يطرح كتاب "من الذي يصنع الأزمات في مصر" للروائي والكاتب إبراهيم عبدالمجيد تساؤلا حول الأسباب الحقيقية وراء سلسلة الأزمات التي مني بها المجتمع المصري منذ ثورة 25 يناير، ليلفت إلى أن ممارسات سابقة قام بها فلول النظام السابق تسببت في تلك الأزمات التي حاولت جاهدة إجهاض الثورة. يتكون الكتاب من مجموعة مقالات بلغت 197 مقالة كتبها إبراهيم عبد المجيد في الصحف المصرية في الفترة بعد تنحي الرئيس السابق مبارك وطالب فيها بصياغة الدستور أولا.
ومن خلال 208 صفحة من القطع المتوسط، يرصد عبد المجيد أهم الوسائل التي اعتمد عليها صانعو الثورة المضادة في إفشال الثورة مثل حريق مقرات أمن الدولة وإلصاق التهم بالثوار وهم منها براء، لإظهار همجية راغبي التخلص من النظام القديم وطالبي الحرية والديمقراطية، ما يؤدي لتزييف وعي المصريين.
يقول عبدالمجيد في مقدمة كتابه الصادر عن "بيت الياسمين": ارتفع في سماء مصر مصطلح مضلل هو الطرف الثالث الذي كان يضحكني جداً، ولم يحدث أن تم القبض على أي شخص ينتمي إلى هذا الطرف الثالث، وفي كل مرة تزداد المجازر أمام أعين الجميع، في البداية تحوط العاقلون وقالوا أن خبرة المجلس العسكري ضئيلة في الحكم السياسي، وفي كل مرة كان يظهر أن ما يحدث ليس نتاج الخبرة القليلة لكن القصد المبيت.
الكتاب يضم مقالات الكاتب الذي اختارها بعد نشرها في الصحف، قاصداً منا ألا ننسى، ليؤكد أن الذين صنعوا الأزمات في مصر هم الذين أخذوا الثورة إلى هذه المجازر والآلام ستراهم أمامك، ولم يكن الثوار بينهم أبداً.
من يصنع الأزمات؟
المقال الذي يحمل الكتاب عنوانه، يقول فيه عبدالمجيد أننا إذا نظرنا إلى كل الأزمات التي جرت سنجد أن الثوار لم يكونوا طرفاً فيها، سواء كانت مطالب المظاهرات الفئوية، أو إقالة القيادات الفاسدة في كل المصالح، فمن هو المسئول هنا؟ المتظاهرون والمعتصمون أم التأخر في إقالة القيادات القديمة، الأمر نفسه فيما يخص مظاهرات ماسبيرو التي كان السبب الرئيسي لتفجرها هو الاعتداء على مبنى كنيسة الماريناب وهدمها وحرقها.
هكذا يبدو أن الأمور تدار بإيقاع وظيفي لا علاقة له بإيقاع الثورة، ويبدو الآن أنه لابد من الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات حتى يتحقق أي شئ، والثوار ليسوا هم المتسببين في ذلك بل الحكم والحكام.
آن الأوان أن يستجيب الحكام لمطالب الثورة بغير الضغط والمظاهرات. قطع الطريق على المظاهرات لا يكون بالقوة ولا بالمندسين! لكن بالإسراع في إيقاع التنفيذ لمطالب الثورة.
شفيق وحرائق أمن الدولة تحت هذا العنوان يكتب عبد المجيد: ما معنى أن تُعلن استقالة الدكتور أحمد شفيق صباح الخميس، وتبدأ الحرائق في مقرات أمن الدولة عصر اليوم نفسه، لإخفاء الوثائق الهامة وغير الهامة التي تدين عصراً كاملاً، وتدين جهازاً كاملاً هو جهاز الشرطة.
يواصل: وهي إدانة لم تكن ستمتد فقط إلى الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تصل إلى المحكمة الجنائية الدولية على الأقل، كما كانت كفيلة بتقديم العدد الضخم من رجال هذا الجهاز إلى المحاكم المصرية، ليس بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فقط، وإنما بسبب ما كان سيكتشف من حجم الأموال التي تتدفق على هذا الجهاز.
ويجيب عبدالمجيد على السؤال في نهاية مقاله بأن شفيق كان يود أن يحول جهاز أمن الدولة إلى وزارة، وهو الأمر الذي بعث في قيادات الجهاز الطمأنينة، فما أن قدم استقالته حتى أدركوا حجم الكارثة المقبلة نحوهم، فأقدموا على الحرق.
وعن اختيار رؤساء الجامعات وعميدي الكليات في مصر كتب عبد المجيد: الأصل في عميد الكلية أو رئيس الجامعة هو قيمته العلمية، والذي يبقى منه هو كتبه وأبحاثه ومواقفه الوطنية، ولقد جرى النظام الجامعي في كل الدنيا على أساس أن يكون منصب عميد الكلية أو رئيس الجامعة بالانتخاب، كان ذلك يحدث في مصر قبل ثورة 1952، ثم صارت هذه المناصب بالتعيين من قبل وزير التعليم العالي الذي هو بدوره أحد أعضاء الحزب الحاكم، ثم صار معروفاً أن للجهات الأمنية دخلاً أساسياً في اختيار الأساتذة لهذه المناصب في مصر كلها، فساءت سمعة من تولى أو يتولى هذه المناصب حتى لو كان رجل علم ومحط احترام.
