جاء إعلان الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان أن حكومته لا تعقد أي مفاوضات مع جماعة "بوكو حرام" المتشددة ليؤكد على عمق الأزمة التي تعيشها البلاد خاصة بعد سلسلة العمليات التي قامت بها الجماعة داخل الأراضي النيجيرية ووقوع اشتباكات عنيفة بينها وبين قوات الأمن في شمال البلاد أسفرت عن سقوط أعداد متزايدة من الضحايا. وكان الرئيس جوناثان قد أعلن أول أمس الاحد عدم وجود أية مفاوضات أو حوار بين حكومته وجماعة بوكو حرام المتشددة لأنه لا يمكن التفاوض مع مجموعة "بلا وجه".
حظر تجول
وجاء ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه سلطات ولاية "تارابا" الواقعة بوسط شرق نيجيريا فرض حظر التجول ليلا بقرية "ايبي" في الولاية في محاولة لمنع انتشار أعمال العنف الطائفي التي اندلعت في نفس اليوم، وأدت إلي مقتل عدة أشخاص وإحراق عدد من المنازل والمحلات وبعض الكنائس والمساجد.
ورغم إعلان كل من الحكومة النيجيرية وجماعة بوكو حرام في بداية الشهر الجاري استعدادهما للدخول في مفاوضات لوقف العنف وإحلال السلام في البلاد غير أن هذه الجهود باءت بالفشل بعد رفض الجماعة وقف إطلاق النار وتصعيدها المستمر لأعمال العنف التي تستهدف بالأساس عناصر الأمن والمسئولين الحكوميين وأماكن العبادة المسيحية.
وكانت العديد من الجهات قد عارضت منذ البداية عقد مفاوضات مع بوكو حرام، من أبرزها الجمعية المسيحية بنيجيريا، حيث رأت تلك الجهات أنه لا جدوى من فتح باب حوار مع جماعة بوكو حرام بسبب استحالة تحقيق مطالبها والتي من أبرزها فرض الشريعة الإسلامية على جميع أنحاء البلاد بما فيها المناطق ذي الغالبية المسيحية، بالإضافة إلى عدم وجود زعيم ممثل للجماعة أو متحدث باسمها.
تفاقم الأوضاع
ورأى المراقبون أن استمرار الوضع على هذا النحو سيزيد من تفاقم الأوضاع على الساحة النيجيرية. فجماعة بوكو حرام قد عادت بقوة إلى ساحة الأحداث من خلال تصعيد ملحوظ في عملياتها أثار قلق الكثيرين، فانتشار العنف واستمرار الهجمات والاضطرابات في البلاد يؤثر سلبيا على استقرار الوضع الداخلي في نيجيريا.
ومما زاد الأمور سوءا هو إعلان الجماعة أنها قد التحقت بتنظيم القاعدة وأنها "تعتزم شن سلسلة من التفجيرات فى شمال البلاد وجنوبها، مما سيجعل نيجيريا مستعصية على الحكم" وذلك وفق لما ورد على لسان سانى عومارو، زعيم الجماعة بالنيابة.
وأثار هذا الإعلان مخاوف عديدة من انتشار نماذج القاعدة في أفريقيا بشكل قد يهدد أمن واستقرار المنطقة لاسيما أن القارة تعانى بالأساس من الصراعات الدينية والعرقية والطائفية.
الفكر المتطرف
ورأى المراقبون أن هذا الأمر سيكون له تداعيات بالغة السوء على الداخل النيجيري من أبرزها نشر الفكر المتطرف في أوساط المسلمين، ومحاولة فرض الإسلام بالقوة في مجتمع يعانى أصلا من مشكلات عرقية وطائفية. كما أنه سيطال اقتصاد البلاد الذي تتراجع مؤشراته بشكل ملحوظ مع كل عملية تقوم بها الجماعة داخل الأراضي النيجيرية خاصة مع تركز القدرات الاقتصادية للبلاد في أيدي النخب الحاكمة مقابل معاناة غالبية المواطنين.
