توريد 203 آلاف و280 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    جهاز التنمية الشاملة يوزيع 70 ماكينة حصاد قمح على قرى سوهاج والشرقية    الهلال الأحمر الإيراني يبدأ البحث عن مروحية رئيسي في موقع جديد    أيمن حفني مهنئا الزمالك بالكونفدرالية: «تفضل أمجادك قدام عيني»    نتائج مواجهات اليوم ببطولة الأمم الإفريقية للساق الواحدة    ضبط 1300 كيلو رنجة بدون بيانات بدمياط    محمد إمام يروج لفيلمه «اللعب مع العيال»: عيد الأضحى في جميع الوطن العربي    «ذاكرة الأمة».. دور كبير للمتاحف فى توثيق التراث الثقافى وتشجيع البحث العلمى    وزارة الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    دموع التماسيح.. طليق المتهمة بتخدير طفلها ببورسعيد: "قالت لي أبوس ايدك سامحني"    سلطنة عمان تتابع بقلق بالغ حادث مروحية الرئيس الإيراني ومستعدة لتقديم الدعم    رئيس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: جرائم الاحتلال جعلت المجتمع الدولى يناهض إسرائيل    نقيب الأطباء: نشجع مشاركة القطاع الخاص في بناء المستشفيات وزيادة فرص العمل    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم".. سر المرأة المجهولة التي قدمت باقة إلي عرابي في المحكمة(9-9)
نشر في محيط يوم 07 - 03 - 2013

ربما لم يشهد تاريخ القضاء المصري مثل قضية محاكمة أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية، هذا الضابط الفلاح الذي جاء من أعماق الريف المصري ورغم أنه تبوأ أكبر المناصب العسكرية حتى أصبح ناظرًا للجهادية إلا أن المنصب الكبير والرتب والنياشين لم تمنعه من أن يعلن الثورة على الخديوي من أجل كل المصريين. وأن يتصدى بكل جسارة وشجاعة لأساطيل وجيوش المحتل البريطاني.

إن وقائع محاكمة عرابي وأسرار القضية التي لم تذع من قبل. هي أشرف وسام للمواطن المصري.

ومن ناحية أخرى فإن تفاصيل القضية ومحضر استجواب أحمد عرابي، وحكم إعدامه الذي استبدل به النفي إلى الأبد من الأقطار المصرية، ستظل بكل ما فيها من أسرار وتناقضات شاهدًا على تاريخ مصر العظيمة وشجاعة رجالاتها الأوفياء، وكيف حاول – ويحاول – اللصوص والمنافقون تزييف هذا التاريخ برذاذ أسود وزبد الفقاعات الهشة. لكن الثوب يبقى ناصعًا رغم الرذاذ، والزبد دائمًا يذهب هباء.

ويكفي أن تهمة أحمد عرابي كانت الخيانة العظمى لأنه أبى الاستسلام وأصر على الدفاع عن مصر ضد الإنجليز.

ونختتم فى الحلقة الاخيرة فصول هذا الكتاب الذى تحدث عن حقبة تاريخية هامة فى مصر

حان موعد المحاكمة المهزلة.. محاكمة الزعيم التي لم تستغرق سوى دقائق فقط أعلنت المحكمة بعدها الحكم المعد من قبل وهو الموت. وحتى تكتمل فصول المحاكمة المهزلة كان لابد أن يعلن الخديو عن رقة قلبه وواسع رحمته بتخفيف حكم الموت إلى النفي إلى الأبد خارج الأرض والملحقات المصرية.

ولن يجد أي مؤرخ دلالة أقوى على هزلية محاكمة أحمد عرابي من وصف المحاكمة الذي جاء في جريدة الأهرام التي كانت من البداية قد اتخذت موقفا منحازا إلى الخديو توفيق وضد أحمد عرابي والثورة العرابية، وهو موقف جعلها تهبط إلى وصف عرابي ونعته بأقذع الأوصاف والنعوت.

