"أحترم المشوار الذي قطعته، أحترم تجربتي، شاب جاء من قريته، لا يملك شيئاً، محبط في حياته الاجتماعية والتعليمية، وعانى شقاء مروعاً، لكنه استطاع أن يقتحم القاهرة ويعمل في الصحافة وصار معترفاً به، صحيح أنني حُرمت من الحضور الإعلامي، ومن الجوائز وغيرها، لكن هذا لا شأن لي به، يكفيني احترام الناس، وتقديرهم لتجربتي، لأن هذا يدل على أن عملي لم يضع هباء". حول صاحب هذه الكلمات، أقامت أمس الهيئة المصرية العامة للكتاب بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة احتفالية كبرى لتكريم الأديب الراحل خيري شلبى، استضافها بيت السحيمى.
وقال الناقد الكبير شعبان يوسف أن شلبي كان مهمشاً وقد ظل شلبي يكتب المقالات والدراسات حتى نشر روايته الأولى "اللعب خارج الحلبة"، وكان النقاد يتجاهلونه إلى أن صار مشهورا ، فمثلا حينما أصدر عمله "الأوباش" عام 1978 لم ير فيه الأديب سعد مكاوي سوى "بحث ميداني عن عمال التراحيل".
وأكد يوسف أن خيري شلبي كان فيلسوف المهمشين وكتب فنونا تكاملية، فالبورتريه يخدم الرواية وهكذا القصة والمقال، كما كان يساعد المواهب الجديدة .
من جهته لفت الشاعر فارس خضر إلى أن شلبي كان يكثر الحديث عن أصله البسيط، وهو ما كان يدفع بعض المثقفين إلى الإنزعاج أحيانا، وكان شلبي يساعد المواهب الشابة في الأدب والصحافة، وذلك على الرغم من تنكر بعضهم له فيما بعد . وقد اعترف يوما أن تنكر الناس لبعضهم دفعه مبكرا لكتابة البورتريه ليلقي الضوء على النماذج الهامة في حياتنا .
ركز الناقد محمد السيد عيد على إسهام شلبي في الفنون المرئية؛ السينما والتليفزيون، وركز تحديداً على مسلسل "الوتد" الذي أعد له السيناريو واستفاد فيه من دراسته للسير الشعبية، ويعتبر عيد هذا المسلسل مرثية خيري شلبي لفترة انقرضت من تاريخ مصر الاجتماعي وقد كان يتمنى عيد كتابة سيناريو روايته "وكالة عطية". ولفت عيد إلى أنه في عام 1990 حين عمل مستشاراً لرئيس هيئة قصور الثقافة أنشأ سلسلة "دراسات شعبية" التي أوكل مهامها إلى الراحل خيري شلبي، فنشر بها كنوزاً حقيقية. من جانبه ، أشار الأديب محمود الورداني أن شلبي هو من حبب إليه قراءة قراءة السير الشعبية، وقد كان شلبي يحفظ عشرات الدواوين في قلبه.
أما الروائي حمدي أبو جليل فقال في شهادته أن بيت السحيمي كان مكانا أثيرا لخيري شلبي وكتب عنه في رواية "بطن البقرة"، وقد كان شلبي كما يروي ذاكرة شعبية، وروائي هام تعرض للظلم، فرغم إنتمائه لتيار اليسار المعارض، إلا أنهم لفظوه وحسبوه على النظام بسبب كتابته في مجلة "الجديد" التي كان يرأسها رشاد رشدي المحسوب على النظام، وكذلك لم يقبله النظام لأفكاره المعارضة، فأصبح مرفوضاً من الطرفين.
كما أن الراحل تعرض لظلم نقدي كبير، فقد تم التعامل مع كتاباته باستخفاف خاصة من تيار الحداثة الذي يمثله إدوارد الخراط، إلا أن الرواية المعاصرة أثبتت أنها تسير في اتجاه خيري شلبي.
وكشف رئيس هيئة قصور الثقافة الشاعر سعد عبد الرحمن عن إطلاق اسم شلبي على مكتبة قلين الثقافية وعلى الدورة المركزية الأدبية لقصور الثقافة هذا العام، مؤكدا أن شلبي كان يقدم في كل عام عملا عظيما معطيا درسا في استثمار الوقت. أما نجل الكاتب الراحل "زين خيري" فقال أن أبيه كان إماماً للمهمشين والمنسيين، لذلك خرجت كتاباته من المعاناة التي عاشها طوال حياته ولم يجن منها سوى الحب. واعتبر الناقد الدكتور محمد بدوي أن كتابة القصة كانت تشكل هما أساسيا لشلبي، فيما اعتبر الناقد دكتور سيد العشماوي أن شلبي معلمه، حيث تعلم منه دراسة الجماعات المختلفة قبل الكتابة التاريخية، وعلمه الإرتباط بالواقع، وكذا علمه أن كتابة التاريخ لابد أن تنحاز لقيم العدل والحرية والتنوير . واعتبر أستاذ الفلسفة دكتور رمضان البسطويسي شلبي لم يكتب عن المهمشين بل كتب عن الإنسان.
ووصف دكتور محمد حافظ دياب شلبي بأنه جمع في كتابته بين مهارة المؤرخ والدارس القديم ومهارة السارد، وهو يبدأ بالجغرافيا المكانية ثم الجغرافيا البشرية ، كما تكمن عبقريته في المزج بين تفصيح العامية وتعميق الفصحى وأحيانا الكتابة باللغة الطبيعية وهى الصمت. وأثار بكتاباته قضايا المجتمع مثل النزاع الصهيوني العربي، وجماعات الإسلام السياسي، وقضايا الفساد والفتنة الطائفية ، مشيراً إلى أن خيري شلبي كاتب تتأبى إبداعاته على التصنيف، فهو أقرب إلى التيار الطبيعي الذي أعلن عنه إيميل زولا عام 1866.
أما الناقد الدكتور حسين حمودة فتحدث بكلمته عن مجموعة خيري شلبي القصصية "ما ليس يضمنه احد" التي تنتمي على حد قوله للصورة الأخيرة لخيري شلبي وهي صورة الحكيم بعد رحلة حافلة. يذكر أنه خلال الاحتفالية عرض فيلم تسجيلي للراحل ينصح الشباب المبدعين بعدم تعجل النشر، والصبر لأن الرفاهية كما يقول مرض قاتل للجسم البشري مستشهداً بما قاله أحد الفلاسفة العرب، أن هناك عقلين أحدهما غريزي يعد خادماً للجسد تسعى الحكومات العربية أن تعلي منه، والآخر مكتسب يتكون من مجموع خبرات الإنسان في الحياة، وكلما قوي اقترب صاحبه من الكمال . كما نصحهم شلبي بالإختلاط بالحياة وعدم الإعتماد على الذاكرة فقط.
كما وصف الأديب الراحل في الفيلم التسجيلي، المعارف الجاهزة بأنها مثل الطعام "الدايت" بدون سعرات حرارية و لا تغذي العقل، لكن الأديب الحقيقي هو الذي يأتي بمادة وليدة معاناة حقيقية.