رسم الفنان الكبير د. خلف طايع إسكتش بالقلم الرصاص للموسيقار الكبير عمار الشريعي وهو يعزف على العود وترتسم وجهه ابتسامة عريضة وذلك بعد وفاته مباشرا، وقام بنشرها في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". لم تكن هذه المرة الأولى التي نرى فيها الفنان د. طايع يتفاعل مع رحيل المبدعين، أو حصول أي منهم على جائزة، أو في أي مناسبة كأعياد ميلادهم أو ذكرى رحيلهم برسم إسكتش لهم بالقلم الرصاص تعبيرا منه عن تقديره لتلك الشخصيات العظيمة التي أثرت الثقافة والإبداع المصري، فمن قبل رسم بورتريها للراحلين خيري شلبي وحلمي سالم بعد وفاتهما مباشرا، وكذلك المعماري د. ميلاد حنا، وآخرين عديدين. والفنان خلف طايع تعدى إنتاجه في مجال البورتريه الألف إسكتش الذي رسمهم بالقلم الرصاص، فحوالي 350 بورتريه رسمه لأغلب المبدعين المصريين في مجلة "الإذاعة والتليفزيون" التي كان نائبا لرئيس تحريرها، كما رسم سابقا أكثر من 70 شخصية بالألوان في إحدى البرامج الثقافية الذي كان يذاع على قناة "النيل الثقافية" المصرية، بالإضافة إلى أنه يرسم ثلاثة بروتريهات أسبوعيا في جريدة "القاهرة" منذ عشرة أعوام وحتى الآن. لكنه حينما يجد مناسبة لأي من المبدعين لم يبحث عن البورترية الذي رسمه له سابقا، لكنه يعتبر الأمر الأسهل هو رسم إسكتش آخر له سريعا بالقلم الرصاص. أما عن أكثر شخصية تأثر الفنان بوفاته فكان الكاتب الكبير أحمد بهجت والذي رسم له بورتريها عقب رحيله. ورأى الفنان د. خلف طايع في حواره مع "شبكة الإعلام العربية محيط" أن ابتعاد الكثير من الفنانين عن رسم البورتريه يرجع إلى عدم اهتمام كليات الفنون الجميلة بالرسم. متعجبا بتلقيب أي من الفنانين بفنان بورترية أو فنان طبيعة صامتة، أو فنان المناظر الطبيعية كما سمي من قبل، فالفنان من وجه نظرة لا يجب تصنيفه بمثل هذه التصنيفات. وبسؤال الفنان عن عدم تناوله أي من الشخصيات السياسية على الساحة المصرية الحالية، أجاب بأنه لم يشعر بأنه يريد رسم أيا من الموجودين على الساعة، وهذا على الرغم من أنه قام سابقا برسم الزعماء والسياسيين بدءا من الزعيم سعد زغلول، وحتى الرئيسين الأسبقين جمال عبد الناصر وأنور السادات، كما انه قام منذ سنوات برسم عمرو موسى عندما كان وزيرا للخارجية المصرية، بالإضافة إلى أسامة الباز، ومعظم الصحفيين البارزين كمحمد حسنين هيكل، وبهاء الدين حسين. وقال د. طايع أنه يرسم البورتريهات كنوع من التواجد في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه يرى أن أعماله الإبداعية الأخرى هي التي ستبقى.
ولم يقرر الفنان إقامته أي معرض خلال الفترة القادمة نظرا للمناخ العام الذي لم يحفز للعرض. كما أنه من المعروف أن الفنان د. خلف طايع لم يهوى إقامة المعارض بشكل دائم، فهو خلال مشواره الفني العريق لم يقيم سوى ثلاثة معارض فقط،، فهو يرى أن الأهم من ذلك هو أن يمارس الفنان الإبداع بشكل مستمر. متعجبا من المعارض التشكيلية التي تقام في السنوات الأخيرة ولم تجد من يزورها، فهي تفتتح وتغلق دون أن تجد من يراها، والمتضررون من ذلك هم الفنانين الشباب، الذين لم تنصفهم سوى معارض وزارة الثقافة كصالون الشباب الذي يستوعبهم. ورأى د. طايع أن أزمة الفنون التشكيلية في مصر لم تنحصر في الفنون التشكيلية فقط، لكنها أزمة سياسية واجتماعية وكونية بشكل عام. ولابد أن يستشعر الفنان والمتلقيين بالاستقرار والحرية كي ننهض بالحركة التشكيلية، وهذا لن يحدث حاليا لما يمر به المصريين من حالة قلق واكتئاب. أما عن أداء قطاع الفنون التشكيلية فقال د. طايع أن كل المسئولين في شتى المجالات في مصر مرتبكين لأنهم لا يطمئنون على استمرارهم في مناصبهم، إلى جانب انصراف الجمهور عن رؤية المعارض التشكيلية أو حضور الحفلات