هيئة المحكمة

بتاريخ أول ديسمبر 1882 كتب مراسل الأهرام تحت عنوان محاكمة عرابي يقول: اتصل بي أمس أن محاكمة هذا الرجل ستكون يوم الأحد، وكان هذا الخبر غير معلوم إلا عند قلة من الناس. فاهتممت بالحصول على تذكرة الحضور وكان لي ذلك وفي صبيحة هذا النهار ذهبت إلى الدائرة حيث سجن العصاة.

وقابلت بعض الصحب الذين علمت منهم قرب ساعة المحاكمة وأنها ستكون على موضوع العصيان فقط لا على رفع الراية البيضاء ولا على القتل ولا على الحريق خلافا لما كان يتوقعه الرأي العام.

ويصف مراسل الأهرام ما حدث خلال المحاكمة فيقول: عند الساعة التاسعة إفرنجية من صباح ذلك النهار. دخلنا قاعة المجلس العسكري وإني أقص لكم تفصيل ما جرى بدقة، كم هو عظيم هذا المجلس من الداخل كنمط المجالس المختلطة. وعند الساعة التاسعة والنصف دخل حضرة سعادتلو رءوف باشا الرئيس يتبعه حضرات الأعضاء أصحاب السعادة إبراهيم باشا وخورشيد باشا وعثمان باشا لطيف وأحمد باشا حسين وحسين باشا نعيم وسليمان باشا نيازي وجميعهم بالملابس الرسمية والنياشين الفاخرة، فجلست ثلة عن يمين سعادة الرئيس وثلة عن يساره وكان في الجهة اليمين أيضًا حضرة السير شارلس ويلسون وبعض الإنجليز، وعن الجهة اليسرى كتاب أسرار تنصلتو إنكلترا الجنرالية، وكان أمام الرئيس حضرة الكاتب البليغ رفعتلو عبد اللطيف أفندي الصيرفي كاتب أول المجلس الحربي وبجانبه المسيو برودلي محامي عرابي الأول ثم رفاقه، وحضر في هذا الانتظام الجرائد الأجنبية وسواهم بما لا يزيد عددهم على الثلاثين.

الحكم بعد الظهر

ولما انتظم المقام أمر حضرة الرئيس بإحضار أحمد عرابي.

فتوجه ضابط وأتى به يخفره عسكريان ببنادقهما كالعادة الجارية مع كل سجين، قد دخل القاعة وهو أصفر اللون وجلس.

فخاطبه سعادة الرئيس قائلاً: أحمد باشا عرابي؟.

فانتصب.

فقال الرئيس: تبين مما أوضحه مجلس التحقيق أنك عصيت وحملت السلاح ضد الحضرة الخديوية. فكنت بذلك مضادًا للبند 96 من القانون الحربي العثماني، والبند 59 من قانون الجنايات العثماني.. فهل تعترف أنت نفسك بالعصيان؟.

فلما انتهى حضرة الرئيس جلس عرابي..

ووقف المسيو برودلي محاميه وقال باللغة الفرنساوية: إن موكلي يعترف بارتكابه العصيان. وأنا المحامي عنه أصدق على ذلك.. وإليكم إعلانا موقعًا منه بهذا الشأن. فأخذ كاتب المجلس هذا الإعلان العربي في العبارة وتلاه على الحضور وملخصه: إنني أعترف بعصياني ضد الحضرة الخديوية وأقر بذلك موافقة لرأي المحامي عني.. توقيع.. أحمد عرابي المصري.

وعند ذلك انتصب سعادة الرئيس وقال: إن صدور الحكم سيتم بعد الظهر.

وهكذا انفضت الجلسة التي لم تستغرق من الوقت إلا خمس دقائق.

إذا عاد.. يقتل

يقول مراسل الأهرام: تلك هي المحاكمة التي طنطنت الجرائد بأحكامها. وبسط الكُتَّاب شروحا عنها واختلفوا رأيا في شأن مدة تحديدها؛ إذ قال بعضهم إنها ستستغرق شهرًا وآخر شهرين وآخر شهورا، وسيكون منها كذا وكذا وهلم جرا. فهي لم تستغرق من الزمن إلا دقائق خمسًا لا غير.

