حذَّرت دراسة مصرفية حديثة من أن التدهور المستمر للوضع المالي لمصر يمكن أن يؤدي لثورة مضادة ستفقدها كل مكتسبات ثورة 25 يناير، مؤكدة أن هناك إهدارًا متعمدًا لقيمة الجنيه المصري، مما شكل عبئًا وضغطًا كبيرًا على غالبية شعب مصر من المواطنين البسطاء. وأشارت الدراسة، التي أعدها الخبير المصرفي أحمد آدم مدير إدارة البحوث بأحد البنوك العربية الكبرى سابقًا، إلى طباعة نقدية بصورة مفرطة مع تولي محافظ البنك المركزي الحالي وحكومة نظيف وجمال مبارك لزمام الأمور ومقدرات البلاد، قائلة إن الأرقام الصادرة عن "المركزي" تؤكد أن فترة نظيف زاد فيها النقد المُصْدَر والمطبوع من 59.7 مليار جنيه نهاية العام المالي "2004/2003" إلى 156.2 مليار جنيه نهاية يناير 2011، وبزيادة مقدارها 96.5 مليار جنيه، وفقا للأهرام.
وأوضحت أن الزيادة بالنقد المصدر تخلق نوعًا من النمو غير الحقيقي وهو ما حدث فعلاً حيث كانت الحكومة تعلن عن معدلات نمو اقتصادية، لم يكن يشعر بها على الإطلاق غالبية الشعب المصري، كما أن حجم الفساد الذي اكتشف بعهد النظام البائد، خصوصًا في الفترة التي واكبت حكومة نظيف، تثير التساولات حول استخدامها في إهدار ثروات مصر، وهو أمر ستكشفه الأيام لا محالة.
وأكدت الدراسة أن البنك المركزي المصري كثف وبشكل غير مسبوق من طباعة النقدية بعد الثورة، ففي شهر فبراير فقط تم طبع 22 مليار جنيه، ويستمر النقد المصدر والمطبوع في الزيادة وبشكل كثيف حتى بلغ نهاية ديسمبر الماضي 190.1 مليار جنيه، بينما بلغ في يناير 2011 ما قدره 156.2 مليار جنيه أي أن طباعة البنك المركزي لأوراق نقد وبدون غطاء قد زادت معها النقدية المصدرة والمتداولة خلال عام 2011 بمقدار 34 مليار جنيه.
كما استمر "المركزي" في طباعة نقدية أيضًا خلال عام 2012، وبلغ ما تمت طباعته من نقدية خلال نصف العام الأول من العام 17 مليار جنيه ليبلغ إجمالي النقد المصدر خلال عام ونصف 51 مليار جنيه، وذلك أدى ذلك التصرف لزيادة كبيرة في أسعار السلع شكلت ضغطاً على جميع المواطنين بصفة عامة، خصوصًا المواطن البسيط.
وأوضحت أن الزيادة في قيمة النقد المصدر والمتداول خلال عام الثورة بلغت 53% من قيمة الزيادة التي تمت بعهد حكومة نظيف وامتدت لأكثر من 6 سنوات، وذلك أمر بمنتهى الخطورة، ويرجع لأسباب فعلية منها ضياع الفوائض المالية التي كانت موجودة بالبنوك المصرية، وحتى نهاية 2008 في تمويل عجز الموازنة وبالتالي فأي طلب على تمويل يقابل بطبع نقدية من قبل البنك المركزي.
وأضافت: وصلنا لهذا الوضع غير المسبوق نتيجة لإدارة سيئة وغير مسئولة للسياسة النقدية من قبل البنك - وفقًا للدراسة، مما أدى إلى بقاء سعر الفائدة سلبياً لأكثر من خمس سنوات متتالية أمام معدلات التضخم، الأمر الذي أدى لتآكل ودائع العملاء لتنخفض معدلات نموها بدءًا من عام 2009 وبشكل ملحوظ لما دون 9%، بينما زادت وبشكل كبير معدلات نمو الديون المحلية بدءاً من الفترة ذاتها عام 2009، وارتفعت لأعلى من 14%.
