كشفت الندوة التي عقدها مركز طلعت حرب الثقافي مساء أمس عن أسرار بيت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي حلت ذكرى رحيله أمس، وكيف أنه عاش بسيطا بعيدا عن التكلف وظل وفيا لمباديء ثورة يوليو حتى نهاية عمره ، وكان بطل الندوة كتاب ألفته زوجة عبدالناصر السيدة "تحية"، بعد رحيله، وحمل اسم "ذكرياتي معه" . شارك في الندوة الكاتب الصحفي حسنين كروم، وأدارها الشاعر محمد بغدادي رئيس مركز طلعت حرب .
ويتناول كتاب "ذكرياتي معه" أحداثا سياسية مازال يكتنفها الغموض منذ حرب فلسطين عام 1948 ، وحتي رحيل الزعيم جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970.وقد أشار بغدادي إلى أن الكتاب أنجزته تحية شريكة حياة عبد الناصر بعد ثلاث سنوات من وفاته، وهو شديد الصدق والعزوبة .
أما الكاتب حسنين كروم فلفت إلى أن هذه الذكريات وقفت عند عام 1973، وكتبتها تحية مرتين، الأولى في عام 1959، وقالت أنها لاقت من عبد الناصر تشجيعا للإستمرار فيها، وبعد انقطاع عادت لكتابتها بعد وفاته وخاصة بعد الحملة التي انطلقت لتشويه عبدالناصر في السبعينات ، واللافت أنها لم تهاجم السادات بل نقلت ما قاله عبدالناصر عنه "هو أطيب واحد فينا"، يعني الضباط الأحرار .
وأضاف كروم : ارتبطت تحية كاظم بأذهان الشعب المصري بالتقدير الشديد لها، وهي تنقل في مذكراتها حبها الغامر لعبدالناصر الذي تزوجته في 29 يوليو عام 1944.
والمذكرات تكشف أن تحية كانت تجيد الفرنسية وتعلمت الإنجليزية أيضا، وليس كما يشاع أنها لم تكن سيدة مجتمع أو لا تصلح للعمل العام، ولكنها أحبت بيتها بشدة وأخلصت له، ومع ذلك كانت تحضر مقابلات مع زوجات رؤساء دول ، وأكدت في كتابها تكريم عبدالناصر للمرأة حينما جعل من حقها التصويت والترشح في الإنتخابات . وذكرت دول سيدات فضليات قمن بأعمال عامة هامة في عصره، مثل فاطمة اسماعيل التي تبرعت بكل مجوهراتها لبناء جامعة القاهرة وزوجات أعضاء بمجلس قيادة الثورة قمن بأدوار خيرية . ولكن "تحية" أكدت أن زوجها كان يرفض تدخلها في السياسة .
ويستطرد الكاتب في حديثه مؤكدا أنه يندهش من حكايات تحية أن عبد الناصر لم يترك لها منزل أو سيارة سوى التي كانت معه قبل رئاسته لمصر، على الرغم أنها من أسرة ميسورة ، وحينما انتقلت من شقة أخيها لشقتها، أنفقت كل ما ورثته من أبيها على منزلها الجديد ، وكانت تعيش ببساطة مع زوجها الحبيب، ولم يحصل أي من أخواتها على توكيلات أو ثروات ، وهو ما يكشف طهارة عبدالناصر ، وكيف أنه لم يسمح أيضا لأي من قيادات الثورة بالتربح غير المشروع بعلمه .
ويؤكد الصحفي أنه خلال إعداده كتابا مع صلاح نصر، والذي كان يهاجم فيه عبد الناصر، أكد مع ذلك أن ناصر اقترض من زوجته 2000 جنيه كي يكمل جهاز ابنته هدى ، ولم يستطع سدادهم، وكان وقتها رئيسا للجمهورية، وكانت زوجته باعت ارضا لها لتعطي عبد الناصر هذا المال.
كما قرأ بغدادي خاطرة شعرية كتبتها تحية عن عبد الناصر أسمتها "صوتك طريق الحق وعنوان الهدى" تقول منها : صوتك يجلجل بالغنا: «أيها الإخوة المواطنون» نقف انتباه مع بعضنا نسمع ونشتاق نحضنك تتهزلك كل الدول وتنتبه كل الأمم لخطبتك وكأنك أنت بطل كل الشعوب وهي بتسمع كلمتك.. إفريقيا تفرح بالنشيد وأمريكا تزعل من جديد وكل ظالم يترعش من زعقتك ثم تقول في مقطع آخر :
اشتاقت لك يا اللي ساويت ابن الفقير يابن نبلاء القصور اشتاقت لك.. يا اللي علي مر العصور عَرَّفتنا طعم الكرامة إزاي تكون والعزة والأحلام إزاي تنام في حضننا وكل عام.. وأنت دايماً لسه عايش جوه.. جوه قلبنا
ضمن مداخلات الندوة، سألت إيمان عبد المحسن مديرة مركز طلعت حرب: هل صدور الكتاب في يناير الماضي قصد إحراج النظام القائم وقتها؟ ونفى كروم ذلك لأنه تم الاحتفاء بالكتاب وقت صدوره، كما نشرت فصول منه في الصحف القومية . وأكد كروم أن مبارك لم يحب نقد عبدالناصر حتى أنه استخدم بعض شعاراته لكسب الشعبية من ذلك عبارات "دقت ساعة العمل".
وسألت سلوى ستيفن كاتبة صحفية بجريدة "وطني": لماذا اعتقل ناصر محمد نجيب طيلة حياته؟ فأجاب حسنين كروم : ما حدث مع محمد نجيب كان خطأ، وكان يجب تكريم نجيب وليس اعتقاله، ولكن إزاحته من الحكم أمر سياسي لأنه لم يقد الثورة في الواقع ، بل كان أكبر الضباط عمرا فرشحوه للرئاسة، كما أن ناصر كان يخشى تحالف الإخوان مع نجيب ، وكان يرفض فكر نجيب فيما يتعلق بالديمقراطية وتطبيقها في الحياة العامة.
وسأل الكاتب بغدادي عن تحالف الوفد والناصريين والاخوان في عصر ناصر ؟ فأجاب كروم: الحزب الناصري كان يحظى بشعبية كبيرة، لكن بعد وفاة عبد الناصر حدثت صراعات بين السادات ومجموعته ومجموعات أخرى، والسادات بدأ مشروعات الانفتاح الاقتصادي المخالف لعبد الناصر، وهنا قامت حركة مناوئة له تمثل التيار الاشتراكي المعتدل والذي يسمح بالديموقراطية، وقامت محاولات لإنشاء حزب ناصري، والسادات رفض، وقال إن كان هناك ناصرية فأنا زعيم الناصريين. وانقسم الحزب الناصري حتى اليوم .
أضاف كروم: بعد اعتقالات سبتمبر عام 1981، فالتقى أعضاء الأحزاب المختلفة في الزنازين، وحصل تحالف الوفد والاخوان والناصريين، وبدأ الإخوان يتوقفون عن مناهضة الأحزاب، التي كانوا يرفضون فكرتها من الأساس باعتبارها تفريقا للأمة .
جدير بالذكر أن مركز طلعت حرب افتتح معرضا فوتوغرافيا عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يضم باقة من أجمل صوره مع الشعب المصري، وفي بيته.