بعد مناورات عسكرية للكوريتين والتي كانت تنذر بقدوم حرب نووية بينهما ، رسمت التقارير الصحفية التي تحذر من حرب عالمية ثالثة في حال إقدام كوريا الشمالية على ضرب شقيقتها اللدود كوريا الجنوبية، صورة فوضوية لسيناريوهات غير محدودة أو واضحة المعالم لانتقال مركز الصراع مرة أخرى بين القوى الغربية ممثلة فى أمريكا والقوى الشرقية ممثلة فى روسيا والصين لمنطقة شائكة من الحرب الباردة . وذكر مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط انه على الرغم من عدم وجود مؤشرات حقيقية على قدرة بيونج يانج على تهديد السواحل الأمريكية، إلا أن الإعلان عن توقيع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون ، بصفته القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة خطة الإعداد التقني لقوات الصواريخ الإستراتيجية، لضرب القواعد العسكرية في الجزء القاري للولايات المتحدة ، وجزيرة جوام وهاواي وكوريا الجنوبية في "حالة الاستفزازات من قبل العدو" ، رفع سقف المخاوف من إطلاق شرارة صراع عسكري غير محدود بين الكوريتين على الأقل.
انتحار ومن المعروف وفقا لتقارير عسكرية منشورة أنه لا توجد صواريخ لكوريا الشمالية قادرة على الوصول إلى القواعد العسكرية الأمريكية في المحيط الهادىء، كما أن بيونج يانج ليست بهذه السذاجة لتقدم على خطوة تعتبر بمثابة "انتحار" لتلك الدولة التي تعانى من مشاكل اقتصادية كبيرة. إلا أن خبراء عسكريين ينظرون إلى وجود إمكانية لتصاعد المخاطر من اندلاع الحرب على خلفية التوتر الشديد الذى تحركه "الثقة المفقودة" بين الكوريتين ، في حال حدث إطلاق نار "بالصدفة" من قبل أحد الأطراف ، بسبب وجود عوامل عديدة لدى الجانبين تحدد احتمال هذا الخطأ ، مع إمكانية تكريسه بما يسمح بامتداد ألسنة اللهب فى المنطقة .
ووفقا لتقارير صحفية فقد شهدت الحدود الملتهبة بين الكوريتين منذ أيام واقعة كان من شأنها أن تكون السبب لشن حرب واسعة النطاق بين الشقيقتين ، حيث اعتقد جنود كوريون جنوبيون أن شخصا من كوريا الشمالية حاول دخول الأراضي الحدودية ، فألقوا عليه قنبلة ولكن تبين أنه إنذار كاذب ، إلا أن التوتر في شبه الجزيرة الكورية بهذه الصورة يمكن أن يأخذ في الازدياد ، لتبقى أيدى الأشقاء المتحاربين دائما على الزناد بانتظار إطلاق الرصاصة الأولى.
سلسلة تهديدات وفيما يعد التهديد الكوري الأخير مجرد حلقة فى سلسلة طويلة من التهديدات ، إلا أن واشنطن رأت أن تأخذه هذه المرة على محمل الجد وفقا لتصريح المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة كيتلين هيدين، رغم أنه في أوائل مارس الجارى وردا على المناورات المشتركة بين الولاياتالمتحدة والجيش الكوري الجنوبي في شبه الجزيرة، انسحبت بيونج يانج من الهدنة الموقعة بين الكوريتين ورفضت استخدام خط الهاتف في حالات الطوارىء مع سول، وحذرت حكومة كوريا الشمالية أنها لن تترك الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية تعبثان هكذا من دون رد مؤثر.
وكان رد فعل كوريا الشمالية جديا للغاية على الهبوط 3 مرات لحاملة القاذفات الأمريكية "بي 52" القادرة على حمل رؤوس نووية، ناهيك عن محاكاة الضرب بالقنابل الذرية التي جرت في سماء كوريا الجنوبية ، حيث لم يكتف الأمريكيون بذلك، فقبل 3 أيام أرسلوا قاذفتين "بي 2" من القاعدة العسكرية في ولاية ميسوري/ 20 ألف كم من كوريا / والقادرتين على إلحاق 16 ضربة نووية ، فيما نفذوا مناورات علنية في كوريا الجنوبية بشكل استفزازي مثير أمام كوريا الشمالية.
