شهدت مصر، اليوم السبت، أجواء عاصفة على الصعيد القضائي، مدفوعة بالإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي الخميس الماضي، وكان من بين توابعه السبت امتناع محاكم عن العمل وجمعية عمومية طارئة لنادي القضاة لرفض الإعلان، ومؤتمر تأييدي على الجانب المضاد لحركة "قضاة من أجل مصر" المستقلة، بينما انهالت الطعون على ساحات المحاكم معتبرة ذلك الإعلان غير دستوري ولا قانوني. مع أول ساعات النهار انهالت الطعون القضائية ضد قرارات الرئيس المصري محمد مرسى الأخيرة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، والتي طالبت جميعها بإلغاء هذه القرارات باعتبارها "غير دستورية وقانونية".
ووصل عدد هذه الطعون وصل حتى ظهر اليوم إلى 7 طعون قدمها عدد من المحامين والحقوقيين.
واعتبر المحامي حامد سالم صاحب أول طعن أن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي مخالف للدستور والقانون لأن الرئيس ليس من حقه باعتباره سلطة تنفيذية إصدار إعلانات دستورية تحتاج لاستفتاء شعبي عليها بإشراف قضائي كامل.
واعتبرت الدعاوى الأخرى أن "الشرعية الثورية انتهت بانتخاب مرسى رئيسًا وبالتالي ليس له الحق في إصدار إعلان دستوري جديد".
وبالتزامن مع الدعاوى الرافضة للإعلان الدستوري الرئاسي، أعلنت محكمتان بمحافظتي الإسكندرية والبحيرة شمال مصر تعليق عملهما احتجاجًا عليه.
الجمعية العمومية الطارئة التي عقدتها محكمة الإسكندرية الابتدائية ومحكمة دمنهور الابتدائية بمحافظة البحيرة كل على حدة قررتا تعليق العمل بهما لحين سحب الرئيس الإعلان الدستوري، وأصدرتا بيانين منفصلين طالبتا فيهما الرئيس المصري بسحب إعلانه وإصدار إعلان دستوري جديد.
وشدد البيانان على أن تعليق العمل بالمحكمتين لن يشمل قضايا الأحوال المستعجلة التي تتضمن الحجز وتحديد الحبس حتى لا يؤثر ذلك على الموطنين.
لكن المحكمتين وجهتا دعوة ل"جميع رجال القانون على اختلاف مواقفهم إلى الحضور إلى دار القضاء العالي بوسط القاهرة اليوم السبت 24 نوفمبر تشرين ثان ليقولوا كلمتهم خلال الجمعية العمومية الطارئة لنادي قضاة مصر".
ومع حلول الظهر كان موعد الاجتماع الطارئ لمجلس القضاء الأعلى في مصر الذي أعلن في بيان له عقب الاجتماع أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي أول أمس الخميس "يتضمن اعتداء غير مسبوق على استقلال القضاء وأحكامه".
وقال المجلس في بيانه إن "مجلس القضاء الأعلى وهو المعني بكافة شئون القضاء والقضاة، يعلن أسفه لصدور مثل هذا الإعلان، ويهيب برئيس الجمهورية البعد بهذا الإعلان عن كل ما يمس السلطة القضائية واختصاصاتها أو التدخل في شئون أعضائها أو ينال من جلال أحكامها".
أما مجلس الدولة المصري (الممثل للقضاء الإداري بالبلاد والمسؤول عن الفصل في المنازعات الإدارية التي تثور بين الأفراد والجهات الحاكمة في الدولة)، فاستنكر قرارات مرسى الخاصة بتحصين الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) من الطعون عليهما أمام الجهات القضائية.
وقال المستشار أحمد الفقي، نائب رئيس المجلس، إن "المجلس اجتمع اليوم السبت وأعرب عقب الاجتماع عن استنكاره لقرارات الرئيس مرسى التي تتخذ قوة تنفيذها بأثر رجعي على ما تم إصداره من قرارات سابقة وجعلها غير قابلة للطعن وهذا مخالف للقوانين والأعراف الدولية".
وأضاف أنه "لن يتم تعليق العمل بمحاكم مجلس الدولة وسيتم نظر جميع الدعاوى التي تختصم الرئيس مرسى بشكل عادى وطبيعي وكأن شيئًا لم يكن".
ونفى نائب رئيس مجلس الدولة ما نُشر على بعض المواقع الإلكترونية وفى وسائل الإعلام عن أن مجلس الدولة بدأ صباح اليوم في نظر الطعون التي قدمت على الإعلان الدستوري الأخير، مشيرًا إلى أنه سيتم تحديد جلسات لنظر هذه الطعون في وقت لاحق هذا الأسبوع، وأوضح أن اجتماع المجلس صباح اليوم كان خاصًا بما يمس قضاء مجلس الدولة جراء قرارات مرسى.
ومع دخول المساء، اجتمع الآلاف، في دار القضاء العالي بوسط العاصمة، استجابة للدعوة إلى الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة المصري على خلفية إعلان الرئيس الدستوري الأخير.
ودعا نادي القضاة إلى تعليق العمل في المحاكم والنيابات احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي الخميس، مطالبا مرسي بسحب الإعلان الدستوري فورا.
وطالب النادي، في جمعيته العمومية الطارئة التي استمرت لثلاث ساعات، بضرورة إلزام مجلس القضاء الأعلى بتبني جميع قرارات الصادرة عن هذه الجمعية ب"الإجماع"، وتنفيذها فورا، مهددا بسحب الثقة منه حال رفضه للتوصيات عبر سحب الثقة من كل قاض في محكمته.
لكن قرارات النادي، الذي يعد مثابة نقابة للقضاة، لا تعتبر ملزمة لأعضاء جمعيته العمومية حيث تبقى مجرد توصية لحين تبنى مجلس القضاء الأعلى لها.
الجمعية، خاطبت الرئيس المصري بما انتهت إليه من ضرورة إلغاء الإعلان الدستوري فورا علي أن يكون شاملا ما يترتب عليه من آثار، وإعادة عبد المجيد محمود لمنصبه نائبا عاما.
وطالب أحمد الزند رئيس نادي القضاة، في بيانه الذي تلاه أمام الجمعية العمومية، أعضاء النيابة العامة والمستشارين أن يحذو حذو زملائهم في محكمتي الإسكندريةودمنهور بتعليق العمل عقب انتهاء الجمعية العمومية اعتراضا علي الإعلان الدستوري الجديد.
وحذر من أن كل من يرفض تنفيذ القرار سيشطب من الجمعية العمومية، وسيكون العمل فقط ما يتعلق بقضاء مصالح المواطنين العاجلة.
ولفت إلى أن بدء الاعتصام المفتوح سيكون يوم الثلاثاء المقبل لحين سحب الإعلان الدستوري، وحل الجمعية التأسيسية للدستور.
كما قرر النادي شطب "قضاة من أجل مصر" (تيار الاستقلال) من عضوية نادي القضاة، ومقاطعة كل قراراتها، مشيرا إلى أن الدكتور شوقي السيد سيمثل نادي القضاة في رفع دعوي قضائية لإلغاء الإعلان الدستوري الجديد.
لكن حركة "قضاة من أجل مصر"، وهي حركة قضائية مستقلة، تحدت النادي وأعلنت تأييدها للإعلان الدستوري وجميع القرارات التي أصدرها الرئيس محمد مرسي مؤخرا، وذلك في بيان لها عقب اجتماع عقدته اليوم في أحد فنادق القاهرة.
وقال المستشار محمود فرحات عضو المكتب التنفيذي للحركة في تصريحات متلفزة إن الحركة أعلنت تأييدها لكل قرارات الرئيس الأخيرة باعتبارها "تتفق مع مصلحة المجتمع وحماية الثورة".
من جانبه، انتقد المستشار وليد الشرابي، المتحدث باسم الحركة الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة التي بدأت مساء اليوم في دار القضاء العالي بوسط القاهرة ووصفها ب"المهزلة".
وقال في تصريحات متلفزة إن الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة حضرتها: شخصيات عامة، وأخرى تنتمي للحزب الوطني المنحل – الحاكم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك -، ومتهمون فيما يعرف ب"موقعة الجمل"، وهو هجوم وقع إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحي بين المتظاهرين.
وأضاف أن نسبة القضاة في الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة كانت قليلة جدا، وهذا لا يجعلها جمعية عمومية.
وأشار في المقابل إلى أن مؤتمر حركة "قضاة من أجل مصر" الذي عقد اليوم اقتصر على القضاة؛ " حيث اعتذرنا في مؤتمرنا عن حضور الشخصيات العامة وحرصا على أن يقتصر الحضور على القضاة".
من جانبه قال وزير العدل المصري أحمد مكي إنه يشارك القضاة بعض تحفظاتهم على الإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس محمد مرسي مؤخراً، لكنه شدد في الوقت ذاته على ثقته في صدق نوايا الرئيس.
وبعث وزير العدل، خلال تصريحات صحفية له اليوم، برسالة طمأنة للشارع المصري بخصوص القرارات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الرئيس "لم يقدم على اتخاذ هذه القرارات إلا من أجل استكمال بناء مؤسسات الدولة، الذي سيؤدي إلى إطلاق الحريات وتحقيق الديمقراطية الحقيقية التي ننشدها"، بحد قوله.
وتابع : "هناك من يسعى إلى إحداث شقاق في المجتمع عبر التشكيك في النوايا التي تقف خلف إصدار هذه القرارات".
ووجه مكي حديثه لهؤلاء مضيفًا: "نريد شيئًا من الحيادية وترك الهوى من أجل مصلحة مصر".
وأثار الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس محمد مرسي الخميس - وأيدته القوى والأحزاب الإسلامية - واستخدم من خلاله سلطاته التشريعية الاستثنائية في غياب البرلمان، موجة غضب واسعة بين معارضيه وتسبب في اندلاع اشتباكات عنيفة في وسط القاهرة وعدد من المدن في أنحاء البلاد مازالت متواصلة حتى مساء السبت، ودفع قوى سياسية إلى وصف مرسي بأنه حول نفسه إلى "ديكتاتور" معلنة الاعتصام بميدان التحرير حتى يسحب الرئيس قراراته.
وينص الإعلان الدستوري على تحصين مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) والجمعية التأسيسية للدستور من الحل بأي حكم قضائي بالإضافة إلى تحصين قرارات الرئيس من أي طعن عليها في القضاء واعتبارها نافذة بشكل نهائي فضلاً عن تعيين نائب عام جديد ومنح معاشات استثنائية لمصابي الثورة. مواد متعلقة: 1. تيار استقلال القضاء: مستعدون بالتضحية في أرواحنا ودمائنا 2. غدا.. مؤتمر صحفي حول أمر محكمة القضاء الإداري بإعادة بث قنوات دريم 3. نقيب المحامين بالشرقية: الإعلان الدستوري «مذبحة للقضاء والقانون»