بعدما أكد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون الذي صدر مؤخراً بأن مسألة حقوق الإنسان محور وأساس الزيارات التي قامت بها العديد من المنظمات، أصبحت تلك القضية واحدة من أبرز القضايا الجدلية، التي يختلف حولها الشعوب من بلد إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ففي الوقت الذي تعتبرها العديد من الدول الأجنبية حقاً مشروعاً، تعدّ عيباً بل وخطأً جسيماً في دول أخرى. ولذا؛ ظهرت خلافات هذه القضية بين فريقين؛ أحدهما يرى بأنها حقوق عالمية قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، ويأتي الاهتمام بها كمقياس لتقدم الدولة، في حين يعتبرها البعض الآخر حقوقاً خاصة، تندرج في إطار السيادة الوطنية لكل دولة على حدة، ويمثل هذا الاتجاه أنصار "النسبية الثقافية".
وفي هذا الصدد سنحاول عرض وجهتي النظر من أجل التوصل إلى صيغة نهائية بشأن تطبيق حقوق الإنسان.
حقوق طبيعية بداية تنوعت المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان، غير أنها تنطوي في معظمها تحت الحقوق الأساسية، وهي الحقوق المعترف بها دولياً والمتمثلة في الحقوق السياسية والمدنية مثل الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي والمساواة أمام القانون وحرية التعبير والفكر والدين وحرية الحركة واختيار مكان الإقامة، كما أنها تتضمن حقوقاً اقتصادية واجتماعية وثقافية مثل الحق في الغذاء والمسكن الملائم والصحة والتعليم والحصول على وظيفة والمشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع.
وعلى منظمات حقوق الإنسان والدولة والمجتمع السعي إلى تفعيل هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، والتأكيد عليها من خلال تأسيس واقع جديد يتلمس المواطنين من خلاله حقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء.
إشكاليات وإختلافات وتكمن الإشكالية في كيفية ممارسة تلك الحقوق لكل من الدول الغربية والعربية، حيث يرى "أنصار الاتجاه العالمي" أن حقوق الإنسان ينبغي أن تكون عالمية، وأن المثل العليا كالحرية والأمن والحقوق المشار إليها هي حق لكل مواطن، ومن ثم يبيح هذا الاتجاه الحقوق للكافة في أي زمان ومكان.
بينما يرى "أنصار النسبية الثقافية" أن حقوق الإنسان ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية، وأن الدول الغربية وضعتها بناءً على أخلاقها، ولذلك ينبغي ألا تُفرض على المجتمعات غير الغربية التي تختلف في تاريخها وثقافاتها ومستويات التنمية.
قضايا مثيرة ومن ثم برزت مكامن الاختلاف بينهما وتعددت القضايا المثارة، فكانت "قضية حقوق المرأة" إحدى القضايا الجدلية في مختلف الثقافات (أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية)، فيشكل ختان الإناث انتهاكاً لحقوق الفتاة في نظر جزء كبير من المجتمع الدولي، في حين تعتبره عددٌ من الدول أمراً غير محظور.
كما تعتبر قضية المساواة بين الجنسين من المبادئ المثيرة للجدل بين أنصار الفريقين، فيختلف مفهوم المساواة في كلا الوجهتين، ما بين المساواة المطلقة في كل شيء إلى المساواة المحددة والمحدودة.
علاوة على قضايا أخرى مثل المثلية الجنسية وحرية الاعتقاد وقضية الديمقراطية ومفهوم الحرية نفسه وغيرها من القضايا المثيرة.
من هنا فإن عالمية الحقوق تعني أنها كلٌّ لا يتجزأ في إطار مفهوم العولمة الهادف إلى تعميم مفهوم حقوق الإنسان في الثقافة الأمريكية على حساب ثقافة الأمم الضعيفة بحيث تظل تحت سيطرتها إلى أمد طويل.
ومن المؤكد أن الفجوة في الثقافات ستبقى حاجزاً أمام الوصول إلى اتفاق نسبي بين العالمين الغربي والعربي حول قضايا حقوق الإنسان حتى لو بدا عكس ذلك.
ومن ثم يستغل موضوع حقوق الإنسان كذريعة للتقليل من هيبة الدول في العالم الثالث بغرض اختراقها الثقافي، لذا؛ لابد للدول النامية من الانتباه لهذا بشكل قوي، مع الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والسياسية الأخرى.