ولن تقتصر تلك التداعيات على الداخل فقط بل قد تطول الدول صاحبة المصالح الاقتصادية والنفطية فى نيجيريا، وذلك بسبب الخوف من حدوث تحالف مستقبلى بين حركة الإصلاح بدلتا النيجر وجماعة بوكو حرام فى الشمال، مما يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية فى مناطق إنتاج النفط، حيث إن نيجيريا تمتلك أكثر من 6.2 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، وهو ما دفع المراقبين للتعبير عن خوفهم من أن تتحول المنطقة إلى معقل للجماعات المسلحة، مشيرين إلى أن الفساد والفقر المستشرى فى غرب أفريقيا يوفران تربة خصبة للإرهاب، وهو ما تسبب بدوره في تقلص السوق الاستثمارية هناك وفتح الباب أمام إمكانية حدوث تدخلات خارجية بحجة المساعدة في القضاء على الجماعات الجهادية وعلى رأسها "بوكو حرام".
"بوكو حرام" في سطور
وتأسست جماعة بوكو حرام عام 2004 من مجموعة من الطلاب تخلوا عن الدراسة، واتخذوا من قرية كاناما بولاية يوبه شمال شرقى نيجيريا مركزا لهم. وكلمة "بوكو حرام" هي مزيج من لغتي الهوسا واللغة العربية وتعني " نظام التعليم الغربي حرام".
وتقوم الأفكار الرئيسية للجماعة على أهمية العمل على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجيرية، وليس تطبيق الشريعة فى الولايات الاثنتى عشرة الشمالية، وعدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة، بالإضافة إلى رفضها الثقافة الغربية، ودعوتها إلى تغيير نظام التعليم في نيجيريا.
وفى عام 2009 كثفت الجماعة هجماتها خاصة في مدن الشمال ذات الغالبية المسلمة ووقعت العديد من المواجهات بينها وبين الشرطة والجيش راح ضحيتها آلاف من الضحايا من المدنيين، وانتهت بإعلان الحكومة النيجيرية أنها قتلت جميع أفراد جماعة بوكو حرام، بمن فيهم زعيم الجماعة محمد يوسف. غير أن هذا لم يشكل نهاية الجماعة، حيث ينسب إليها سلسلة من التفجيرات والهجمات التى شهدتها المناطق الشمالية الشرقية من نيجيريا في الفترة من 2010 إلى 2011. وأهم هذه التفجيرات سوق أبوجا فى ديسمبر 2010، وتفجير مركز الشرطة في مايدوكورى فى يناير 2011، وتفجير مقر الأممالمتحدة فى أبوجا فى أغسطس 2011.
ويجمع المراقبون على أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعانيها الشمال النيجيري هي التي وفرت البيئة الخصبة لنمو الأفكار المتطرفة بين المواطنين. فهناك أوضاع اقتصادية متدهورة وانتشار للأمية والبطالة حيث يوجد أكثر من مليون عاطل عن العمل في الوقت الذي يعيش فيه 70 في المئة من السكان تحت خط الفقر .
ويؤكد المراقبون أن من بين أهم عناصر تنامي حركة بوكو حرام هو سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة فى نيجيريا، والتى تستخدم العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، خاصة بوكو حرام، علما أن تلك الأخيرة استطاعت أن تكسب العديد من الأنصار فى أوساط الشباب، كما استطاعت أن تكسب تعاطف بعض المسلمين بسبب عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون، والتى ارتكبتها الشرطة النيجيرية فى حق أعضاء جماعة بوكو حرام، مما خلق نوعا من التعاطف تجاهها. مواد متعلقة: 1. بوكو حرام توافق علي الحوار ووقف إطلاق النار 2. الجيش النيجيري يقتل العشرات من جماعة "بوكو حرام" 3. نيجيريا: مقتل عضوا بارزا في جماعة "بوكو حرام"