أصبح ارتداء الحجاب في تركيا أمر مثير لمخاوف العلمانيين بعد السماح للمحاميات والطلبات بارتدائه، فهم يرون أن هذا الأمر سعي من الحكومة لتنفيذ ما سموه "جدول أعمال إسلامي" وتربية نشأ تركي متدين. فقد استعادت المحاميات في تركيا حق ارتداء الحجاب أثناء العمل بعد حكم من محكمة النقض أيد طلب محامية محجبة اعترضت على أحكام سابقة منعت ارتداءه في المحاكم منذ نحو 15 عاما.
ويمنع الدستور التركي الذي وضع عام 1982 ارتداء ما يشير إلى رموز دينية في الوظائف الحكومية منعا للتمييز الطائفي أو الديني.
واستند الحكم الجديد إلى أن المحاماة لا تعتبر وظيفة حكومية لذا فإنه لا يطبق عليها قانون الري الرسمي المطبق في الوزارات والوظائف الحكومية.
وألغت الدائرة القضائية الثامنة في المحكمة الإدارية العليا، بأغلبية الأصوات، عبارة "حاسري الرأس" في المادة رقم 20، التي تنص على أن "المحامين والمحامين المتدربين يترافعون في المحاكم باللباس الملائم للمهنة حاسري الرأس".
وكان القاضي التركي إلهان قاصي أغلو قام بتأجيل المرافعة في إحدى الدعاوى المقدمة إليه عندما رأي أن المحامية التي تترافع أمامه ترتدي الحجاب، وذلك بالرغم من تعطيل العمل بقانون ضرورة عدم ارتداء المحاميات الحجاب أثناء المرافعات. فقد فوجئت المحامية زبيدة قامالاق زوجة رئيس حزب "السعادة" أثناء قيامها بالترافع في قضية طلاق بمحكمة الأسرة الثانية بأنقرة بأن القاضي أجل نظر الدعوى المقدمة أمامه بسبب حجابها.
فما كان من المحامية إلا أن أبدت استيائها للقاضي مذكرة أن مجلس الدولة ونقابة المحامين أوقفت العمل بقانون ضرورة عدم ارتداء الحجاب أثناء المرافعات.
الوفاء بالوعد وكان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد وعد قبل عامين بالعمل على السماح للمحجبات بالعمل في الدوائر الحكومية بعد أن أفسح المجال أمامهن للعمل في البلديات والمدارس الخاصة.
وبالرغم من إصدار تعميم من مجلس التعليم العالي في تركيا يحظر على الجامعات طرد أية طالبة من قاعات المحاضرات بسبب ارتدائها الحجاب، إلا أن هناك جامعتيْن لا زالتا تصران على تحدي هذا القرار وتمنع المحجبات من دخول الصفوف التعليمية.
وأكدت تقارير صحافية تركية أن جامعة أنقرة وجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة تصران على منع دخول النساء المحجبات إلى الصفوف التعليمية في حرم الجامعة ، حيث تصر جامعة أنقرة على اشتراط تقديم صورة شخصية دون غطاء الرأس للنساء معلنةً أن الجامعة غير معنية بقرارات مجلس التعليم العالي التي تنص على قبول الصور الشخصية للمحجبات بحجابهن.
وكانت المحكمة العليا في تركيا ألغت في عام 2008 تعديلاً دستوريًّا يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات، باعتباره يناقض مبادئ العلمانية والمساواة التي ينص عليها الدستور التركي.
وعلى جانب أخر رفعت تركيا في نهاية العام الماضي حظر الحجاب في مدارس التعليم الديني في خطوة أثارت انتقاد العلمانيين الذين اعتبروها دليلا جديدا على سعي الحكومة لتنفيذ ما سموه "جدول أعمال إسلاميا". ودخل القرار حيز التنفيذ من العام الدراسي الحالي ، ويتضمن أيضا إلغاء إلزام الطلاب بزي مدرسي موحد .
وقال رئيس الوزراء التركي :"إن القرار جاء بناء على طلب الجمهور"، وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقده أمس في العاصمة الإسبانية مدريد "لنسمح لكل واحد بأن يلبس أبناءه ما يريد حسب إمكاناته، وهذه كلها خطوات اتخذت بناء على الطلب".