ويواصل: لو أن رؤساء الجامعات وعمداء الكليات فعلوا كما حدث في جامعة عين شمس وتركوا مناصبهم في الجامعة والكليات لكانوا قد برءوا أنفسهم من أي تهم سابقة، والحقيقة المؤسفة الآن كما يوردها إبراهيم أن هؤلاء الأساتذة يراهنون على إخفاق الثورة التي لن تخفق، ويقفون أمام حركة التاريخ وأمام الوضع الطبيعي للجامعات والكليات أن تكون مناصبها بالانتخاب، وأشعر بالأسى لأن أهل العلم والثقافة لا يعرفون ما يبقى لهم، ولا يزالون يعملون وفق المنظومة القديمة المهينة.
لا تلوموهم!
تحت عنوان "لا تلوموا شباب الثورة" دافع مؤلف الكتاب عن هؤلاء الشباب، قائلاً أن هذا الشباب يقف حتى الآن بعيداً عن الحكم، ولا يقدم نفسه بديلاً عن أي من الحكام، رغم أحقية بعضهم بذلك كما يقول عبدالمجيد.
ويرى صاحب الكتاب أن الهجوم على شباب الثورة يأخذ أشكالاً عدة، مثل الحديث الزائد عن الخراب ووقف الاقتصاد، وفي كل مرة ينسى هؤلاء أن شباب الثورة لا يمسكون بزمام الحكم ولا يضعون القوانين للاستثمار.
وعدد المؤلف رغبات شباب الثورة من سرعة تأمين البلاد ضد البلطجة والإجرام، وحديثهم عن عودة الأموال المنهوبة من الخارج، وكذلك إشراكهم في التفكير والتحضير للقوانين الجديدة، وكذلك رغبتهم في إجراء محاكمة عاجلة لكل مثيري الفتنة الطائفية، يرغب أيضاً هؤلاء الشباب في إقصاء من شاركوا من قبل في تزوير إرادة الشعب وتشويه عقله من الإعلام، وأن يصبح حق التظاهر السلمي مكفولاً للجميع. وهي رغبات مشروعة لا يمكننا الهجوم عليهم بسببها.
الهارب والمخلوع والمتعور
امتد انتقاد المؤلف في كتابه إلى الرؤساء العرب الذين أفنوا عمرهم في خدمة أنفسهم بدلاً من خدمة الوطن، فيقول: هرب بن علي بعد أن قال أنا فهمتكم. وخلع مبارك بعد أن قال أعزيكم في شهدائكم. لم يقل شهداؤنا ولا شهداء الوطن، وإنه لا يخضع لإملاءات خارجية رغم أنه عاش سنوات حكمه يتملى من أمريكا وإسرائيل والسعودية وغيرها. وخلع دون أن يفهم معنى الثورة.
وضُرب علي عبدالله صالح بعد أن راوغ شعبه ودول الخليج التي حاولت مساعدته أو الخروج من الأزمة. وراح يكذب كل يوم على الجميع حتى زهقوا منه فضربوه في قصره.
يتابع قائلاً: لم يستجب رئيس واحد لمطالب أي ثورة شعبية في العالم العربي كله، إلا الفريق إبراهيم عبود رئيس السودان ما بين سنتي 1958 و 1964. لقد قدم للسودان كثيراً من الإصلاحات، لكن حكمه كان مثل حكم أي رئيس قادم من الجيش، عسكرياً صادر حريات الشعب والأحزاب، ودافعت عنه الأحزاب الدينية وانتفض السودانيون. لم يتأخر الرجل. واتكل على الله دون رصاصة واحدة.
وعن رحيل الكاتب الساخر جلال عامر اختتم إبراهيم عبدالمجيد كتابه واصفاً الراحل بأنه كان نسيجاً وحده بين الكتاب الساحرين، ساعدته ثقافته وخبرته كضابط سابق عاصر كل الحروب أن يكون مختلفاً. وموهبته لم تكن فقط في كونه كاتباً ساخراً، ولكن تجلت في شئ بعيد وهو استخلاص المعنى والوصول إلى الحكمة من أيسر السبل، لذلك كانت مقالاته وعاء للحكمة، مؤكداً أن العالم سيستمر وفيه طعم البهجة التي يكبها عليه وعلينا جلال عامر، خاتماً بعبارة "رحمك الله يا جلال يا بهجة الدنيا والآخرة".
يذكر أن الكاتب إبراهيم عبد المجيد أصدر عددا من الروايات, منها "ليلة العشق والدم", "البلدة الأخرى", "بيت الياسمين", "لا أحد ينام في الإسكندرية", "طيور العنبر"، كذلك نشرت له خمس مجموعات قصصية وهي "الشجر والعصافير", "إغلاق النوافذ", "فضاءات", "سفن قديمة", وترجمت روايته "البلدة الأخرى" إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، كما ترجمت روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية" إلى الإنجليزية والفرنسية، و"بيت الياسمين" إلى الفرنسية. مواد متعلقة: 1. طبعة إنجليزية من "بيت الياسمين" لإبراهيم عبدالمجيد 2. إبراهيم عبدالمجيد يراجع روايته الجديدة في العيد