"الدستور" تلك الكلمة التي أصبحت أكثر شيوعا في الشارع المصري الآن.. في المواصلات العامة والإدارات الحكومية، في كل مكان يتواجد به مجموعة من الناس، الكثيرين لازالوا لا يهتمون بما تعنيه الكلمة، لكن النسبة الأكبر من الشارع أصبحت تردد الكلمة بكثرة، منذ شهر تقريبا، ، وتحديدا حينما بدأ الباعة الجائلون أن الدستور الآن هو سلعة رائجة جدا، وبدأوا يبيعونه علي الرصيف في الشارع، وعلي سلالم محطات مترو الأنفاق.. لتعتاد أذنك علي نداء "أقرا الدستور بخمسة جنيه.. أعرف الدستور الجديد بخمسة جنيه.".. ينقسم الشارع بشدة حول الدستور الجديد، بين مؤيد ومعارض، وكل فريق يري الأخر بنسبة كبيرة لا يستطيع أن يحكم علي الأمور حكما صحيحا. "وهو الدستور مش عاجبكم في ايه؟ أنا ماليش دعوه الناس بتقول أيه..أنا قريت الدستور واللي فهمته منه إنه مفيهوش حاجة من الحاجات اللي مخلية الناس دي كلها معترضة عليه، الناس عايزه تفضل تنزل في مظاهرات، وعاوزه يفضل حال البلد واقف كده، كل الناس اللي بيتظاهروا أصلا سواء اللي بيأيدوا الإخوان أو اللي بيعارضوهم مبيشتغلوش ولا عندهم مسئولية، عشان كده مش حاسين بحاجة!" هكذا كانت ترد الفتاة العشرينية المحجبة في الميكروباص المتوجه إلي مدينة 6 أكتوبر، علي انتقاد أحدهم بشأن الدستور الجديد، بعد أن رمي أحد الأشخاص مجموعة من الأوراق علي ركاب الميكروباص بشأن الدستور الجديد، وأنه لا مواد خلافية فيه كما يقولون، اعترض الرجل قائلا "هما الاخوان مش هيرحمونا شوية بقي؟ مش الدستور اللي هما حاطينه بقي هو الدستور خلاص؟" لتبدأ الفتاة العشرينية كلامها الذي قالته بلهجة منفعلة وحادة .
تتمكن بسهولة من الاحتكاك بحالة الانقسام التي يتعرض لها الشارع حول الدستور الجديد في المواصلات العامة، حيث لا يجد المارة شيئا أكثر جدلا من الدستور الجديد وإقراره لكي يقطعون به الوقت الذي يقضونه حتى يصلوا إلي الوجهة التي يتوجهون إليها، وفي وسيلة مواصلات أخري تجمع نحو أربع فتيات يبدو أنها المرة الأولي التي تري كل واحدة فيهن الأخري، بدأ الحديث بقول أحدهن "الإخوان عملوا اللي هما عايزينه علي رقبتنا كلنا، وأقروا الدستور غصب عنّا"، لترد أخري "وأحنا نفهم أيه في الدستور عشان نعرف نحكم عليه.. أحنا يادوب بنتكلم في البيت أو الشغل أو المواصلات.. لكن الناس اللي حطت الدستور دي بتفهم علي الأقل في القانون أحسن مننا!"
يقول دكتور سعيد عادل -37 عاما- صيدلي، "الإخوان بيكذبوا وبيدخلونا في متاهات كتير، كلها كذب وتخوين، أزاى أساند الدستور اللي هما كتبوه ومرروه رغما عن كل الناس، ومش شايفين حد مهم، لأن مصلحتهم العليا هي أهم حاجة بيحرصوا عليها، أنا مشفق علي دستور بلادي،عشان كده أنا مشاركتش في الاستفتاء.. ولا هبقي جزء من لعبة اللين والعنف اللي بيستخدموها في خطابهم السياسي، وأشبعونا بيها بين المرحلة الأولي والتانية من الاستفتاء."
