في مثل هذا اليوم، ولد عميد الأدب العربي طه حسين ، والذي كانت رائعته "الأيام" في نظره مجرد حديث أفضى به لصديق فى وقت فراغ لم يرد أن يصدر فى كتاب يقرؤه الناس ، وقد نشره عندما ألحت عليه كثيرا مجلة الهلال باعتبار أن المذكرات تعين المكفوفين والمبصرين على رؤية الحياة واستقبالها . وقال "طه" أن الإنسان يجب أن يلقى حياته باسما و لا عليه بعد ذلك أن تثقل الحياة أو تخف ،و أن يرضى الناس أو يسخطوا " و أن على كل إنسان أن يؤدى واجبه ، و كان يقول : جميل أن يرث الولد من أبيه مودة الصديق ، و لكن من القبيح أن يرث الأولاد بغضاء من أراد بآبائهم الشر .
و هو يخاطب ابنته فى كتابه و يصور لها كيف كان بائسا فى صغره و كيف تبدل حاله و هو كبير و يعزو الفضل كله لله عز و جل قائلا " لقد حنا يا ابنتى هذا الملك على أبيك ، فبدله من البؤس نعيما ، و من اليأس أملا ، و من الفقر غنى ، و من الشقاء سعادة و صفوا "
و يقول فى مذكراته " ثم تمضى الأيام فى أثر الأيام و إذا هو قد نسى ما كتب و شغل عنه بأشياء أخرى و لكن الناس لم ينسوه و إنما حفظوه له و قيدوه عليه و أخذوه بيه حين سنحت الفرصة " و ما أشبه اليوم بالأمس هذا ما عناه طه حسين من أيام شبابه و حتى بعد وفاته ما زال الناس منقسمين لفريقين أحداهما يدعوه بالتنوير و الفريق الآخر بالتغريب و الالحاد .
و عرف بحبه الشديد للعلم و حرصه عليه و لم يثنيه عنه شيئا " إنما هى نفسه تتفتح من جميع أنحائها ، و قلبه يتشوق من جميع أقطاره ليتلقى .. ليتلقى ماذا ؟ ليتلقى شيئا لم يكن يعرفه ، و لكنه كان يحبه و يدفع إليه دفعا ، طالما سمع اسمه و أراد أن يعرف ما وراء هذا الأسم ، و هو العلم ."
" و كان يريد أن ينفق حياته كلها و أن يبلغ من هذا العلم أكثر ما يستطيع أن يبلغ مهما يكن فى نفسه يسيرا " فاستطاع أن يتحفنا و يضيف للعلم بمؤلفاته فكتب لنهاية حياته من ( 1889 : 1973 ) 50 كتاب فى الشعر و القصة و السير و الأدب و التاريخ و فلسفة التربية و قضايا الثقافة و الحضارة ، كما ترجم عن الفرنسية بعض الآثار الروائية و الفلسفية و المسرحية ، منها مستقبل الثقافة فى مصر و فى الشعر الجاهلى و على هامش السيرة و الفتنة الكبرى و دعاء الكروان و العديد من الكتب الأخرى و بالطبع لا ننسى رائعته التى سجل فيها حياته " الأيام " .
فكان يرى أنه ليس هناك موت أحب للرجل النبيل من هذا الموت الذى يأتيه من العلم و يأتيه و هو غرق فى العلم .
و إذا به يرتبط بكل ما يحدث حوله قائلا :"وكذلك غرق صاحبنا في السياسة إلى أذنيه وكان جديراً أن يفرغ للعلم والتعليم وألا يفكر إلا في طلابه وكتبه ولكن بعض الظروف تحيط بالشعوب فتجعل الحيدة بالقياس إلى بعض أبناءها إثماً لا يغتفر، ولا تنمحي آثاره وكان صاحبنا يرى الحيدة في ذلك الوقت جبناً ونفاقاً، المهم أنه غرق في السياسية أو احترق بنارها وعلى كثرة ما لقي من أهوال السياسية لم ينكر من سيرته شيئاً ولم يندم على فعل فعله أو قول قاله"
و كان طه حسين يحب زوجته حبا جما و رغم أنها لم تحبه فى البداية و لكن كانت قادرة الأيام على تغيير مشاعرها لتبادله الحب وهنا أحب أن أقتبس ما كتب طه حسين الى زوجته سوزان يقول: «بدونك أشعر أني أعمى حقا ، أما و أنا معك، فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء، و أني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي». وعندما رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: " ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة ."
و قد نال طه حسين خلال حياته العديد من الجوائز منها قلادة النيل التى كانت لا تمنح إلا للرؤساء فى عصره و فى ظهر يوم السبت 27 أكتوبر 1973 وصلته برقية من الأممالمتحدة تخبره بحصوله على جائزة الأممالمتحدة عن حقوق الإنسان ، غير أنه لم يسعد بذلك و أشار بحركة من يده : و ما أهمية ذلك ؟ ثم فى صباح اليوم التالى توفى أسطورة الأدب العربى طه حسين .