وليس ثمة شك فى أن هناك ترابطا بين ما يجري في الشرق الأوسط، بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران وسوريا والعراق وحتى أفغانستان من جهة ثانية ، خاصة في ظل وجود مواجهة معلنة بين قوى الغرب وقوى الشرق وصلت إلى أعتاب مجلس الأمن الدولي بشأن الملف السوري .
حجر الأساس فيما تنظر واشنطن إلى بيونج يانج على أنها هي حجر الأساس في تزويد الأسلحة والخبرات لدول ومنظمات تناوىء سياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة والعالم، كما أن الإغراءات الأمريكية لفك ارتباط كوريا الشمالية بهذه الدول فشلت حتى الآن ، خاصة وأن الحليفين التقليديين لبيونج يانج وهما روسيا والصين لا تقفان مكتوفتى الأيدى فى ظل التحركات الأمريكية .
فالحرب الكورية فى خمسينيات القرن الماضي كانت المواجهة الأولى المسلحة والساخنة في الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي ، كما أنها وضعت المعايير والحدود للصراع بين هذين المعسكرين في النزاعات اللاحقة، وثبتت ما عرف بنظرية "الحرب المحدودة"، حيث تجابهت هاتان القوتان على أراضي الآخرين، الذين دفعوا من أرواحهم وثرواتهم، ودمار بلادهم بدلا عنهما .
وعلى الرغم من أن هاتين القوتين قد تجنبتا تصعيد المواجهة بينهما في ذلك الوقت لكي لا تصلا إلى حد استخدام الأسلحة النووية والتدمير المتبادل، إلا أن الحرب التي اندلعت بين الكوريتين في 25 يونيو 1950 نقلت الصراع بينهما من أوروبا وجعلته على مستوى العالم ومساحته.
فقد كانت كوريا بلادا موحدة منذ القرن السابع الميلادي ، ومع نهاية القرن ال19 احتلتها اليابان أثناء حربها ضد الصين (1894 - 1895)، وضد روسيا (1904 - 1905) وألحقتها بامبراطوريتها عام 1910 ، واستمر ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، عندما هزمت اليابان، وتم الاتفاق خلال مؤتمر "بوتسدام" للسلام بين الحلفاء على اقتسام كوريا بين الاتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة ، على أن يكون خط العرض 38 الحد الفاصل بين الدولتين الكوريتين الجديدتين.
واستمرت الحرب فى شبه الجزيرة الكورية لتصبح سجالا بين المعسكرين الشرقي والغربي ، وتدخلت فيها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون وقوات الأممالمتحدة إلى جانب كوريا الجنوبية، كما تدخلت روسيا والصين بقواتهما إلى جانب كوريا الشمالية، وكادت الولاياتالمتحدة تستخدم القنبلة الذرية لولا ضغوط بعض الدول الحليفة والخوف من ردة الفعل السوفييتية في أوروبا.
وبدا من الواضح منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أن الأمريكيين يريدون ترسيخ أقدامهم في كوريا الجنوبية، بينما سعى السوفييت إلى ترسيخ وجودهم في كوريا الشمالية، لذلك أنشأ الأمريكيون قاعدة قوية في الجنوب، أرادوها رأس جسر في آسيا، وجزءا من خط تطويق الاتحاد السوفيتي السابق من جهة الشرق واعتبروا خط العرض 38 حدودا حقيقية بين دولتين ونظامين ومعسكرين متجابهين.
وأدت لعبة الأمم والصراع بين القوتين الأعظم فى ذلك الحين إلى عدم توحيد كوريا، وباءت بالفشل المحاولات العديدة التي بذلها قادة الشعب الكوري في الجنوب والشمال، كذلك الجهود التي بذلتها الأممالمتحدة لإقامة دولة كورية موحدة.
حرب التوحيد وبدلا من ذلك فقد اندلعت الحرب بين الشمال والجنوب تحت شعار التوحيد، لكن حقيقة الأمر كانت صراعا بين الدول العظمى - الولاياتالمتحدة تدعم الجنوب والصين والاتحاد السوفييتي تدعمان الشمال - ، حيث بذلت الجهود لإنهائها بعد معارك قاسية وخسائر كبيرة من كلا الطرفين، إلى أن وقعت الهدنة بين البلدين، وأوقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953.
