"لا أقول إن هؤلاء شعراء إنما هم لسان حال واضح وفصيح صادر عن منابع كلها صدق ولا زالت حية وموجودة إلى يوم الدين"، هكذا يصف الشيخ ياسين التهامي المنشد الديني الصعيدي المعروف كبار شعراء الصوفية الذين يتغنى بكلماتهم في إنشاده، أمثال عمر بن الفارض ومنصور الحلاج ومحيي الدين بن عربي وغيرهم. و"الإنشاد" الدينى عند المسلمين والمسيحيين في مصر فن له تقدير خاص، وقد بزغ نجم التهامي في سماء الإنشاء الديني، بسبب ثراء ما يقدمه حيث يقدم حالة فنية متكاملة تتضافر فيها الصوت والكلمة واللحن وأداءه الشخصي، فضلاً عن إحساسه العالي بما يتغنى به من قصائد، الأمر الذي ساعده على النفاذ إلى قلوب مستمعيه والتأثير في نفوسهم، حتى أنهم يتمايلون طرباً ويتغنون بما يسمعونه وإن استعصى الفهم عليهم.
يجمع صوت التهامي بين وهج نادر تنتقل عدواه إلى المستمع، كيف لا وهو القائل عن نفسه: "أشعر أحيانا وأنا أنشد بأن قلبي هو الذى يقول وليس لساني ولا حنجرتي"، لذلك صدحت شهرته في الآفاق، وتعددت أسفاره إلى دول أوروبية عديدة، وحين سئل في إحدى المحطات الإذاعية الفرنسية عن تعريفه للشعر الصوفي الذي يعشقه ويشدوا به قال: تزين ألفاظه معانيه/ وألفاظه زائنات المعاني.
ولد التهامي في قرية الحواتكة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط بالصعيد في السادس من ديسمبر عام 1949م، نشأ في جو ديني، وكان والده الشيخ تهامي حسنين من الصالحين، حفظ القرآن وجوده مما ساعده على تقويم لسانه وتعريبه على الوجه الأمثل.
عاش الشيخ ياسين في جو معطر بالذكر والنفحات الصوفية وتعرف خلال هذه الفترة على عمالقة الشعر الصوفي، وكان لهذا أكبر الأثر في ولوجه باب الشعر الصوفي منشداً فيما بعد.
بزغ نجم الشيخ ياسين التهامي منذ منتصف السبعينيات كمنشد ديني متمكن منافساً بذلك الشيخ أحمد التوني سيد هذا الفن حينها، واستطاع الشيخ ياسين التربع على عرش الإنشاد لمدة تقترب من ثلاثين عاماً وحتى الآن. وارتقى بالإنشاد الديني الشعبي من الأسلوب الدارج والكلمات العامية إلى تطعيمه بأرقى وأجمل ألوان الشعر الصوفي الفصيح لعمالقة الشعراء، حتى إن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق قد دعاه للغناء ضمن برامج وزارة الثقافة فى مصر، كما يتمتع الشيخ ياسين بمعرفة موسيقية عالية، وتنقل مرن وسلس جداً بين المقامات.
جاءت نقطة التحول في حياة الشيخ، حين أنشد في ليلة المولد النبوي – في إحدى الليالي التي كان يقيمها والده - فأخذ يقول مثلما يقول الذاكرون, ومن هنا وجد الشيخ نفسه مندفعا إلى حلقة الذكر منشداً: هو الحب فاسلم بالحشى ما الهوى/ هل فما اختاره مضني به وله عقل/ وعش خاليا فالحب راحته عنا/ فأوله سقم وآخره قتل، من كلمات سلطان العاشقين عمر بن الفارض الذي يعد أكثر المتصوفة تأثيرا وقرباً من نفس التهامي، ليصبح الإنشاد لديه بعد ذلك كما يقول "غذاء روحي وترويض نفسي، تشربت الموسيقى منذ طفولتي على ضفاف النيل، ورغم أنى لم أدرسها إلا نظريًا، لكنى كنت أعتمد في المقام الأول على إحساسي وامتزاجي بالموسيقى".
في أولى حفلاته بدأ بقصيدة للسهروردي يقول مطلعها: أبدا تحن إليكم الأرواح/ ووصالكم ريحانها والراح، وتغنى كذلك بكلمات عمر بن الفارض: ما بين معترك الأحداق والمهج/ أنا القتيل بلا إثم ولا حرج.
ولا يخرج ياسين عن إنشاد الشعر الصوفي إلا نادرًا، حيث نراه تغنى بأشعار الأمير عبد الله الفيصل وعبد الله البردوني وعلي عبد العزيز وأحمد شوقي وعلية الجعار والأخطل الصغير "بشارة الخوري"، وطاهر أبو فاشا، وإيليا أبي ماضي، كذلك تغنى للمتنبي وأبو فراس الحمداني ورابعة العدوية، ولعنترة بن شداد.