تلك قصة لرجل زاد في إجرامه الحد المعقول، فقد قتل 99 نفس بغير حق، لكن الله تعالى شاء له الهداية وأن يكون مثالا للتوبة بعد التجبر، ولأن الله أعطي لكل ذى علم علما مميزا عن غيره، يختص به ويدل عليه ويعلمه، فقد أخذ الرجل يبحث عن صاحب علم ديني وفقيه يجيبه على سؤال يراوده طول الوقت، هل لي من توبة بعد كل هذا الجبروت؟.
سأل الرجل عن فقيه عالم يهديه، فدله الناس على راهب قيل أن لديه علم واسع، فاتجه إليه يسأله عن التوبة، إلا أن الراهب لم ينظر لقول الله "ورحمتي وسعت كل شيء"، ونظر فقط إلى أن الرجل قتل 99 نفس فهو مجرم لا توبة له، وهذا ما أثار غضب السائل فقتل الراهب وأكمل جرائمه مائة .
ومع ذلك، لم ييأس وبحث من جديد ودله الناس ايضا ولكن تلك المرة أصابت الهدف، فهرع الرجل إلى عالم جليل يسأله التوبة، فلم يتردد العالم لحظة ليقول له أن التوبة منه إلى الله لايوجد من يمنعها، وأن الله يقبل منه إلا بشرط، أن يبتعد عن بلدته التي عصى بها الله لأنها بلد تحوى ماضيه السيء وشهرة بأنه قاتل مجرم وغير ذلك مما قد يحبط توبته، ونصحه أن يذهب إلي بلد معينة فيها من المؤمنين من يعينوه علي التوبة والايمان ليبدأ حياة جديدة هناك.
فعل الرجل وشد العزم علي الرحيل ، تاركا خلفه ذنوبا، متجها إلي أرض التوبة، لكن شاء القدر أن يأتيه ملك الموت في منتصف الطريق، فلا هو بعيد عن أرضه القديمة ، ولا هو قريب من البلد التي يتوب فيها ، فإذا هو يحتضر ، وملائكة العذاب من جهة البلد السيء خلفه تريده لأنه لم يفعل خيرا قط ، وملائكة الرحمة من جهة بلد التوبة أمامه تؤكد أنه جاهد ليتوب الي الله وهو صادق، والطرفان يتنازعان عليه وكل فريق منهما محق في حجته.
ولأن الله يريد التوبة له ورحمته اوسع من عذابه، إذا بملك على صورة إنسان يقف متوسطا الملائكة ويقضي بأن تقاس المسافة بين الرجل وكلتا البلدين فأيهما أقرب إليه يكون حق لملائكتها أن تقبضه، وفعل الملائكة ، ومن حسن حظ الرجل أن كانت المسافة إلي البلد الجديد أقرب فقبضت روحه ملائكة الرحمة وأدخل الجنة بعد أن غفر الله له.