كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه هكذا جاء في الحديث الصحيح الذى علمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكمة بالغة الاختصار ..كيف لا وقد أوتى جوامع الكلام وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فالإسلام يدعو إلى تدعيم أواصر الإخوة والحرص عليها ومعالجة ما ينشأ من خلل على هذه العلاقة المتينة قال تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وجاء في حديث [المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايحقره ولا يخذله ] وجاء أيضاً في الحديث [مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ] كل هذا وغيره من التوجهات الإسلامية جاء رعاية لحق المسلم على أخيه المسلم فهي رابطة أقوى من روابط النسب والقرابة فالمسلمون أمة واحدة وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولكن الشيطان لا يترك بنى آدم هكذا دون تحريش فيما بينهم فهو يحب أن تشيع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ويتشوق إلى إفساد ذات البين حتى يذهب بدينهم وسط النزاعات والتجاوزات المتبادلة بالرغم من تحذير المولى تبارك وتعالى من عاقبة ذلك في قوله عز وجل [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين]
ولما كان الخلاف واقعاً كأمر قدرى وكذا البأس بين أطياف الأمة الإسلامية إذ لم يستجيب ربنا لدعوة نبيه في الوقاية منه كانت الضوابط الإسلامية في معالجة هذه الحالة من الاشتجار ضرورية نوردها في النقاط التالية :
- الدفع بالتي هي احسن وهي قاعدة جليلة إستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي سفيان وكان وقتئذ كافراً فصار حبيباً مصافياً بعد أن كان عدواً مجافياً فأحرى بالمسلمين أن يستعملوا هذه القاعدة مع إخوانهم مع بنى جلدتهم حفاظاً على الحب والود فالمسلم يحب من يتغاضى عن زلاته وهفواته فلا يعدها عليه قال تعالى [ادفع بالتي هي احسن ]
فالمعاملة بالإحسان هي طريق كسب الإخوان لكونهم يشعرون بفضل إخوانهم عليهم رغم إساءتهم فيخجل المرء من تصرفه ويصفو سريعاً تجاه صاحب المعروف .
- سرعة معالجة ما يقع من الصغائر في واقع الأخوة والمبادرة إلى الاعتذار أو ردٌ الحقوق إن تطلب الأمر ذلك حتى لاتتفاقم المشكلات وتتحول إلى عقبات على طريق عودة العلاقات إلى طبيعتها.
- إذا ابتدأ أحد المسلمين بسب أخيه وشتمه فأحرى به أن يصبر ولا يتجاب لقول رسولنا الكريم في حديث الذي رواه أحمد و البخاري في الأدب المفرد وصححه الألبان [المستبٌان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان ].
فلا يصح للمسلم أن يتفاعل في معركة سباب وصف كلا طرفيها بالشيطان حيث يقع منهما القول الباطل وكلمات الكذب والإساءة.
فإن كان المسلم فاعلاً ولم يستطيع يحمل نفسه على الصبر فإنه لا ينبغي له أن يزيد في الرد على أخيه برميه بالباطل والبهتان كي لا يتحمل إثم ذلك لحديث رسولنا الكريم الذى رواه الإمام مسلم [المستبٌان ما قالا فعلى البادي منهما حتى لا يعتدي المظلوم ]
إذا فوجئ المسلم بأخيه يحمل عليه عصا فله أن يدفع عن نفسه بقدر ما يندفع به هذا المعتدي ولا يتجاوز إلى رميه بالرصاص أو طعنه بسلاح قاتل دفاعاً عن النفس فإنه قد يكون قد تعدى قواعد دفع الصائل التى أباحها الشرع دفاعاً عن النفس ، وهنا يضمن ما أتلفه من نفس أو عضو وعلى المسلم ينتبه إلى وصية أحد التابعين والتى تحذر من ذلك الاشتجار بقوله "اتق أن تكون قتيل العصا ومعناه قتيل الفتنية وفي شق العصا المسلمين"
أما إذا اقتحم أحد على أخيه المسلم وهو يحمل سلاحاً نارياً فله أن يصده بسلاح مماثل ولا يعمد إلى قتله بل إصابته إصابة تعيقه عن إتمام مقصوده فإذا انسحب وتراجع مولياً لايتبعه برمى ليقتله وإنما يكف عنه ولتكن العبرة والموعظة من حديث رسول الله صلى الله عليها وسلم في الصحيح "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"
الحديث فأخذ المقتول حكم القاتل الفعلى لكونه كان حريصاً على قتل خصمه بالنية المنعقدة على ذلك .
بعد ذلك إلى جوار المعتدى عليه في مواجهة الذي خرق المصالحة وعاود القتال معتدياً على الطائف الأخرى حتى يرجع إلى حكم الله تعالى ويضمن ما وقع من تعديات .
وهكذا نكون قد بينا ضوابط الاشتجار بين المسلمين ونحن نتمنى ألا يقع ذلك بين أمة يكيد بها أعدائها ويحتلون أرضها ويعتدون على مقدساتها وعليها من المهام الجسام ما تنوء به الجبال والله إن القلب ليحزن والعين لتذرف دمعاً حين نسمع عن قتال وقع بين المسلمين عند الثغور أو حتى بين العائلات حول قضايا دنيوية تافهة تجرى بعدها الدماء من هنا وهناك وقد يسقط فيها من المسلمين من لا علاقة له بالمشكلة بل لكونه كبيراً في قومه أرد الخصوم أن يثأروا لقتيلهم وماهو بقاتل أحداً بل يفعلون ذلك نكاية في العائلة الأخرى وهذا محرم بلا شك فليزم الانتهاء عن كل هذا واللجوء إلى التحكيم المنصف الذى يرد الحق إلى أصحابه .
إننا نشاهد كثيراً من المشاجرات يعمد المتشاجران إلى ضرب الوجه وشج الرأس وقد نسوا تحذير رسولنا الكريم في الحديث الصحيح الذى رواه مسلم "إذا ضرب أحدكم أخاه فليتق الوجه".
ونختم هذا المقال المختصر بجزء من الحديث أبى ذر في الفتنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه .
وفي ذلك إشارة واضحة إلى ترك القتال في الفتن فالقاعد فيها خير من القائم ...بل والمقتول فيها خير من القاتل كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد [فإن استعطت أن تكون عبدالله المقتول لا القاتل فافعله ]
أيها المسلمون اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وسلوا الله ألا يجعل في القلوب غلاً للذين آمنوا وكونوا عباد الله إخواناً .
صلى الله وسلم على سيدنا محمد
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع القائمين عليه