الغنائية أو الموسيقى. وعن فن "الجرافيتي" الذي ظهر بعد انطلاق ثورة 25 يناير قال د. خلف أنه لم يكن إبداعا فنيا خالصا، لكنه تعبير عن واقع نعيشه وطاقة تعبيرية أنتجتها الضغوط، التي نمر بها، وهذا ما جعل شباب الفنانين يعبرون عن الأحداث بهذه الرسوم المسماة بالجرافيتي. لكن الفنان المبدع يعبر عن نفسه أكثر من تعبيره عن الحالة الجماعية الموجودة؛ ولذلك فالجرافيتي نوع من التشكيل يعبر عن الأحداث كان يجب نقله بجدرانه إلى مكان آخر ليصبح مزارا، لكن المحافظين يتخيلون أنهم يجب تنظيف هذه الجدران ومسح هذه الرسوم!!، وكان يجب على قطاع الفنون التشكيلية تشجيع توثيق "جرافيتي" الثورة الذي يمحى من الشوارع، لكنه للأسف من الجهة التي سيطالبها بحفظ هذه الرسوم؟!!!، فلابد أولا من التنسيق مع المؤسسات الأخرى لفعل ذلك، وبالطبع المحافظين يخافون على مناصبهم ولن يسمحوا لتوثيق رسوم ضد النظام، في حين أن راسمي الجرافيتي من الشباب أرادوا الصراخ بهذا الفن، وهذه هي طبيعة فن "الجرافيتي". وشبة د. خلف هذه الفترة التي تعيش فيها مصر بفترة العدوان الثلاثي؛ حيث خرج الفنانين وهو ضمنهم للرسم على الجدران، وكذلك في عام 1967 وكان وقتها طالبا في كلية الفنون الجميلة، وبعد الاستقرار أصبح الفنانون يرسمون في لوحاتهم، أو في المجلات. وأكد د. طايع أن هذه الفترة التي تمر بها مصر ستفرز فنانين جيدين لأن تعبير الفنان في البداية يكون مباشرا وسريعا ولحظيا، لكن بعد اختمار الحدث في منطقة اللاوعي عند الفنان يجعله بعد ذلك يعبر عن الأحداث بشكل هادئ وأعمق كما رأينا في بعض الفترات في الفنون الأوروبية. وعن أكثر السلبيات في الساحة التشكيلية الحالية قال د. خلف أن وزارة الثقافة تقوم بدورها لكنها غير مسئولة عن مستوى الفنانين، الذي سيتحسن مع الوقت بعد تحسن الأمور وشعور الفنانين بالأمان وإحساسهم بوجود صدا لأعمالهم. وأشار د. خلف طايع إلى أن قطاع الفنون منذ إنشاءه قام بعدة أدوار، لكن الظروف السياسية والبيروقراطية والاقتصادية تؤثر عليه؛ حيث لم نستطيع فصل القطاع عن باقي المجتمع، فعندما تقوم كليات الفنون بتعليم الفنانين الفن بشكل جيد فسيجد القطاع وقتها فنانين جادين؛ فالقطاع في النهاية لو لم يجد سوى فنانين أعمالهم متواضعة فما عساه أن يفعل؟!! فهو غير منتج لفنانين، لكنه يعمل مع الموجودين في الساحة. وعلى الرغم من تاريخ الفنان د. خلف طايع الطويل في الساحة التشكيلية المصرية، إلا أنه عندما سألناه عن ترشحه في معارض خارجية من قبل قطاع الفنون أجاب بأنه لم يحدث من قبل!!!. قائلا بأنه يبدو ذاته المقصر!!؛ لأن قطاع الفنون يحتاج من يطلب منه!!!!. وحكى ل"محيط" أنه عندما تخرج من الكلية وكان متحف "الفنون الجملية" بالإسكندرية تابعا وقتها لمحافظة الإسكندرية وليست لوزارة الثقافة شارك في معرض بالمتحف، وفوجئ ببيع أحد أعماله دون أي واسطة، وبعد انتهاء المعرض بفترة أرسل المتحف له خطاب ترشيح للمشاركة في "بينالي الإسكندرية" الذي كان سيقام وقتها بعدها بعامين، والذي حصل فيه الفنان على جائزة. مقارنا ذلك بما يحدث في الوقت الحالي من ترشيح الفنانين للمعارض الدولية بأنه يجب أن يكون الفنان معروفا، ومتواجدا، ويطالب بترشيحه بشكل شخصي، الأمر الذي لم يستطع الفنان د. طايع القيام به. وطالب د. خلف في نهاية حواره مع "محيط" الرئيس د. محمد مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين، ولم ينحاز لجماعة واحدة فقط وعدم الاستماع لوجهات النظر الأخرى، وكأنه رئيسا لجمهورية جماعة "الإخوان المسلمين". متوقعا عدم تغيير أو النهوض بالثقافة المصرية في عهد الرئيس مرسي. معتقدا أن الثقافة والتعبير والإبداع بكل ثورة لم تعنيهم؛ لأن ما لديهم هو دعوة للتمكين وحسب، مستشهدا بما نراه يحدث حاليا في مجال الإعلام.