قطر .. ثلاثة حروف صارت على كل لسان فى الوطن العربى .. ابحث عنها فى الاستثمار والقروض والأقتصاد والإعلام والسياسة تجدها فى مكان الصداره فى كل منها .. لا أحد يجادل فى حق هذه الأماره الصغيرة أن تستثمر أموالها بالطريقة التى تعود عليها بمكاسب سياسية وأقتصادية .. هذه الدولة التى يقل حجمها عن مساحة أحد أحياء القاهرة وضعت أسمها على أكبر بنوك العالم ، وتنظم مونديال كرة القدم 2022 وأشترت أعرق أندية فرنسا وهو باريس سان جيرمان ومحلات هارودز بلندن .. قطعاً لا أحد يعارض ما تفعله قطر بأموالها .. فهى حرة تنفقها كيفما شاءت فى أستثمار أو تجارة أو شطارة حتى لو كان فى هذا الأنفاق أنتهازيه ما ، إلا أنها لا تجبر أحداً على الانصياع لها .. ولكن الناس هم الذين يحجون إليها ويطلبون ودها وبالتالى فهم الملومون .. الأمير حمد وزوجته موزه يفعلان ما بدا لهما بنقودهما لأن المبدأ أن " من حكم فى ماله ما ظلم " . لكن أن تبدأ قطر فى ممارسة الأستقطاب السياسي والحصول على" توكيل حصرى " من الكفيل الأمريكي لتقسيم الوطن العربى وتقطيع أوصاله فهذا ما يجب أن نتوقف عنده ونحلله ونبين خطورته .. أن ما أطرحه هنا ليس غيره من قناة " الجزيرة " القطرية التى تفوقت علينا فى الإعلام لترهلنا وتخلفنا رغم أننا كنا رواداً فى هذا المجال ، وهو أيضاً ليس حزناً على تقزم الدور المصرى الذى ضعف إلى درجة ملحوظة حيث لم يقم الرئيس الأميريكى بزيارة مصر فى جولته بالشرق الأوسط كما لم يستقبل رئيسها فى واشنطن ضمن من أستقبلهم من زعماء المنطقة وفيهم أمير قطر.. لكن ما أناقشه هنا هو الدور القطرى فى المخطط الإستراتيجي الامريكي لإعادة تقسيم المنطقة بطريقة أكثر ملائمة لإسرائيل .. ونحن هنا لا نتجنى على الدوحه ولكننا نعيد التذكير بمواقفها قبل الربيع العربى ونقارنها بسياستها الآن .. أولاً : كان حلف المعارضة العربى أو "الممانعة" يضم قطر وسوريا وإيران وحماس وحزب الله فى مواجهة معسكر "الموالاه " وهم مصر والسعودية وكتلة المستقبل بلبنان ودول الخليج العربى .. كانت قناة الجزيرة القطرية تتهم مصر بتجويع الفلسطينين وإغلاق معبر رفح عليهم وتنادى بحسن نصر الله زعيم حزب الله بطلاً قومياً للعرب وتؤكد أن بشار الأسد هو القائد القومى العربى الوحيد فى المنطقة .. كما كان تودد قطر لإيران مثار استياء دول الخليج التى تهددها طهران يومياً وتحتل ثلاث جزر فى الإمارات وتنادى بضم البحرين إليها وتدبر أنقلابات على الحكم فى السعودية والكويت !! ثم فجأة تحول موقف الدوحه إلى النقيض تماماً خاصة من مصر وسوريا فقد كانت تتهم نظام مبارك بأنه عميل لإسرائيل وأمريكا ويبيع الغاز لإسرائيل بثمنٍ بخس ، وتدافع بضراوه عن بشار الأسد وخصصت له ثلاثة برامج للإشاده به ودعمه للمقاومة البطولية لحماس وحزب الله.. الآن أصبحت الدوحه تعادى بشار الأسد وتهاجمه إعلامياً ليل نهار كما أنقلب موقفها من مصر إلى الدعم والمسانده المالية للنظام الإخوانى الحاكم حتى لا يسقط لأنه مطلوب منه فاتورة عليه أن يسددها لواشنطن وإسرائيل .. التناقض ثانياُ : كانت التعليمات الامريكية لقطر فى زمن مبارك أن تحاصر مصر بحلف مشاغب أساسه الإعلام المعارض وقناة الجزيرة والدفاع عن حقوق الفلسطينين والتسويق الإنسانى والصحفى لحماس وحزب الله وإظهار مصر أمام الشارع العريى بأنها "خائنة وعميلة " .. كان القصد مزاحمه مصر وسحب دورها التاريخى طبقاً للمخطط الأمريكي .. الآن أختلفت التعليمات بعد سقوط مبارك ونشوب ثورة إسلامية ضد بشار فى سوريا .. فوراً أنقلبت الألتزامات والتعهدات القطرية وأختفت الاموال التى كانت تتدفق على سوريا وحزب الله ، وأصبحت الدوحه محور الأرتكاز ضد بشار الأسد الذى يقتل شعبه ويبيده ، مع أن قطر كانت تدافع عنه دفاعاً مستميتاً عند أتهام نظامه ومخابراته بأغتيال رفيق الحريرى رئيس وزراء لبنان الراحل .. أرتدت قطر ساعتها مسوح الرهبان وقالت قناة " الجزيرة " فى أكثر من برنامج وحوار أن من فعلها هو إسرائيل ، أما سوريا وحزب الله فهما أبرياء من دم الحريرى براءه الذئب من دم ابن يعقوب . ثالثاً :- المخطط الأمريكي الخبيث الآن هو مسانده الإخوان المسلمين سواء كانوا فى المعارضة مثل سوريا أو فى الحكم مثل مصر .. وتسألنى عن السبب فأقول لك أن الأخوان المسلمين لا يعترفون بتاريخ أو حضارة أو ثقافة وهم فى هذا يشتركون للأسف مع إسرائيل