وتم الاتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح على جانبي خط العرض 38 ما تزال حتى اليوم ، يحرسها الكوريون الشماليون شمالا، والكوريون الجنوبيون وقوات أمريكية بغطاء أمم من الجهة الجنوبية. وخرجت الكوريتان من الحرب محطمتين، وعلى الرغم من استعادة كوريا الشمالية عافيتها بسرعة في مقابل تعثر كوريا الجنوبية اقتصاديا ،إلا أن الدعم الغربي لها جعلها ومنذ منتصف سبعينيات القرن العشرين تتفوق على كوريا الشمالية ، في الوقت الذي بدأ اقتصاد كوريا الشمالية يعاني تراجعا وركودا في مجالات مختلفة، خصوصا بعد سقوط المنظومة الاشتراكية.
وأدت سياسات الاستقطاب الدولي إلى دخول كوريا الشمالية في السياسة النووية خلال الحرب الكورية، بعد أن هددت الولاياتالمتحدة باستخدام السلاح النووي لحسم الحرب ، حيث بدأت كوريا الشمالية بمعاونة الاتحاد السوفييتي برنامجا نوويا علميا، فيما قامت الولاياتالمتحدة عام 1958 بنشر أسلحة نووية في كوريا الجنوبية . وشكلت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 منعطفا في سياسة الولاياتالمتحدة، تجاه ما عرف بمحاربة الإرهاب والدول الداعمة له، أو تلك التي تبيع أسلحة وصواريخ خارج إطار المنظومة الدولية المعروفة.
واعتبرت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت كوريا الشمالية إحدى تلك الدول وفرضت عليها حظرا لمنعها من بيع الأسلحة لدول أو منظمات "مارقة" ، حيث تم تسريب تقارير استخبارية تقول إن كوريا تتعاون في تصنيع الصواريخ وبيعها لكل من إيران وسوريا وليبيا وباكستان.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق تطورت العلاقات بين كوريا وبعض دول الشرق الأوسط، خصوصا إيران وسوريا مما بات يشكل خطرا مباشرا على قوات الولاياتالمتحدة ، فيما وردت تقارير بأن بيونج يانج انتقلت في برنامجها النووي إلى تخصيب اليورانيوم بعد أن كانت تعتمد على البلوتونيوم، وأعلنت في إحدى جولات المفاوضات مع الولاياتالمتحدة أنها تملك أسلحة نووية.
وأشارت أصابع الاتهام إلى العالم الباكستاني عبد القادر خان ببيعها، بعض خبرات وتكنولوجيا الصناعة النووية، مما دفع الولاياتالمتحدة ودولا أخرى مجاورة إلى عقد مفاوضات لوقف البرنامج النووي الكوري عرفت بمفاوضات "الأطراف الستة" وهي روسيا،الصين، اليابان ، الولاياتالمتحدة بجانب الكوريتين، ولكن عدة جولات من هذه المفاوضات خلال أعوام 2004 و2005 و2006 لم تصل إلى نتائج حاسمة.
امتلاك النووي وفي 9 أكتوبر عام 2006 أجرت كوريا الشمالية تجربة تفجير سلاحها النووي، وبذلك أعلنت عن امتلاكها له، وقد قدر بعض المصادر المختصة قوته بحوالي 1 كيلو طن ، فيما عادت إلى مفاوضات "الستة" عام 2007 ووافقت على تعطيل مرافقها النووية، وتقديم جردة كاملة عن برامجها النووية كافة.
وتعد كوريا الشمالية الدولة الوحيدة في العالم المحاطة بخمس دول نووية وشبه نووية، لذلك فأزمتها وجودية، كما أن نذر الحرب الباردة التى أبرزتها تناقضات المصالح بين المعسكرين الأمريكي والروسي الصيني ، تجعل من بيونج يانج الآن محطة رئيسية وأرضا مثالية للحرب بالوكالة بين الجانبين.
إلا أن التجارب المريرة للشعب الكوري الذي ظهر منه جيلان بعد الحرب منهما جيل لم يشهد الحرب ويلعب دورا محوريا في المجتمع الكوري ، ورغبة القوى الدولية المتصارعة في بقاء الصراع بينها على محك الأزمات فقط ، مع استمرار الحرب الباردة دون الانتقال إلى ساحة التسخين ، يجعل من المستحيل نشوب حرب جديدة بين الكوريتين يمكن أن تكون مقدمة لحرب عالمية ثالثة كما يتوقع البعض.