أكد الكاتب والخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن الإعلام المصري بعد الثورة أصبح يتمتع بمستوى حرية كبير لم يشهده منذ ستة عقود، ولكنه مع ذلك لم يستغل الحرية ليرفع من سقف المهنية، فاستمر الجمهور في البحث عن الحقيقة خارج قنواته . جاء ذلك في الندوة التي استضافتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة أمس، ونظمتها كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة، تحت عنوان "ثمانية أشهر على الثورة: هل أصبح الإعلام حرا ومستقلا؟".
وقال ياسر عبدالعزيز أن الإعلام المصري أصابه بخيبة أمل، أن إعلامنا فشل الإعلام في الإجابة عن ثلاثة أسئلة؛ أولها : لماذا لم يتم وضع قانون خاص باتاحة المعلومات ؟ فقد شهدت ممارساتنا الإعلامية أكبر قدر في التاريخ من الأخبار المنسوبة إلى مصادر مجهولة، والسؤال الثاني : لماذا لم يتم إزالة كل القوانين السالبة للحرية الخاصة بقوانين النشر، ونزع أي سلطة لمصادرة أو منع وسائل الإعلام؟ ، كذلك لماذا لم يتم تفعيل هيئة تنظيمية للعمل الإعلامي يتم العودة إليها حين الحاجة؟.
لذا يصف الخبير الإعلامي مبنى ماسبيرو بالدولة المصرية من حيث الترهل والفساد والعشوائية والتخبط وغياب الرؤية، فكل إعلام يشبه دولته.
أما محمد هاني مدير قناة CBC فقال أن الإعلام المصري سيصبح حراً حين يكون القائمون عليه أحرار ومهنيون، وبحيث يخضع تنظيمية تحاسبه على أخطائه.
مشيراً إلى أن قيمة المعلومة بعد الثورة تلاشت لصالح الرأي، الذي بات يفرد له مساحات شاسعة، فجميع برامج ال"توك شو" تقوم على الرأي بنسب متفاوتة، ولا تعتني بتوثيق الرأي بمعلومات تدعمه، لذا أصبح إعلامنا "أعمى" يعمل داخل صندوق مغلق.
وتطرق هاني كذلك إلى علاقة رجال العمال مالكي القنوات الخاصة بالمحتوي، قائلاُ أن تلك القنوات المملوكة لرجال أعمال لا تشكل عائقاً في الممارسة المهنية، فحدود تأثير مصالحهم على المحتوي المقدم قليل يتمثل في إيقاف برنامج، أو إبعاد أحد المذيعين.
موضحاً أن قناة CBC يملكها رجل أعمال مصري معروف للعامة يعمل في الكويت منذ نهاية السبعينيات، في مجال البنية الأساسية من الطرق والكباري وغيرها، ولم يحدث أبداً كما يؤكد هاني أن تدخل في المحتوى البرامجي منذ انطلاق بث القناة إلى الان.
وردا على إحدى المداخلات التي تتهم قناة CBC بأنها تضم وجوها غير مرغوب فيها من الإعلاميين، قال مدير المحطة : القناة تمثل جميع الأطياف السياسية .
سأل مدير الندوة الإعلامي الأكاديمي حافظ المرازي عمن يقوم الآن بدور أمن الدولة قبل الثورة، في التدخل في المحتوى البرامجي وممارسة الرقابة، فأوضح محمد هاني أن وزير الإعلام أنس الفقي كان يتدخل في برنامج "البيت بيتك" الذي رأس تحريره ولكن هذا الوضع لم يتعرض له في الفضائية الجديدة.
وأشار البرت شفيق مدير قناة OnTV إلى أنه قبل الثورة كان أمن الدولة يتصل برؤساء تحرير البرامج، لمنع بعض المعلومات والآراء من الظهور، وكذلك وزير الإعلام وصل حد تدخله لدرجة أن وجه إنذارا للقناة لأنها بثت شريط الأخبار دون تصريح وهو أمر "مضحك"، ثم طلب منهم يوم 25 يناير ألا يبثوا كل ما يصلهم من معلومات عن المظاهرات ، وقال حرفياً : "عايزين نشم نسيم، كفاية لأن البلد ها تضيع" ثم اختفى من بعدها.
ونفى شفيق تدخل مالك القناة رجل الأعمال نجيب ساويرس في السياسة التحريرية للقناة، مشيراً إلى أن القناة تسعى لتقديم رأي مستقل عن رأي الدولة.
وقد احتلت قضية إغلاق مكتب الجزيرة مباشر مصر من قبل قوات الشرطة، مكانها في الندوة، فأعرب ياسر عبد العزيز عن أن الخشونة زادت في تعامل الدولة مع الإعلام خاصة مع غلق مكتب الجزيرة، مشيراً إلى أننا جميعاً نقف في صف سيادة القانون لكننا نرفض إغلاق المكتب بالقوة دون صدور حكم قضائي، مشيراً إلى أن السلطة الانتقالية التي تدير شئون البلاد أصبح صدرها ضيقاً من بعض الممارسات الإعلامية التي لا يمكن إعفائها من جنوحها إلى الإنفلات.
وأكد عبدالعزيز أن اتهام الإعلام بأنه لا يهتم بالمحافظات مبالغ فيه، لأن الجمهور يجنح إلى المركزية ويهتم بالعاصمة، وهو أمر تُسئل عنه السلطة السياسية.
من جهته قال حافظ المرازي أن الانتخابات القادمة لا يوجد لدينا إعلام لتغطيتها، فالإعلام المحلي عليه دور في التعريف بالمرشحين وهذا ما لم يحدث، وهو ما يدل على أن الإعلام لا يزال محتكراً من الحكومة.
وفي المداخلات أثيرت قضية فرد مساحات كبيرة لمن يوصفون ب"فلول النظام" السابق من الفنانين والإعلاميين الذين هاجموا الثورة، وهو أمر يراه صاحب المداخلة غير مبرر أو مقبول، وعلّق عبد العزيز بالقول أنه ضد فكرة العزل الإعلامي لأن الثورة قامت من أجل السماح للجميع بالوجود، مشيراً إلى أن الإعلام الخاص إذا فعل هذا فهو غير ملوم، إنما اللوم يقع على عاتق تليفزيون الدولة الذي هو في الأصل مملوك للشعب ولا يجوز أن يحتفي بمهاجمي الثورة إلا لاعتبار موضوعي.