وبعد انفضاض المجلس تقدم بعض كتاب الجرائد الإنكليزية وسلموا على عرابي وانصرف كل إلى مكانه. ولما كانت الساعة الثالثة بعد الظهر رجعنا إلى محل المجلس، ووفد العالم حتى بلغ عددهم نحو المائتين بينهم قليل جدا من المواطنين. وحضر في هذه الحفلة دولتلو نوبار باشا والجنرال إليزون.

ثم أقبل المجلس العسكري بالأثواب الرسمية كالعادة فانتصب الحاضرون ثم استوى كل في مقامه. وأمر سعادة الرئيس بإحضار أحمد عرابي فأحضر على نحو ما أحضر. فخاطبه سعادة الرئيس بما يلي: بناء على اعترافك بالعصيان، وإقراركم بحملك السلاح ضد الحضرة الخديوية لم يكن للمجلس إلا أن يصدر الحكم عليك، ولقد أصدره باتفاق الآراء عملا ببندي 96 و 59 من القانون العثماني، اللذين يقضيان على من أتى العصيان بالإعدام فالمجلس قضى بقتلك.

ثم أردف حضرة الرئيس وقال: وإننا لما رفعنا هذا الحكم إلى الحضرة الخديوية التي هي منبع الجود والرحمة، رأت أن تستبدل القصاص بقصاص آخر وقد أصدرت أمرها الكريم بهذا الشأن. ثم سلم صورة هذا الأمر إلى رفعتلو عبد اللطيف أفندي فتلاه جهرة وهو: نحن خديوي مصر.. بناء على ما لنا من حقوق العفو المختص بنا فقط، وبناء على أن المجلس العسكري أصدر اليوم حكمه بقتل أحمد عرابي عقابا لعصيانه اقتضت رحمتنا أن تستبدل بهذا القصاص ما يلي:

البند الأولي: ينفى أحمد عرابي من جميع أرض مصر وملحقات الحكومة المصرية.

البند الثاني : وإذا رجع أحمد عرابي إلى أرض مصر فلا يعامل بالعفو بل يقتل.

البند الثالث: على رئيس نظارنا ونظارنا كل بما خصه تنفيذ أمرنا هذا.. التوقيع: محمد توفيق.

ومصادرة أملاكهم

ويصف مراسل الأهرام ختام المحاكمة الهزلية قائلاً: وعند تلاوة الأمر السامي.. قال سعادة الرئيس: انفضت الجلسة.

فأعيد عرابي إلى محبسه وكان ثمة سيدة لم أعلم من هي قدمت للمنفيِّ ضمة زهور فليحكم القراء على مثل هذا السلوك. أما الجلسة فلم تستغرق إلا عشر دقائق.

وقد انصرف الحضور والذهول مستول والأفكار مختلفة والآراء متباينة. وإننا لنترك الخوض في هذه المحاكمة وفي الأعمال التي جرت من البداية إلى النهاية إلى فرصة أخرى مكتفين الآن بأن نخاطب مستر بلونت بقولنا: طب نفسًا وقر عينًا فلا حاجة لاكتتاب يصرف خدمة في الدفاع عن خليلك. فقد انقضى الأمر على ما تتمنى وتروم. وإننا لننتظر ما ستبسطه جرائد أوروبا في هذه المسألة المهمة وما ستفصله وتخيطه.

وفي نفس العدد نشرت الأهرام تحت عنوان تلغراف خصوصي لجريدة الأهرام: تقول: مصر في 2 ديسمبر سنة 82 الساعة 2 والدقيقة 28 بعد الظهر.. حوكم عرابي صباح اليوم بجريدة العصيان. فاعترف أنه حمل السلاح ضد سمو الخديوي. وفي هذه الدقيقة قضى عليه المجلس العسكري بالقتل طبقًا للبند 96 و 59 من القانونين العسكري والجنائي العثماني، أما سمو الخديوي فاستبدل بعقاب القتل النفي المؤبد إلى خارج الأرض المصرية على أنه إذا عاد إليها يشنق دون محاكمة، وكان الناس الذين حضروا الجلسة قبل الظهر قليلين وبعده كثيرين. ثم نشرت الأهرام تحت عنوان قرار أصدره سعادة ناظر الداخلية تقول: بناء على الأمر الصادر في 2 صفر سنة 1200 ه الموافق 14 ديسمبر سنة 1882 بأن أملاك أحمد عرابي وطلبة عصمت وعبد العال حلمي ومحمود سامي وعلي فهمي ومحمود فهمي ويعقوب سامي صارت ملكًا للحكومة قد قررنا ما هو آت:

أولا: قد ترتب قومسيون مخصوص يكون مركزه ضبطية مصر. وهذا القومسيون مكلف بحصر أملاك المذكورين، وإجراء تنفيذ مفعول الأمر العالي المشار إليه. لحد إعمال التصفية عن قيمة ما يصير بيعه.

ثانيًا: المكاتبات والأوراق التي تتقدم عما يتعلق بحصر أملاك المذكورين وحقوقهم ترد إلى نظارة الداخلية وهي تجري توصيلها إلى القومسيون المذكور، الذي يخابر الداخلية عن جميع إجراءاته.

من تكون

وعودة إلى وصف الأهرام لجلسة المحاكمة، لابد أن تنتهي بسؤال.. من تكون تلك المرأة المجهولة التي تقدمت بكل شجاعة نحو أحمد عرابي في هذا الموقف المهيب وهو يستمع داخل قاعة المحكمة إلى الحكم بإعدامه ثم نفيه إلى خارج مصر، لتقدم له وسط ذهول الجميع.. باقة من الزهور..؟

من تكون هذه المرأة الشجاعة؟

أتكون هي نفسها الأميرة (إنجي) أو إنجه كما كان يطلق عليها. وهي إحدى أميرات الأسرة الخديوية من اللائي تعاطفن مع أحمد عرابي والثورة العرابية؟

الإجابة عن السؤال لابد أن تمر عبر سؤال آخر هو: ماذا كان دور المرأة المصرية في الثورة العرابية؟

على لسان المستر برودلي محامي أحمد عرابي والذي ألف كتابًا عنوانه كيف دافعت عن عرابي.. تضمن فصلاً كاملاً عن دور المرأة المصرية في ثورة عرابي، كتب محمد عودة تلخيصًا لبعض ما في هذا الفصل.

ويقول المحامي برودلي فيه: ليس في الشرق بلد يبدو فيه نفوذ المرأة واضحًا كما يبدو في مصر، ولقد وجد عرابي منذ اللحظة الأولى بين سيدات مصر تأييدا للقضية الوطنية ومبادئه، وقد ظللن ثابتات على حماسهن وتأييدهن حتى اللحظة الأخيرة، أي حينما انطفأ الخيط من الأمل. وقد جرف الحماس أميرات الأسرة المالكة الخديوية فيما عدا أم توفيق وزوجته، وكن لا يخفين تأييدهن القوي للثورة العرابية.

دور المرأة المصرية

ويضيف المحامي برودلي: وحدث في اليوم التالي لضرب الإسكندرية أن هبت فتيات مصر، وبنات الأسر الكبيرة لجمع التبرعات وبذلها، وجمعن تبرعات كبيرة وألفن فرقة لتحضير الضمادات ولوازم الجرحى لإرسالها للأطباء الذين كانوا يعملون في الخطوط الأمامية في معركة كفر الدوار.

وقد كان تأييد النساء المحجبات في الحريم هو الضربة القاضية على حجج الذين كانوا ينكرون على حركة عرابي أنها ثورة شعبية شاملة، وحدث بعدما انتهت محاكمة عرابي ببضعة أيام وكنت قد بقيت في القاهرة في فندق شبرد، أن جاءني ذات يوم رسول خاص في زيارة غامضة وقال لي إن معه رسالة من سيدة كبيرة المقام، وسلمني الرسالة ومعها مجموعة من الهدايا الثمينة الفاخرة لي وللمستر نابيير مساعدي في الدفاع.

