«رياضة النواب» تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 نادي شعبي في الإسكندرية.. والوزارة: «خاطبنا اللجنة الأولمبية»    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    «المشاط»: منصة «حَافِز» تعمل عى تعزيز القدرة التنافسية للشركات    جنوب أفريقيا ترحب بمطالبة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحرب غزة    بولونيا ضد يوفنتوس.. مونتيرو يعلن أول تشكيل مع اليوفى بالدورى الإيطالى    حارس آرسنال يحدد موقفه من البقاء    التحقيق مع الفنان عباس أبو الحسن بعد دهسه سيدتين بالشيخ زايد    فيلم "السرب" يواصل تصدر شباك التذاكر    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    سيد جبيل: قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وجالانت صدمة كبيرة لإسرائيل    وزارة الصحة تطلق 8 قوافل طبية مجانية بالمحافظات    الكشف على 929 مواطنا بحلايب وشلاتين ضمن قافلة جامعة المنصورة الطبية.. صور    لطلاب الامتحانات.. احذوا تناول مشروبات الطاقة لهذه الأسباب (فيديو)    رئيس مجلس الشيوخ: «مستقبل وطن» يسير على خطى القيادة السياسية في دعم وتمكين الشباب    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات مركز الإختبارات الالكترونية    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    «تقدر في 10 أيام».. «حياة كريمة» تقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة    السرب المصري الظافر    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    د. معتز القيعي يقدم نصائح حول الأنظمة الغذائية المنتشره بين الشباب    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    لاعبو المشروع القومي لرفع الأثقال يشاركون في بطولة العالم تحت 17 سنة    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط المتهمين بسرقة خزينة من مخزن في أبو النمرس    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور لعبة في يد القصر .. قصص حية تحكيها مصر
نشر في محيط يوم 25 - 12 - 2012


* برلمان ثورة 1919 يحله القصر بعد 9 ساعات!
* دستور 23 .. من تعطيل لإلغاء لتغيير .. لعودة
* فاروق يتحدى الدستور ويعين الحكومات وفق هواه
* فساد الساسة والقصر قدم لثورة يوليو بامتياز

كتبت – شيماء عيسى

دستور مصر كان موضع جدل كبير بين المصريين في الآونة الأخيرة، وحوله حامت التساؤلات التي شابها الغضب والتخوين حول أهلية من وضعوه لتلك المهمة التاريخية، أو فعالية مواده لتطهير البلاد ونهضتها بعد سنوات طويلة من الفساد ..

لكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ الحديث أن أزمات الدستور قديمة وتعود في بلادنا لنهاية القرن التاسع عشر حين ألغت سلطة الاحتلال البريطاني أول دستور مصري 1882، وشهد القرن العشرين تعطيلا لدستور 1923 الذي جاء بعد ثورة 1919 الكاسحة، كما تجاهل القصر الملكي في عهد فؤاد وفاروق حقوق الشعب الدستورية في إدارة البلاد عبر برلمان وحكومة شرعيين .. وللأسف استمرت فصول التلاعب بالدستور حتى بعد حركة الضباط الأحرار طيلة عصور ناصر والسادات ومبارك ..

والحق أن مؤلف الكتاب الهام "محنة الدستور" الكاتب الصحفي والمؤرخ الراحل، محمد زكي عبدالقادر، أجاد في قراءة مشهد مصر ما قبل ثورة يوليو، وتندهش حين تقرأ عن وزارات مصر وبرلماناتها التي تعيش لأيام وربما شهور وإذا كانت محظوظة تكمل عاما أو اثنين ثم يتم استبدالها بواحدة جديدة على هوى القصر، في تلاعب صريح بمصير المصريين..
نشر الكتاب لأول مرة سنة 1957 .. وتؤكد صفحاته أنه ما أشبه اليوم بالبارحة !
بين عرابي .. وسعد
قاوم المصريون الاحتلال الفارسي والروماني، لكنه لم يقاوم دولة الخلافة العثمانية لأنها بثت فيه أفكار القومية الإسلامية، التي أشعرتهم بالقوة، أما الإنجليز فقد ثار الشعب ضدهم، وتجلت ثورتهم في حركة عرابي الشهيرة التي طالبت بحكم برلماني وتقييد سلطات الخديو أمام الشعب، ووقف التمييز الرهيب بين المصريين ..
