اعتقد الفراعنة أنه يوم بدء خلق الكون شاع أن الإله رع فيه يزور سماء مصر تتزين فيه النساء بعقود الياسمين والملانة "يُبَكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل ، ويتجهون إلى الشمال على العموم ؛ ليتنسموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم ،وهم يعتقدون أن النسيم في ذلك اليوم ذو تأثير مفيد، ويتناول أكثرهم الغذاء في الريف أو في النيل" هكذا تحدث المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين عن مظاهر الاحتفال بشم النسيم . "بيض ملون .. فسيخ .. رنجة .. بصل .. الخروج إلى المتنزهات" إنها عادات اجتماعية لا مفر منها فى عيد شم النسيم ، وقد ورثنا هذا الاحتفال من أجدادنا فنحن لم نرث منهم هذة الحضارة العظيمة وحسب بل ورثنا أيضا هذا الاحتفال . يرجح المؤرخون احتفال قدماء المصريين بعيد شم النسيم رسميا الى عام 2700 ق.م ، ولكن الاحتفال بعيد الربيع لدى قدماء المصريين لم يكن مجرد احتفال ترفيهى يهتم فيه القدماء بالخروج إلى الحدائق وتناول المأكولات المرتبطة بهذه المناسبة والتى يرمز كل منها إلى اعتقاد معين لديهم ؛ بل هو احتفال دينى وروحى أيضا ، حيث كانوا يتصورون أن ذلك اليوم هو أول الزمان أو بدء خلق الكون ، وأطلقوا عليه الكلمة الفرعونية (شمو) أى عيد الخلق أو بعث الحياة وتعرض الاسم للتحريف على مر العصور وأضيفت اليه كلمة (النسيم) لارتباطه باعتدال الجو وطيب النسيم وما يصاحب الاحتفال به من الخروج للاستمتاع بجمال الطبيعة. وقد نقل اليهود عن المصريين عيد شم النسيم عندما خرجوا من مصر فى عهد النبى موسى عليه السلام ، واتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال المصريين بعيدهم ، وقد اختار اليهود ذلك اليوم تحديدا للخروج من مصر وقت انشغال المصريين بأعيادهم ليتمكنوا من الهرب مع ما سلبوه من ذهب المصريين وثرواتهم ، واطلقوا عليه اسم "عيد الفصح" والفصح كلمة عبرية معناها الخروج . أما عن مظاهر الاحتفال به فقد اختلفت كثيرا عن القدم ، حيث كانت مظاهر الاحتفال تبدأ بإهداء المصرى القديم صباح هذا اليوم زوجته زهرة من اللوتس ، ثم اجتماع الناس عند سفح الهرم الأكبر فى الساعة السادسة مساء فى احتفال رسمى ، حيث يظهر قرص الشمس قبل الغروب خلال دقائق معدودة وكأنه يجلس فوق قمة الهرم ، و يشطر ضوء الشمس واجهة الهرم الأكبر إلى شطرين إيذانا بموعد عيد الخلق وبداية العام الجديد . فيقوم الاله رع بالمرور فى سماء مصر فى سفينته المقدسة ثم يرسو فوق قمة الهرم الاكبر، ثم يصعد إلى السفينة مرة أخرى وقت الغروب لتكمل مسيرتها فيصطبغ الأفق باللون الأحمر رمزا لدماء الحياة التى يبثها الآله من أنفاسه الى الأرض ليبعث الحياة فى مخلوقاته ، أما نحن اليوم فنذهب للمتنزهات والقناطر الخيرية ويقوم الأطفال بتلوين البيض وسط اجواء من الفرحة بين الكبار والصغار . ويعد البيض المنقوش والفسيخ أهم أشهر أكلات النسيم ، وكان البيض المنقوش يرمز عند الفراعنة إلى خلق الحياة من الجماد وبدء الحياة كما ورد فى كتاب الموتى واناشيد أخناتون ، أما الفسيخ فهو البطل فى شم النسيم ؛ فهو أحد رموز البقاء، باعتبار أن التجفيف والتمليح أحد طرق إبقاء الأطعمة بمنأى عن الفساد، فضلاً عن ارتباط السمك بالنيل وهو عند المصريون القدماء أحد أنهار الجنة ، وهو عندهم نهر الحياة واسموه (الإله حابى) ، باعتبار أن الحياة في الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع . ويرجع تناوله منذ عهد الأسرة الخامسة مع وجود زيادة فى أيامنا حيث السردين والرنجة ، و البصل مرتبط عند قدماء المصريين بقهر الموت والتغلب على المرض ، كما تعود الفراعنة على أكل الحمص الأخضر الذى يعرفه عندهم بالملانة مع الخس الاخضر. وكانت الفتيات فى شم النسيم يضعن عقود وأساور مصنوعة من حبات الملانة الخضراء ، كما كان يزين به الحوائط ونوافذ المنازل في الحفلات المنزلية ، و تزينوا بعقود زهور الياسمين حيث كانوا يروا أن الياسمين هو عطر الطبيعة التي تستقبل به الربيع، وكانوا يستخرجون منه في موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذي يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد.