تمر اليوم 26 نوفمبر ذكرى تولي السلطان برقوق بن آنص الحكم في مصر عام 1382، عد فترة قلاقل واضطرابات، وهو يعد مؤسس دولة المماليك الثانية التي تُذكر في كتب التاريخ بدولة المماليك البرجية الجراكسة. برقوق بن أنص (أو أنس) العثماني، نسبةً إلى تاجرِ الرَّقيقِ الذي باعه "عثمان"، وقيل: سُمِّي برقوقًا لجحوظِ عينيه، وكان برقوق ذكيًّا ماكرًا؛ فلم يُظهرْ أطماعَه في السُّلطة، فالتحقَ بخدمة الأمير أينبك البدري وهو من المماليكِ اليلبغادية، وزيَّن له الإنفرادَ بالسلطةِ ومحاربة غيرِه من المماليك الموجودين بالشَّام، وكان هدفُه أن يُضعفَ الفريقين ويتخلَّص من أينبك، وفي الطَّريقِ إلى الشَّام أوعز برقوق لبعضِ أمراء الجند أن يتخلَّصوا من أينبك، فأحسَّ أينبك بمؤامرتِهم وفرَّ إلى الشَّام، وأصبح برقوق أحدَ الزُّعماء منذ ذلك الحين، وترقَّى في المناصبِ بسرعةٍ حتى أصبحَ كبيرَ الأمراء، وساعدتْه الظُّروفُ والأقدار في الوصولِ إلى مآربه، وكان لا يتورَّعُ عن الاستعانةِ بالأمراء، ثُمَّ يتخلَّصُ منهم خوفًا من منافستِهم.
وتعرَّض برقوق لمحاولةِ اغتيالٍ من المماليك الأتراك، لكنَّه كان حذرًا يستخدمُ العيونَ والجواسيس، فكُشِف أمرُ المتآمرين وتخلَّص منهم بالنَّفي، وعرض عليه أتباعُه أن يتولَّى السُّلطةَ فتظاهرَ بالتمنع والزُّهدِ فيها عدَّةَ مراتٍ، ثم قبلها في النِّهايةِ سنة (784ه/ 1382م) وتلقَّب بالظَّاهر سيف الدِّين، ووضع بذلك نهايةً لحكمِ أسرة قلاوون، ودولةِ المماليك البحرية.
وقد بدأ منذ ذلك الحينِ حكمُ طائفةِ المماليك الجراكسة التي امتدَّتْ أربعًا وثلاثين ومائة سنة، وتقلَّد السَّلطنةَ منهم خمسةٌ وعشرون سلطانًا، عدا اثنين من أصلٍ رومي؛ هما: خشقدم وتمريغا.
وقد اتَّسم عهدُ الجراكسة بكثرةِ الدَّسائسِ والمؤامرات والصِّراعات المستمرة، ولكنَّه من ناحيةٍ أخرى شهد جانبًا إيجابيًّا بتشجيعِ سلاطينهم للعلمِ والأدب وبناءِ المساجد والمدارس والمؤسَّساتِ الخيرية، وكان لهم دورٌ كبير في حمايةِ بلاد الشَّام من أطماعِ الملك التتري تيمور لنك، وألحقوا به ضربةً موجعة، كما وجَّهوا ضرباتٍ أخرى للقوى الصَّليبيةِ المجاورة لهم في جزر البحر المتوسط.
ونجحَ برقوق قُبَيْل وفاتِه سنة (801ه/ 1399م) في أخذِ البيعة لابنِه فرج، وكان في العاشرةِ من عمره، وشكَّل له مجلسَ وصايةٍ من قادة المماليك، وكثرت الفتنُ في عهدِ السُّلطان فرج، وخرج عليه الأمراءُ في مصر وفي الشَّام، وحاول التَّصدي لها لكنَّه هُزِمَ قرب دمشق وقُتِل سنة (815ه/ 1412م).