يتخذون من الشوارع مأوى مشتركا لهم، يقضون يومهم في التنقل بين إشارات المرور، مواقف السيارات والمقاهي، بإصرار يستجدون عطف الناس على أمل الحصول على القليل من المال، فيما يمتهن آخرون بعض الأعمال لضمان قوت اليوم رغم حداثة سنهم. أنهم أطفال الشوارع اللذين جمعتهم الظروف السيئة, واشتركوا في مصير قاتم رغم تعدد الأسباب, وطرحتهم الظروف الاقتصادية في أحضان الشارع الذي أجبرهم على التدخين والإدمان, وأحيانا اقتراف الجرائم. وتعد المنيا من اكبر المحافظات التي تنتشر فيها ظاهرة أطفال الشوارع في صعيد مصر لأسباب البطالة، والفقر، والأمية والجهل، والمرض، وارتفاع معدل الإنجاب، والتهرب من التعليم.. كان وقفة أمام هذه الظاهرة التي انتشرت بصورة مفزعه بشوارع المحافظة. ريشة، وطاطا، وحمدية، أطفال تركوا منازلهم, ومدارسهم والدفئ الأسري بحثا عن مأوى في جوانب الشوارع بالمنيا, ولسان حالهم أين حكومة بلدنا هل هانت عليهم طفولتنا؟ الطفل محمد عمران وشهرته طاطا, ترك أحضان أسرته الدافئ ليبحث في الشارع عن مضجع أمن فوق الأرصفة والكباري, ودفعه لذلك الظروف الاقتصادية الصعبة. ويقول «طاطا» كنت أعيش في حي كدوان مع أشقائي السبعة ومات أبي وعمري صغير وكان يعمل سمكري لبوابير الجاز فقررت العمل لمساعدة أمي وتوجهت ألي الكورنيش فوجدت أطفال في سني يبيعون المناديل الورق وجلد الحنفيات وأنابيب البوتاجاز فطلبت منهم أن اعمل معهم فاصطحبوني ألي المعلم مصطفي الذي طلب مني أن أقوم بجمع الكراتين من الشوارع مقابل الحصول علي 13 جنيها يوميا وبالفعل وافقت وفي الشتاء كنت اشعر بالبرد القرص ومع مرور الوقت تعودت عليه حتى أنني كنت أنام تحت كوبري الإضافية في عز الشتاء مع باقي زملائي الذين تعودت عليهم وبين الحين والأخر اذهب ألي منزلي لأري أخوتي وأمي أما لطفل محمد عمران وشهرته " الليمبي " الذي يروي يومياته في الشارع قائلا تركت منزل أبي الذي يعمل زبالا بسبب معايرته لي بالرسوب في المدرسة وتوجهت للعمل في ورشه كاوتش "أصلاح إطارات سيارات " وبعد مرور أسبوع ضربني صاحب الورشة وطردني وقال لي امشي ياحرامي فذهبت للمنزل وقلت لأبي ما حدث فضربني أيضا وطردني من المنزل فوجدت نفسي في الشارع وقررت المبيت علي الكورنيش وهناك تعرفت علي 4 أطفال من سني يعملون مع كهربائي سيارات فاصطحبوني ألي الورشة لأعمل معهم وعلموني تدخين السجائر وبعد انتهاء العمل بالورشة كنا نذهب لنجلس علي مقهى بجوار موقف السيارات لنشرب الشيشة ونبيت في نفس المكان بعدها طردنا صاحب الورشة واتهامنا بالسرقة فقررنا أن نقوم ببيع المناديل فوق كوبري المحطة وكان اغلب المارة يعطفون علينا بالمال دون أن يقوم بالشراء وعندما نشعر بالجوع نتردد على مطاعم الفول الطعمية لنحصل على الطعام بدون مقابل. أما الطفل احمد 15 سنة فقال هربنا من مؤسسة البنين بسبب الإهمال الذي يسود أرجاء المؤسسة, حيث نتعرض لمضايقات من قبل الموظفين, اللذين لا يشعرون باحتياجاتنا, ومطالبنا, وهربنا منها بسبب المعاملة السيئة, فنحن أطفال نحتاج لمن يسمعنا ويحترمنا, خاصة مع غياب حنان الوالدين, لذا فضلت العيش في الشارع بديلا عن المؤسسة التي تحولت إلى خرابة. أما الطفلة جميلة 14 سنة، فتقول خرجت من المدرسة رغم وصولي إلى الصف الرابع الابتدائي, بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسرة, وفضلت بيع المناديل لمساعدة الأسرة, رغم تعرضي للكثير من المضايقات من المارة والمتواجدين معي. أما ريشة وهو الاسم الحركي للطفل عبود عبد الرافع فقال: تركت منزل أسرتي بالسلخانة وقمت ببيع المناديل بشوارع المدنية وأمام المدارس ليساعد والدته ويعود ألي منزله كل ليله لينام وسط أشقائه الثلاثة يحكي ريشه يومياته بالشارع قائلا اخرج من البيت في الصبح الباكر لبيع المناديل لان أبي يتركنا كثيرا ويسافر ألي القاهرة للعمل في سوق الخضار وعندما يعود يعاملنا بقسوة ويتشاجر مع أمي بدون سبب وطوال فترة مكوثه معنا لا أطيق العيش بالبيت لأنه يقوم بضربي بدون سبب وعندما يأتي العيد لا يشتري لنا ملابس جديدة أو يعطني العيدية كغيري من الأطفال وأمي تقول لي دائما أنت راجل ولازم تعتمد علي نفسك وأصحابي من الأطفال الذين يبيعون المناديل أطلقوا علي اسم ريشه لأنني سريع وخفيف الحركة واتحصل علي مكاسب كثيرة من بيع المناديل أعطي لامي وأشقائي جزءا منها. ويرى إسحاق فاروق، مدير جمعية المحبة للتنمية والحوار بالمنيا، أن القضاء على عمالة الأطفال يتطلب تكاتف منظمات المجتمع المدني مع الحكومة مؤكدا انه لا توجد احصائيه دقيقه بعدد أطفال الشوارع وان الظاهرة المنتشرة في المنيا هي عمالة أطفال يقومون ببيع المناديل الورق ويجمعون الكراتين بغرض التسول لمساعدة أسرهم التي تعيش في تفكك خاصة بالأحياء الشعبية ويدفعهم هذا إلى الهروب من التعليم. ويوضح فاروق أن الطفل الذي يدر علي أسرته عائد مادي بشكل منتظم يشعر بالاستقلالية وأنه صانع قرار ومن هنا يصعب السيطرة عليه ويتجه ألي التدخين وتناول المخدرات وشم الكله والبنزين بسبب عدم وجود حسيب أو رقيب عليه وطالب فاروق بالتوسع في أنشاء مدارس الفصل الواحد بحيث تكون جاذبه وتجمع هؤلاء الأطفال وتعتني بهم في فترات النهار من خلال تقديم وجبات غذائية ووسائل جذب وترفيه. ومن جانبه يقول محمد عمر مدير الجمعية المصرية لرعاية أطفال الشوارع بالمنيا, أن احد الدارسات بمنظمات المجتمع المدني أكدت علي وجود حوالي 5 آلاف طفل شارع بالمنيا, بالإضافة إلى أن المنيا هي المصدرة لأطفال الشوارع بمحافظتي القاهرة والإسكندرية. أضاف عمر، أن الفقر والمستوى المادي والاجتماعي والاقتصادي, والتفكك الأسري أحد أهم الأسباب التي تدفع الطفل إلى اللجوء للشارع, وهو ما ينعكس سلبيا عليه , حيث يتعلم عادات سيئة مثل التدخين وتصل إلى الإدمان، وغيرها من العادات المخالفة لقيم وعادات المجتمع المصري . وفقا لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل رقم 126 لسنة 2008 بالمادة 97 , والذي ينص على إنشاء لجان عامة لحماية الطفل بكل محافظة ولجان فرعية بكل مركز, وعلى الرغم من ذلك؛ إلا ن وجود طفل الشارع وسط أسرته أفضل من تعايشه بالشارع فاليوم الذي يقضيه الطفل بالمنزل يساوى سنة يقضيها بعيدا عنها.