التى لا يزيد عمرها عن 65 عاماً !.. رابعاً :- أن الدوحه تلعب حالياً دوراً فى منتهى الخطورة فى تقسيم العراق وسلخ الشمال عنه وإقامة دولة للأكراد فيه تعترف بتركيا عضو حلف الأطلنطى وتنهى عداءٍ مستحكماً بين الاكراد والأتراك طوال قرون .. الأموال القطرية تتدفق الآن على الأكراد لإقامة مشروعات إستثمارية والأنسلاخ عن الحكومة المركزية فى بغداد . خامساً :- لا ننسى الدور الذى لعبته قطر فى تقسيم السودان إلى شمال وجنوب والأموال التى وجهتها لجيش المتمردين ، وهى التى أستضافت المعارضة الليبية وحالياً تقوم بذات اللعبة مع المغرب بعد أن قويت المعارضة الإسلامية فيها وأتخذت من الدوحه مستقراً ومقاماً .. وها هى تكرر الدور مع سوريا حيث تشير تقارير غربية إلى أن المعارضة الإسلامية السورية الموجوده بها تدرس أقتراحاً لتقسيم سوريا بين السنة والعلويين..او بين بشار وخصومه .. والمصيبة أن هناك تحركاً مماثلاً لتقسيم لبنان لثلاث مناطق مركزية شيعية بالجنوب وسنية بالشمال ومسيحية بالوسط . الخيانة سادساً :- نجئ لقضية العرب الرئيسية وهى القضية الفلسطينية فنقول أن الدوحه تخطط لمبادره تمثل قمه التنازل فى تسوية لم تكن عادلة فى الأساس ، فإذا بها تبتكر – بالأتفاق مع أمريكا وإسرائيل – مبدأ فى منتهى الخطورة وهى الأرض مقابل الأرض لتنسف أساس المبادره العربية وهى الأرض مقابل السلام .. فقطر المنفتحه على إسرائيل أكثر من الدول التى أقامت معها معاهدات سلام وتبادلت السفراء تبيعها الغاز الذى كانت تتهم مصر بالخيانة بسببه وتقدم لها الأموال لبناء المستوطنات كما كشفت التقارير الإسرائيلية أخيراً .. الدوحه فى موقع ثقه بالنسبة للإسرائيليين من جهة قدرتها على إذابه روح القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية فبدلا من العوده إلى حدود الخامس من يونيو 1967 التى ينص عليها قرار الأممالمتحدة 242 سيكون حسب المبادره القطرية الحديث عن تبادل " أراضٍ " بين الطرفين .. إن غياب "ال " التعريف فى هذه المبادره أنما يذكر بغيابها عن نص القرار المذكور باللغة الإنجليزية حين صدوره ، وهكذا تكون قطر قد تعاملت مع النص الإنجليزي للقرار 242 بدرايه العاجز ودهاء المرابى .. إن الدول العربية التى تقدمت بمبادره السلام عام 2002 كانت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض الفلسطينية التى أنكمشت حتى أصبحت أقل من 22% من الأرض التاريخية لفلسطين .. لكن إسرائيل وضعت المبادره فى الدرج ولن تتنازل قيد أنمله عن مطالبها ، وها هى قطر تتبرع بمبادره جديدة تزيد من التنازلت العربية وستضعها إسرائيل أيضاً على الرف .. غير أن تل أبيب ستكون سعيدة وهى ترى الدوحه تقود مرحلة جديدة من التنازلات العربية بعد أن تنتهى كل أوراق الضغط على إسرائيل .. المبادره القطرية فى حقيقة الأمر هى جزء من مخطط امريكي كان يهدف إلى إعطاء الفلسطينين جزء من سيناء مقابل أن تحصل مصر على جزء من صحراء النقب أما سورية فتستعيد الجولان لكن تظل بحيرة طبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي لأنها تمدها بالمياء العذبه !! أن المبادره القطرية لا تهدف فقط إلى هدم البنية الأجتماعية للشعوب العربية ، بل وأيضاً تسقط الثوابت الجغرافية والتاريخة لتلك المجتمعات . إن الحديث عن أراض ليست محددة كما جاء فى المبادره القطرية هو محاولة واضحة للقفز نهائياً على الحق الفلسطينيى الذي أقرته القرارت الدولية وأعترف المجتمع الدولى به .. بقوة المال أشترت قطر الصمت العربى وهى تبيع القضية الفلسطينية بالقوة نفسها .. تبقى نقطة أخيرة وهى أن قطر التى كانت تنافس مصر على أعمار غزة وتعادى السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن بأعتبارها عميلة وتؤيد دمشق وحزب الله ، صمتت تماما ً عن الضربة العسكرية الإسرائيلية البشعه التى تعرضت لها سوريا حليفتها القديمة فلم تدعو لأجتماع عاجل لقمة عربية أو تطالب بدعم نظام كان قومياً وبطولياً فى نظرها قبل عامين أو تقود تحركاً للترويكا العربية فى المحافل الدولية كما كانت تفعل من قبل ، وذلك ببساطة لأن التعليمات صدرت لها من واشنطن بالصمت المريب .. هذه قطر باختصار .. بديل عربى لإسرائيل .. تشق الأجماع وتؤلب الشعوب ..تسقط الحكام وتلغى الحقوق الفلسطينية وقد نجحت بأمتياز فى أن تصبح الوكيل "الحصرى " لرعاية مصالح واشنظن وتل أبيب ..