كان ذلك في 1882 ، في عهد الخديو توفيق، وللأسف فقد قمعت ثورة عرابي أمام بطش الحكام، ولكنها أيقظت الشعب لضرورة أخذ حقوقه بالقوة، وظهرت من بعد ذلك الحركات الوطنية المنادية بالجلاء عن الإنجليز وأشهرها تلك التي قادها الزعيم مصطفى كامل إبان الحرب العالمية الأولى.
كان مطلب الجلاء عن الإنجليز هاجس الطبقة المتوسطة والفقيرة من المصريين، أما الأعيان والمثقفين فمال بعضهم للسراي أو للاحتلال، أو قل أنهم ارتضوا التفاوض معهم لكسب بعض الامتيازات، ومن بين الحركات الوطنية التي ركزت على أهمية مكسب وضع دستور للبلاد كان حزب الأمة الذي أصبح فيما بعد حزب "الأحرار الدستوريين" وضم نخبة من كبار المفكرين المصريين كمحمد محمود وطه حسين ولطفي السيد وهيكل وكانوا جميعا يرون أن الدستور يخفف قبضة القصر ويمكن بعدها التفاوض على مكاسب من سلطة الاحتلال ..
في عام 1918 كانت الحرب العالمية الأولى قد وضعت أوزارها، وأعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وعزل الخديو عباس، المعروف بقوته . وقد منى زعماء مصر سعد زغلول وعلي شعراوي وعبدالعزيز فهمي بخيبة أمل بعد أن علموا أن مبدأ تقرير المصير الذي وضعه رئيس الولايات المتحدة لا يعني سوى الشعوب الأوروبية فحسب ! بل وزادت قسوة الحياة عليهم بعد اعتقال السلطات المصرية لهم ونفيهم .. وتلك كانت بحق الشرارة التي اندلعت بسببها ثورة 1919 ..
اتسمت ثورة 19 باظهار عرى الوحدة بين المصريين، فجاهد المسلمون والأقباط من أجل استقلال تام عن تركيا وانجلترا، وشملت الثورة كل الطبقات بمن فيهم كبار الملاك الزراعيين المنتفعين من الاحتلال والأعيان والموظفون والطلاب، وخطب علماء الأزهر في الكنائس وقساوسة الكنائس في الأزهر.
دستور وبرلمان الثورة
في ذلك الحين كان الجالس في السرايا هو السلطان فؤاد، وفي عام 1922 قررت الحكومة البريطانية إلغاء الحماية على مصر وتهيئة البلاد للحكم الدستوري مع الاحتفاظ بأربع نقط لمباحثات مقبلة وهي قناة السويس والدفاع عن مصر وحماية المصالح الأجنبية وحماية الأقليات والسودان . وقد قوبلت القرارات برفض ومقاومة عنيفة لكن السلطات الرسمية أخذت في تنفيذه وشكلت لجنة لوضع دستور 1923، كما أجريت الانتخابات البرلمانية الاولى في سنة 1924.
في البداية عارض حزب "الوفد" الذي كانت شعبيته كاسحة ، قرارات الإنجليز، لكنه ما لبث بعدها أن وافق على خوض الانتخابات وفاز بها بجدارة فتشكلت الحكومة برياسة سعد زغلول والذي ما لبث أن استقال بعد تدخل القصر السافر بتعيينات الموظفين الكبار بما يخالف الدستور، كما أنه عارض اتخاذ بريطانيا مقتل السير لي ستاك حاكم السودان ذريعة لسحب الجيش المصري والذي استجاب له القصر .
تلت حكومة سعد حكومة أحمد زيور، باختيار السراي، بالمخالفة أيضا للدستور، وكان رجلا معروفا بميوله للإنجليز، وفي عهده تم تأجيل البرلمان ثم حله ثم إعادته بعد انتخابات على مرحلتين تضمن عدم دخول إلا الأعيان ! وبرغم ذلك فاز حزب الوفد أيضا، وأصبح رئيس البرلمان سعد زغلول، فحلت حكومة زيور البرلمان برمته بعد هذه النتيجة بتسع ساعات!
هنا ثارت ثائرة النواب وقرروا عقد البرلمان في موعده في فندق بالقاهرة وأعلنوا سحب الثقة من الحكومة وتضامنت الأحزاب فأعلنت مقاطعتها للانتخابات ، كما قرروا عام 1926 تأليف وزارة شعبية ، وبالفعل خضعت السراي وأقالت حكومة زيور وألفت وزارة ائتلافية برياسة عدلي يكن، والتي أقيلت لأخطائها الكثيرة، فانتقلت الوزارة إلى عبدالخالق ثروت والذي استقال أيضا لأنه رفض أوامر انجلترا بالتصديق على مشروع يجعل وجودها بالبلاد شرعيا ..
