ لا شئ! لقد وقفت اليونسكو عاجزة تماما أمام ما يقوم به الإحتلال الصهيونى من تدمير لأثار القدس وطمس للهوية الأسلامية والمسيحية بالقدس، وإختفت مبان أثرية واليونسكو يشجب ويستنكر ولا يحرك ساكناً. ولم تفعل المنظمة النوط بها حماية التراث شئ وهى تشاهد متحف بغداد القومى ينهب فى عز الظهر ويضيع 12 الف أثر فريد. والأن أثار سوريا تضيع وتنهب بل وتقصف بالطائرات الحربية واليونسكو لا تفعل شى سوى الشجب والإستنكار. أخشى أن يضيع تراثنا فى ظل غياب تام للفكر والرؤى السليمة. أخشى أن يصبح تراثنا ضحية الفوضى والأيدلى المرتعشة. لن ينقذ تراثنا سوانا نحن المصريون، فقط نحتاج الى قانون وأمن وتوعية وتعليم حسن.