وتابعت: مع قيام البنوك بتمويل معدلات نمو الديون المحلية والعجز في الموازنة عن طريق استثمارها بأذون وسندات الخزانة التي تطرحها وزارة المالية ومع عدم سداد الحكومة للمستحق منها، وقيامها بسداد أذون وسندات مستحقة الدفع بطروحات أخرى جديدة، فقد نضبت السيولة الموجودة بالبنوك ووصلت لأدنى مستوياتها وهو وضع مخيف قد يؤدي وفجأة لانكشاف: صندوقي التأمينات الاجتماعية للعاملين بالقطاع العام والخاص، وحسابات التوفير بهيئة البريد، وشهادات الاستثمار التي يصدرها بنك الاستثمار ويقوم البنك الأهلي بتسويقها، وجزء مؤثر من ودائع العملاء بالبنوك.
وبينت أن "المركزي" كان يمكنه باستخدام أدواته أن يحكم قبضته على إدارة السياسة النقدية إلا أن ما أسمته ب" افتقار" قياداته للخبرة اللازمة وانعدام الرؤية والفكر والانصياع الكامل للتعليمات الحكومية وللجنة سياسات الحزب المنحل أدت لوضع سيئ وغير مسبوق، مشيرة إلى أن "المركزي" أكد خطأه الفادح في إدارة السياسة النقدية بخطأ آخر يتمثل في إعادة نظام الريبوز، للتعامل فيما بينه وبين البنوك.
ونظام "الريبوز" يقوم على رهن البنوك لأذون خزانة لدى البنك المركزي في مقابل حصولهم على ما يحتاجونه منه من سيولة، إلا أن الدراسة قالت إنه يعني أن "المركزي" بدأ في استخدام الودائع الحكومية، التي بات إيداعها مقتصراً عليه، طبقاً لنظام الشباك الموحد، واستخدام نسبة الاحتياطي الإلزامي الذي يقدر ب 14% من الودائع بالعملة المحلية تودعها البنوك لديه بدون فائدة. وتلك النسبة يضمن بها "المركزي" ودائع العملاء بالبنوك ويمكن من خلالها تدعيم أي بنك يعاني من مشكلات متفاقمة بالسيولة، قد تؤدي لإعلان إفلاسه حتى نضبت أيضاً الفوائض المالية الموجودة لدى "المركزي" من الودائع الحكومية ومن الاحتياطيات الإلزامية بالعملة المحلية ليزداد الوضع سوءاً. وبذلك تصبح بنوك مصر مكشوفة وتتزايد وبالتبعية مخاطر إفلاسها مما دفع مؤسسات التصنيف العالمية الكبرى الثلاثة "موديز وفينش وستاندر آند بورز" لتخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري ولخمسة من كبار بنوك مصر تشتمل على كل بنوك القطاع العام التجارية، عدة مرات متتالية خلال عام 2011.
وتوقعت أن تستمر تلك المؤسسات العالمية في تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري وللبنوك المصرية طالما لا توجد خطط إصلاح حقيقية من قبل الحكومة و"المركزي"، مما سيدفع باقتصادنا نحو التصنيف C ثم D وهو قمة التصنيف السيئ ويشكل خط عدم العودة لسمعة مصر الخارجية في مدى قدرتها على سداد ديونها، ومره أخرى من جديد يعالج "المركزي" أخطاءه المتكررة والفادحة بخطأ فادح جديد وهو طباعة نقدية بدون غطاء لعلاج تدهور السيولة المحلية والذي هو وبإدارته كان سببًا وحيدًا في تدهورها.
وأشار إلى أن "المركزي" أصدر قرارًا الثلاثاء الموافق 20 مارس الماضي، بتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي للودائع بالعملة المحلية من 14% إلى 12%، ثم بعد أقل من شهرين خفضها ل10%، وفي ظل تخفيض النسبة مع وجود ارتفاعات متتالية بالأسعار أدت لارتفاع معدلات التضخم وهو يمثل إعلانًا صريحًا من "المركزي" بوجود مشكلة مؤرقة بالسيولة وأنه بات غير قادر على تغطية احتياجات البنوك من السيولة وهذا الإعلان سيجد صدى سلبياً لدى المستثمرين الأجانب والعرب سيدفعهم دفعًا نحو دول أخرى غير مصر، على حد قولها.
ولفتت إلى إعلان المحافظ بوسائل الإعلام أنه لم يقم بطبع نقدية على الإطلاق إلا لاستعواض نقدية تالفة، مما يتنافى تماما مع الأرقام الصادرة عنه بخصوص حجم النقد المصدر والمتداول هو مؤشر آخر طارد للمستثمرين الأجانب لأنه يمس شفافية ما يصدر عن "المركزي".