وفي عام 1928 أصبح مصطفى النحاس رئيسا للحكومة عن حزب الوفد، لكن الملك أقال حكومته وعهد لمحمد محمود بتشكيل الوزارة، وقد وافق الرجل في إحدى محن الدستور الشهيرة لتجميد العمل به ثلاث سنوات، لكن الحكومة اضطرت للاستقالة بضغوط أجنبية تخشى تصاعد صوت المعارضة ، وتم تعيين عدلي يكن مجددا رئيسا مؤقتا للحكومة ، وبعد الانتخابات فاز النحاس مجددا برئاسة الوزارة عام 1930 لكنه استقال بعد عدة أشهر لفشل مفاوضاته مع الإنجليز، خاصة حول السودان..
دستور القصر
في عام 1930 عهد الملك فؤاد لحكومة اسماعيل صدقي، والذي ألغى دستور 1923 وبدأ في وضع دستور جديد ! وقد قاطع حزبي الوفد والأحرار انتخابات الدستور فجاء برلمان طبقا لهوى الحكومة، لكن تلك الوزارة بعد أربع سنوات اضطرت أيضا للاستقالة بسبب الرفض الشعبي والسياسي لها.
وبعد نضال كبير تشكلت عام 1935 جبهة وطنية تضم الأحزاب الكبرى والساسة المستقلين وطالبت الملك بعودة دستور 23 ، فأجابها الملك لما طلبته، والحقيقة أن الاحتلال كان سبب الضغط في هذا الاتجاه، فكان يكره أن يستتب الحكم للسراي وحدها، وبعد وزارتي نسيم وماهر، رحل الملك فؤاد ونودي عام 1936 بولي العهد الملك فاروق ملكا، وهو لا يزال في صغره يتعلم بانجلترا .
في هذا العام فاز الوفد بالحكومة، وتم توقيع معاهد صداقة وتحالف بين مصر وانجلترا ، وبمقتضاها يخرج الانجليز من السياسة الداخلية وتمييز الانجليز وقواتهم في منطقة القناة وبعض المدن المصرية.
فاروق ملكا
كان علي ماهر هو الداهية الحقيقي الذي يحكم البلاد من خلف الملك الطفل فاروق، على غرار ملوك أوروبا في القرون الوسطى، وقد سعى لأن يعيد له شعبيته بمظاهر مثل الصلاة علنا بالمساجد ، وفي تلك الفترة انضمت للحركات السياسية حركتان رحب بهما ماهر لضرب الوفد، وهما "الاخوان المسلمين" و"مصر الفتاة" .. ورغم اختلافهما الكبير فقد اتفقا على أن العمل المسلح جائز في السياسة !

وقد أقال الملك حكومة النحاس، وجاء بوزارة محمد محمود ، والذي في عهده وتحديدا في عام 1939 أجريت انتخابات برلمانية سيئة السمعة فاز بها السعديون بالمقاعد الكبرى، و12 فقط من الوفد ! ، ورأس الوزارة حليف الملك ورئيس ديوانه علي ماهر .. وكانت هذه الفترة حافلة بالأحداث الخطيرة؛ فقد أعلنت الحرب العالمية الثانية ودخلت معاهدة 1936 في طور التنفيذ الجدي، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية بإقرار البرلمان المزور .
لكن بريطانيا شعرت بميول علي ماهر لحياد مصر في الحرب، وكانت إيطاليا على الأعتاب، فسعت لإقالته وقد كان، وجاء بدلا عنه حسن صبري رئيسا للحكومة، والذي رحل أثناء إلقائه خطبة بالبرلمان، فجاء من بعده بحسين سري، وكانت المظاهرات تموج بالشوارع "نريد الخبز" و" إلى الأمام يا روميل" وسرعان ما قدم سري استقالته في العام التالي وتحديدا يوم 4 فبراير، وخاصة بعد أن ضغط الانجليز لإعادة النحاس للوزارة 1942 بعد أن أحاطت الدبابات بالقصر، وذلك في تحد صارخ لاتفاقية 1936 .
سقوط الوفد
جنحت الوزارة الوفدية الجديدة لقرارات شعبية بامتياز منها إنشاء ديوان للمحاسبة وتنظيم البوليس واستقلال القضاء، لكنها بطشت بخصومها السياسيين في ظل قانون الأحكام العرفية ، وتخلصت من رفاق الماضي وخاصة مكرم عبيد رغم شعبيته الكبيرة وكان ذلك بسبب خصومته مع النحاس وإتهامه إياه بالانصراف عن الشعب وتلقى الرشاوى والدكتاتورية، ويرى المؤلف أنها تهم حقيقية في مجملها.