وكان نص الخطاب إلى المستر برودلي المحامي.. بعد تحياتي واحترامي وشكري لشخصك الشريف. فإني أنتهز هذه الفرصة لأعبر لك عن امتنان نساء وشعب مصر كله ونحن والمصريون جميعًا نشعر بالفرح وعرفان الجميل لما أديته من خدمات ولأنك دافعت عن قضية العدالة والإنسانية، ونحن المصريات والمصريين سنصلي وندعو الله أن يحقق لك السعادة والتوفيق. كما ندعو الله أن يلطف بهذا البلد.

.. إنك بدفاعك عن أبناء هذا البلد الذين ثاروا من أجله والذين لا يريدون له سوى الخير قد جعلتنا نعز انجلترا ونرى فيها أحرارا يساعدوننا في محنتنا، وإننا لنشكر المستر بلنت شكرًا عميقًا على جميله نحونا، وإن أنباء ما فعله لتثلج صدور المصريات والمصريين جميعًا. ولهذا فمهما فعلنا لن نستطيع أن نعبر لك عن شكرنا.. التاريخ 15 ديسمبر 1882.. وكان التوقيع.. إنجه

يقول بلنت: وهذا كل ما عرفته عنها!.

رأيناه.. منقذ مصر

ويكمل قائلاً : وبعد بضعة أيام تلقيت زيارة مماثلة، لكنها هذه المرة كانت من فتاة جميلة متحمسة، جاءت وقالت لي إنها تريد أن تشرح حقيقة مشاعر نساء مصر نحو الأحداث الأخيرة.

كانت تتدفق حماسة وهي تقول لي: لقد كانت كل فتاة وسيدة في مصر تعطف سرا، ومن أول لحظة على عرابي، لأننا أدركنا أنه لا يريد سوى خير مصر. ولقد اعتقدنا حينا أن توفيق نفسه يؤيد عرابي، ولهذا أحببناه ولكن حينما وجدنا أنه يكيد له ويخون مصر كرهناه وكرهناه بشدة، ومن يومها حاول توفيق أن يستعمل عطف سيدات وبنات الأسر عن طريق أمه وزوجته بلا جدوى، بل وكرهته الأميرات وذهبت إحدى الأميرات الكبيرات إليه وقالت له في مواجهته رأيها بصراحة فيه وفي تصرفاته السياسية، وبعدها بقليل رحل توفيق إلى الإسكندرية وسمعنا بعدئذ أنه انحاز نهائيا للإنجليز. وبدأت الاجتماعات النسائية في الحريم، وصممت كل المجتمعات على عدم الاعتراف إلا بعرابي كزعيم شعبي يدافع عن البلاد، لقد كنا جميعًا نرى في عرابي زعيمًا شعبيًا سيتم على يديه الخلاص، وكان حماسنا له لا يعرف حدودا، وكنا جميعًا نكتب له خطابات إعجاب ونبعث له بتلغرافات تهنئة وتشجيع بأسماء مستعارة ولقد كتبت له إحدانا خطابا حماسيا بتلغرافات تهنئة وتشجيع بأسماء مستعارة ولقد كتبت له إحدانا خطابا حماسيا "إلى منقذ مصر" تعرض عليه الزواج لتقف إلى جانبه وتؤيده. ورد عليها عرابي شاكرا وطلب منها أن تؤدي واجبها الوطني في مكانه.

ولقد ساهمت كل سيدة وفتاة في نفقات الحرب حسب مواردها، وكنا نجمع التبرعات بانتظام، ونشتغل طوال اليوم بجد في إعداد ما يلزم الجنود من أدوية وأغطية وضمادات، حتى كان ذات يوم إذ جاء عرابي إلى القاهرة، وسرت شائعة قوية بأنه قد جاء معه برأس الجنرال ويلسلي والأميرال سيمور، وطغى علينا الفرح، ولكن ما لبثنا أن عرفنا الحقيقة المرة، وأن عرابي قد مني بهزيمة ساحقة. واستولى علينا ذهول وحزن أليم، واستغرقنا في بكاء مستمر حتى بلغت حالتنا مبلغ اليأس الأليم.

