في مثل هذا اليوم الموافق العاشر من شهر رمضان ،السادس من أكتوبر عام 1973م ،أي منذ ما يقرب من 39عام ،كنت في الصف السادس الإبتدائي بمدرسة صغيرة في إحدي قري محافظة سوهاج ،والتي أتشرف بالإنتماء اليها ،عندما وجدت أهلنا في كل بيوت القرية وفي الطرقات يلتفون حول الراديو وهُم يتابعون البيان الأول الصادر من القوات المسلحة العزيزة ،هذا البيان الذي صدر في تمام الساعة الثانية بعد الظهر ،وعلي ما أتذكر كان الوقت شتاءً وبرداً شديداً في ظل صوم نهار رمضان ،إلا أن بشرى الإنتصار جعلت أهلنا البسطاء يتناسون كل شيء ،وتتطلع قلوبهم إلي جبهات القتال . وعلي قدر عدم وجود أجهزة تلفاز ،ووسائل اتصال كما هي الآن ،وعلي قدر قلة أعداد أجهزة الراديو بالقرية ،إلا أن أهلنا كانوا في أشد الحرص علي متابعة الرجال ،ومتابعة سير المعركة،وكيف لايتابعونها وهي الأمل الذي انتظرته مصر كلها لكي تثأر من هؤلاء الخنازير الذي هاجمونا واحتلوا أطهر ما في مصر من أرض "وهي سيناء الحبيبة أرض الفيروز ومهبط الرسالات ،ومسار وطريق الرسل والأنبياء ،وكيف لايتابعوا تلك المعركة ومن كل بيت في مصر كان يوجد علي الجبهة مقاتل يتحين فرصة الحرب لينتقم للشهداء وينتقم للأرض والعرض ويأخذ ثأر مصر الحبيبة كريمة الأديان.
ولقد وصف الخبراء تلك الحرب بأنها معجزة عسكرية على أى مقياس إستراتيجي، ومن المهم أن نشير إلي أن حرب أكتوبر التى تهم الشعب المصرى بصفة خاصة والعالم العربى بصفة عامة ، أن هذه الحرب هى حرب لإعادة الأرض المصرية والسورية التى احتلتها " إسرائيل " فى عام 1967 ولم تكن حرب اعتداء كما تذكر جميع المواقع الغربية والإسرائيلية .وأن المدقق الحقيقى لحرب السادس من اكتوبر يجد أن السادات ورجاله جميعا أحمد إسماعيل القائد العام ، سعد الشاذلى رئيس الاركان وآخرين غيرهم تحملوا عبء الحرب فى ظروف شديدة الفقر من الناحية الأقتصادية للبلاد ( مصر ) أو من الناحية العسكرية للقوات المسلحة المصرية فظروف مصر بأى حال من الأحوال لم تكن لتسمح بحرب جديدة بعد هزيمة 1967 والإبادة التى حاقت بالجيش المصرى فى تلك الحرب ، أن ما قام به هؤلاء جميعا بغض النظر عن أخطاء وقعوا فيها غير مقصودة أو لأهداف سياسية هى معجزة عسكرية يجب أن نقوم برفع قبعاتنا إجلالا لهم.
ولقد اقامت "إسرائيل"فور احتلالها لسيناء عقب كارثة خمسة يونيو من عام 1973م خطاً خرسانيا أسمته بخط بارليف علي امتداد قناة السويس وامامه صنعت ساتراً ترابياً لكي تمنع أية محاولة يمكن أن يقوم بها الجيش المصري لعبور القناة واستعادة سيناء مرة أخري ،ووفق كتاب الطوفان للمحرر العسكري حمدي الكنيسي الذي عاصر الحرب ،فإن خط بارليف ليس مجرد خط عادى ولكنه أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث ،يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء ،وعنه يقول حمدى الكنيسى المراسل الحربى خلال الحرب ( فعلى امتداد الضفة الشرقية للقناة كان الخط الأول والرئيسى ، وبعده على مسافة 3 - 5 كم كان هناك الخط الثانى ويتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية ثم يجىء بعد ذلك وعلى مسافة من 10 - 12 كم الخط الثالث الموازى للخطين الأول والثانى وكان به تجهيزات هندسية أخرى وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية ، وكل هذه الخطوط بطول 170 كم على طول قناة السويس).
إلا أن كل تلك التحصينات لم تحبط المقاتل المصري ،ولم تجعله يتراجع أبداً عن الثأر للأرض والعرض والكرامة ،وجاءت الساعة الثانية من بعد ظهر يوم العاشر من رمضان ،حيث انطلق نسور الجو يدكون القواعد العسكرية الإسرائيلية ،بينما عبر أبطال سلاح المشاه والمهندسيين القناة عبر كباري اقيمت علي الفور وقوارب مطاطية ،وكانت طلمبات مياه ضخمة تزيل الساتر الترابي أمام خط بارليف ،بينما المدفعية تك هذا الخط الحصين فتنهار منه منه جوانب متعددة وتنفتح داخله ثغرات ،ليتقدم من خلالها اسود مصر يقتلون ويأثرون الجنود الصهاينة الأوغاد الجبناء، وفي لفتة بطولية تقول أن مصر الحقيقية هنا قاد الفريق فؤاد عزيز غالي قائد أحد الجيوش رجاله ليحرر القنطرة شرق وكانت أول مدينة مصرية تتحرر من الإحتلال في سيناء،وتلك واقعة نهديها للطائفيين الذين يستغيثون بالخارج ضد جيشنا الآن .
وفى يوم 8 أكتوبر 1973 قام العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية مشاة بالجيش الثانى بصد الهجوم المضاد الذى قام به لواء 190 مدرع الإسرائيلى ( دبابات هذا اللواء كانت تتراوح ما بين 75 حتى 100 دبابة ) وتدمير كافة دباباته وأسر قائد إحدى كتائب اللواء وهو العقيد عساف ياجورى ،وعلي كل حرب أكتوبر وما بها من بطولات تحتاج لمجلدات لنكتب عنها ،وتحتاج لمئات الأفلام التليفزيونية لنحكي أدق بطولاتها ،حرب أكتوبر هي نتاج تلاحم قوي بين شعب عظيم يمتلك جيش عظيم ،هذا التلاحم أكد بالفعل أن الجيش والشعب إيد واحدة وصنع الانتصار،وهي الإيد التي صنعت الإنتصار ،وهي الإيد التي ستقطع عنق "إسرائيل"إن فكرت مرة أخري في تدنيس ثري مصر الطاهر. **************** عزاء واجب نتشرف بأن نتقدم بخالص العزاء للسيد المشير محمد حسين طنطاوي في وفاة شقيقه للفقيد الرحمة وللأسرة الكريمة الصبر والسلوان ،وإنا لله وإنا إليه راجعون ***************** أغنية سعاد حسني دول مين مشاهد حقيقية من حرب اكتوبر مع صوت عبد الحليم [email protected]