أسلمة التعليم وفي إطار رد الفعل على القرار، وصفته صحيفة "جمهوريت" العلمانية بأنه "خطوة نحو أسلمة التعليم"، وكتبت في عنوان رئيسي "سينتهي هذا الأمر بالنقاب".
وانتقد اتحاد العاملين في قطاع التعليم الإجراء الخاص بالزي المدرسي الموحد والحجاب، وقال في بيان له إن "تغيير قواعد الزي مهمة لأنها ترينا إلى أي مدى بعيد يجري تحويل التعليم إلى تعليم ديني، ويجب قطعا ألا تستخدم الرموز الدينية التي تشيع نمط حياة دينيا في المدارس والتي سيكون لها تأثير سلبي على نفسية التلاميذ".
لكن آخرين عبروا عن تأييدهم للقرار، وقال رئيس الاتحاد الديمقراطي للتعليم جوركان أفجيي إن القرار ينهي موروثا من الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 12 سبتمبر 1980 بتغيير قواعد الزي.
وأضاف "لن نتمكن من إنقاذ نظام التعليم من العواقب الضارة لقمع وطقوس ومبادئ وتفكير حقبة الحرب الباردة إلا بعد تحرير المعلمين والطلاب".
وجاءت الإجراءات في أعقاب قانون يسمح بإنشاء مدارس متخصصة في التعليم الديني يدرس التلاميذ فيها أيضا مناهج التعليم الحديثة وتقبل الطلاب من سن 11 إلى 15 عاما.
وقطاع التعليم من مجالات الخلاف الرئيسية بين المحافظين دينيا الذين تتكون منهم قاعدة التأييد لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وبين خصومه العلمانيين الذين يتهمونه بفرض قيم إسلامية بأسلوب المواربة.
وثارت مخاوف أولئك العلمانيين هذا العام عندما قال أردوغان إنه "يسعى لتربية نشء متدين"، وطرح حزب العدالة والتنمية الذي يتولى السلطة منذ عشر سنوات إصلاحات لنظام التعليم تعزز دور المدارس الدينية.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية قلص الحزب نفوذ الجيش الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية منذ تأسيس الجمهورية الحديثة عام 1923، لكن الحزب ينفي أن له جدول أعمال إسلاميا.
مخاوف علمانية ويخشى بعض العلمانيين أن يؤدي ما يقولون إنه تنامي التيار المحافظ في المجتمع والضغوط الاجتماعية إلى إجبارهم على تغيير نمط حياتهم وأيضا تبني الحجاب. وبالرغم من تلك المخاوف لم يصاحب قرارَ المجلس الأعلى للتعليم الخاص بالحجاب صخبٌ عال كالمعتاد بل مجرد اعتراضات محدودة.
وبهذا الخصوص يعلق الكاتب محمد علي بيراند في مقال بعنوان "دعهن يرتدين ما يُردن" بالقول "إنها نفس المعركة التي تجري في تركيا منذ 80 عاما عن قضية العلمانية والتدين". وأضاف بيراند "لقد تغير العالم، لقد تغيرت تركيا، لا بد من طي هذه الصفحات القديمة والتطلع إلى المستقبل".
ووفقا لوكالة "رويترز" ، قالت بيغوم يلدز 18 عاما التي كانت تدخن سيجارة أمام مدخل الجامعة "لا أعتقد أننا سنشعر بضغط لتغطية رؤوسنا هنا في إسطنبول، لكني أعتقد أنه ربما يكون هناك احتمال في أغلب الجامعات بمدن الأناضول".
وقالت بينار جيديك التي تدرس اللغة العربية وتضع حجابا وردي اللون إن هذا الحظر ما زال مطبقا في بعض الكليات، مضيفة أنه "يمكن أن أحضر فصولا دراسية بالحجاب الآن، لكنه ما زال محظورا في الكثير من الأقسام.. ما زال الضغط قائما".
وجدير بالذكر أن الجدل المتعلق بارتداء الحجاب لا يقتصر على تركيا وحدها، فهو محظور في المدارس الحكومية في كل من فرنسا وكوسوفو، إضافة إلى أنه محظور في أجزاء من ألمانيا حيث صدرت أوامر بمنع المدرسات من ارتدائه.