الخديو.. وأمه

وتستمر الفتاة المصرية المجهولة تروي قائلة: وحينما عاد توفيق منتصرًا مزهوا إلى القاهرة توقعنا أن يصب العذاب والغضب على نصيرات عرابي، وبالفعل ما إن وصل حتى أرسل إلى الفتاة التي كانت قد أرسلت خطابا إلى عرابي، وأعلن أنه سيذيقها العذاب المر لولا أن تدخلت أمها وأعلنت بجرأة أنها هي التي كتبت الخطاب، ووقعت عليه باسم ابنتها وحينما خرجت الأم وابنتها من عند توفيق التقتا الأغا الذي أبلغ الخديوي توفيق بقصة الخطاب ووشى بها إليه، فأمسكت الأم بكرسي وضربته على رأسه وانهالت عليه ضربا وأخذت تجري وراءه في أرجاء السراي، والدم ينزف منه تريد أن تفتك به نهائيًا.

وأمر توفيق بجمعنا كلنا بعدما دله جواسيسه علينا، وكان أكثرنا يرتجف من الخوف. وذهبنا وكان توفيق يجلس وإلى جواره أمه وما إن اكتمل عددنا حتى انهالت علينا أمه بأقذر وأقذع السباب وأعلنت لنا في تشف أن بطلنا عرابي سيسلمه الإنجليز إلى الخديو لكي يعدم ببطء على الخازوق، وقرأت علينا قائمة بأسماء زعيمات حركتنا، وقالت إنه قد تقرر إعدامهن وسرى فينا الرعب وظللنا خائفات بضعة أيام، حتى تحققنا من أنه لا توفيق ولا أمه يستطيعان أن يحركا إصبعا بغير موافقة الإنجليز أسيادهما وحينما عرف أن حياة عرابي لن تمس وأنه سينفى فقط لبست أم توفيق الحداد. وسرى الوجوم والحزن في السراي وأخذنا نحن بدورنا نتشفى فيهم.

يقول المحامي برودلي: إن الفتاة الجميلة المتحمسة اختتمت حديثها معي قائلة: أحب أن أقرر لك كي تعلن للعالم كله أنه ما دام توفيق يحكم مصر فلن يكون هناك سلام لا لكم ولا لنا ولا لمصر كلها.

ويقول برودلي: ولقد قابلت توفيق بعدئذ وفي حديث طويل قال لي إنه كان يستطيع أن يعيش في سعادة وفي سلام لولا شيئان هما أشد ما في مصر خطرًا عليه وهما أقلام الصحفيين وألسنة النساء.

ثلاثون جنيها فقط

وبعد: كعادتها أنهت جريدة الأهرام الحديث عن محاكمة عرابي بخبر كله حقد وتشف تقول فيه على لسان مراسلها: أفيدكم أنه تعين يوم تسفير رؤساء العصابة وهو يوم 25 الشهر الجاري وأما عددهم مع الذين سيسافرون معهم من عائلاتهم فلا يتجاوز الخمسين نفسًا. وقد قبلت امرأة العرابي أن تصحب بعلها، أما امرأة البارودي فلا تزال رافضة ذلك. وهي مصممة على هذا الرفض حتى بعد سفر المستعمرين العصاة، وبلغني أن أحمد عبد الغفار اقتنع بأن يسافر مع إخوته السبعة، أما الزوابي فلا يزال رافضًا، وقيل إن عمر رحمي بك سينفى إلى محل من أنحاء مصر وليس للسودان.. وقد تقرر لكل من السبعة المنفيين ثلاثون جنيها.

انتهى...

اقرأ أيضا:


الفصل الأول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

الفصل الثانى : الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

الفصل الثالث : قصة حب أنقذت عرابي ورفاقه من السجن

الفصل الرابع : عرابي ورجاله يردون علي المصحف قسم الثورة خلف الشيخ محمد عبده

الفصل الخامس : تلغرافات من أحمد عرابي للأستانة: خديوي مصر اجاز إلي عدو البلاد

الفصل السادس : النديم يؤلف نشيداً ضد الإنجليز والجماهير تردد خلفه

الفصل السابع :حجاب علي صدر عرابي لأن أولاده كانوا يموتون بالصرع

الفصل الثامن : الأميرة إنجي أرملة الخديوي سعيد تشكرالمحامي "برودلي" لدفاعه عن عرابي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.