وفي تحد صارخ للدستور، وبلا رجوع للأمة ، يعلن الملك للمرة الثانية إقالة حكومة النحاس التي أكره عليها من قبل، وعين مكانه الدكتور أحمد ماهر .. لكن الرجل لا يكمل بالوزارة سوى أشهر معدودة حتى يتقدم منه شاب ويطلق عليه أعيرة نارية غادرة أمام البرلمان يرديه فيها قتيلا .
في نفس الليلة التي وقع فيها الحادث الأليم، عهد فاروق برياسة الوزارة إلى النقراشي باشا، المكروه شعبيا بسبب سياساته القمعية للمعارضة في الماضي حين كان وزيرا للداخلية، ولكن وللحق فقد اتخذت وزارته هذه المرة قرارها الجريء بضرورة جلاء القوات الأجنبية عن أرض بلاده واستكمال الحق الطبيعي في السيادة والاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية ، كما ألغت الحكومة الأحكام العرفية وأكدت في بيانها وحدة مصر والسودان .
بالطبع، اعترض البريطانيون على مطالب النقراشي، وكذا مجلس الأمن، فاستقالت حكومة النقراشي ولكنها عادت بعد فترة وجيزة بعد أن استقالت حكومة اسماعيل صدقي للسبب نفسه ..
حرب فلسطين
في عهد النقراشي الثاني دخلت الجيوش العربية أرض فلسطين انقاذا لها من اليهود، بعد أن تخلى عنها البريطانيون، وأنهوا انتدابهم عليها، ويعتبر المؤلف أن دخول تلك الحرب كان لاجتذاب عواطف الجماهير أكثر منه نصرة للقضية، وجاء ذلك بإيعاز من السرايا، كما شهدت مصر داخليا موجة إرهابية منها قتل القاضي الخازندار 1948 وتفجيرات محال اليهود ولذلك أصدرت الحكومة أمرها بحل جماعة الإخوان سنة 1948 ، حين شكت أن تدبيرهم يقف وراء كل تلك الجرائم السابقة .
وقد انتهى المشهد العبثي بإطلاق النار على النقراشي نفسه ، ليتولى الحكم من بعده إبراهيم عبدالهادي رئيس الديوان . وقد أقيل سنة 1949 وألفت وزارة من السعديين والأحرار تعاملت بشراسة مع المصريين . وفي هذا العام قتل حسن البنا، وهو خارج من جماعة الشبان المسلمين، وبعدها بأشهر قليلة استقال رئيس الحكومة لتردي أوضاع البلاد، فعهد بالحكم إلى حسين سري ..
ورغم قرارات منع بث أخبار القصر، تمردت الصحافة وفضحت جرائم الفساد الملكية وأبرزها صفقة الأسلحة الشهيرة ..
معركة القناة
أعلن فاروق في خطبة العرش 1951 أنه سيلغي معاهدة 1936 إذا لم تؤد لمفاوضات إلى ما يرجوه الشعب من إقرار مبدأي الجلاء والوحدة، وقد تلا مصطفى النحاس بيان الحكومة القوي بهذا الصدد، وتوهجت روح الجهاد لدى الشعب وتألفت كتائب من الفدائيين قوامها الشباب وطلاب الجامعات ..
وصمدت الحكومة والشعب أمام استيلاء الانجليز على السكة الحديد والمياه والكهرباء في منطقة القناة، وهدم القرى والتهجير القسري، وبعد استفزاز القصر المستمر خرجت لأول مرة مظاهرات تهتف ضد الملك . ثم بعد واقعة اعتداء البريطانيين على البوليس المصري الصامد بالاسماعيلية يوم الجمعة 25 يناير 1952 ، والذي يوافق يوم ثورة مصر الأخيرة، خرجت مظاهرات أقوى تؤيد الجلاء .. واشتعلت الحرائق بأملاك الانجليز في مصر ، وقد أعلنت الأحكام العرفية وتداولت وزارات فشلت جميعها في حل الأزمة وكان آخرها وزارة نجيب الهلالي التي عرفت بالقمع حيث تحولت مصر لسجن كبير .
لذا، وبعد كل تلك المهازل السياسية كان منطقيا أن تقوم حركة الضباط الأحرار ويباركها الشعب هذه المرة للإطاحة بالنظام كله : العرش والأحزاب والساسة .. والاحتلال .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.