وعلي النقيض يري حازم محمد أحمد فهيم-28 عاما- "أن الدستور الجديد وما سبقه من استفتاء الشعب حول الدستور الجديد هو خطوة حقيقية نحو الاستقرار والتحول الديمقراطي واستكمال بناء مؤسسات الدولة بالشكل الذي يمهد لنهضة الوطن." وعن رأيه في مدي شرعية الدستور الجديد يقول حازم "الدستور الجديد شرعي تماما، والاستفتاء عبّر عن إرادة الناس بوضوح، أحنا كمان شفنا تقدم في أداء الناخب المصري , مع الاعتراف بوجود قصور أغلبه إدارى بالإضافة إلي بعض المخالفات من كلا التيارين, لكن هذا لا يؤثر على النتيجة العامة للاستفتاء مطلقا!"
أما عباس حسن- 45 عاما- سائق علي خط دمياطالقاهرة، فيري أنه إذا كان يعرف أن الإخوان كاذبون، فما وصله خلال الأيام القليلة الماضية أنهم لا يعرفون عنّا شيئا، هم قد راهنوا علي أن نسبة الذين سيصوتون بنعم في الاستفتاء ستتجاوز ال70% وهو ما لم يحدث، هم قالوا هذه التصريحات لأنهم يثقون في أنفسهم فقط، يثقون أنهم سيعطوا الناس زيت وسكر وهو ما سيجعل الناس يقولون ما يريدونهم أن يقولوه، لكنهم لا يعرفونّا، لأننا كسرنا حاجز الخوف والمصلحة الشخصية بإسقاط نظام ثابت بقاله 30 سنة، هم لا يعرفوننا حقا.. فكيف سيحكمونا؟ وكيف سنثق في أن الدستور الذي وضعوه هو معبر فعلا عنّا؟"
يعلق دكتور عمرو هاشم ربيع- أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز البحوث البرلمانية بالأهرام- علي الموقف حول الدستور الجديد في الشارع بأن نتيجة الاستفتاء جاءت مربكة،، مربكة للإخوان أنفسهم أكثر من غيرهم، فرغم أن الجماعة قامت بحشد كل أنصارها، ورغم أنها استخدمت كل وسائل التأثير والاستقطاب المتاحة أمامها، ورغم أن الأمور وصلت إلي حد وجود شواهد مسجلة بالصوت والصورة تؤكد حدوث تجاوزات وتزوير في بعض اللجان الانتخابية، إلا أن كل هذا لم يأتي بالأغلبية الساحقة الماحقة التي تؤيد الدستور كما كانوا يعتقدون، والحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها أبدا، أن نسبة المؤيدن للدستور بالإضافة إلي نسبة معارضيه، لا يصلون إلي 18 مليون مصريا، أي أنهم لا يمثلون ثلث الشعب، فما بالنا إذا انقسم هذا الثلث أيضا بين مؤيد ومعارض؟"
ويضيف ربيع قائلا "ارتكب الإخوان خلال الأسبوع الماضي الفاصل بين المرحلة الأولي والثانية للاستفتاء، عدة أخطاء سياسية، منها استمرار الدعاية الانتخابية التي تدق علي وتر الاستقرار، كما ظهرت بوادر الدعاية الدينية التي تلمسناها بعد أحداث الإسكندرية التي قام فيها الشيخ المحلاوي بالدعاية السياسية داخل المسجد، كما أثبت الإخوان أنهم يتبعون نفس سياسة الحزب الوطني حينما أعلنوا عن إجراء حوار وطني واستبعدوا منه القوي الوطنية، فظهروا كأنما يحدثون أنفسهم، وهو نفس ما كان يفعله الحزب الوطني، حينما كان يستبعد الإخوان من الحوار الوطني، فكيف نرضي عن ما يفعلونه؟"