لم تكن شهور مضت على قيام الجيش بثورة يوليو حتى حدث مايشبه انقلابا مضادا قادة ضباط المدفعية فى يناير1953.الانقلابات تلد بعضها بلا نهاية مالم يكن هناك مايوقف هذه المتوالية الجهنمية . وهذا ما ادركه جمال عبدالناصر مبكرا بحسه السياسى الذى لم يكن متوافرا لكثيرين غيره من رجال الثورة.كانت قضية سلاح المدفعية اكثر القضايا التى واجهت الثورة الوليدة ازعاجا .
وكان عبدالناصر على حق عندما استشعر الخطر وزاد من احساسه بالخطر انة اكتشف مدى افتقاره الى المعلومات ولم يكن هناك سوى ان يكون هناك جهاز يرصد التحركات ويوفر المعلومات بما يحمى الثورة ويحافظ على مكاسبها .وكان هذا الجهاز هو المخابرات العامة .
وحسب رواية الراحل فتحى الديب فى تاسيس المخابرات فقد استدعى عبدالناصر ثمانية من الضباط الاحرار الى مكتبة فى اوائل عام 1953 وهم سعد عفرة .كمال رفعت.فريد طولان.محمود عبد الناصر.احمدعبدالله كفافى.مصطفى المستكاوى.عبدالقادر حاتم.وفتحى الديب وقال لهم :ليس لدينا حزب .احنا ناس قمنا بالثورة ولازم ندافع عن انفسنا .عايز اقول لكم اننا فى حاجة الى جهاز يتولى حمايتنا ويدافع عن الثورة.يعنى لازم نؤسس جهاز مخابرات وانتم مكلفون بذلك.وكان راى عبدالناصر ان يكون عدد اعضاء الجهاز محدودا ومن أصحاب الثقة .
وقال:لااريد عددا كبيرا ومش عايز الكلام يتنتور ولازم يبقى فية تدريبات شديدة على الكتمان.وعلى الفور شرع الثمانية فى تنفيذ المهمة.
ولكن رواية سامى شرف سكرتير الرئيس للمعلومات فى كتاب سنوات وايام مع جمال عبدالناصر تقول ان العناصر الرئيسية التى اسهمت فى تاسيس الجهاز الوطنى من 23يوليو حتى اواخر 1952 تتكون من زكريا محى الدين وعثمان نورى وحسن بلبل وكمال الدين رفعت وعاطف عبده سعد ومحمد عبدالفتاح ابو الفضل وعمر لطفى وسعد عفرة وفريد طولان ومحمد فتحى الديب وعبدالمجيد فريد ولطفى واكد وحسن التهامى ومحمود سليمان وعبدالقادر حاتم ومصطفى المستكاوى وعزت ابراهيم سليمان ومحى الدين ابو العز ومحمد محمود السقا ومحمد وفاء حجازى وسامى شرف ومحمدزغلول كامل وحمود عطية واحمد العقاد ومحمدفايق وابراهيم بغدادى ومحمدغانم وعبدالسلام كفافى .
ويضيف شرف فى كتابة ان الترشيحات توالت وهناك ضوابط وقيود قاسية جدا سواء فى عملية الترشيح او التزكية للعمل فى الجهاز فانضم الية بعد ذلك على سبيل المثال عمرو شعبان هريدى وصلاح حجازى ومحمد نسيم (قلب الاسد) وكمال الغر ثم بعد ذلك صلاح نصر الذى تولى ادارة الجهاز فى مايو 1957 وعين كلا من امين هويدى وعمر محمود وطلعت خيرى وشعراوى جمعة وحلمى القاضى .وحدثت تطورات بعد ذلك حيث تولى رئاسة المخابرات كل من زكريا محى الدين (25-65) على صبرى (56-57) صلاح نصر(57-67) ثم تولى الاشراف على هذا الجهاز فقط ولم يصدر قرار جمهورى بتولية رئاسة الجهاز امين هويدى (67-68) وراس الجهاز محمد حافظ اسماعيل(68-70)ثم احمد كامل حتى 1971.
انتقل مقر جهاز المخابرات الى مبنى مجلس الوزراء فى ثلاثة ادوار والمبنى لة مدخلان امامى وخلفى وكان الباب الامامى مخصصا للحكومة والباب الخلفى للجهاز واستمرت المخابرات فى مجلس الوزراء الى عام1957 ثم انتلقت الى موقعها الحالى فى حدائق القبة .
لكن المخابرات المصرية المصرية شهدت مايمكن ان نسميه ببدايتها الثانية عندما تولى رئاستها صلاح نصر فى ذلك الوقت كانت الخلافات بين على صبرى رئيس الجهاز ومجموعة الثمانية قد اشتعلت بسبب انفراد على صبرى بسلطات رئيس الجمهورية فى اصدار القرارات وادارة النشاط مستغلا كونة الضابط الوحيد الذى درس وتدرب فى الولاياتالمتحدة على العمل السرى .
كادت هذه الخلافات ان تخنق عمل الجهاز وتفسد نموه فقرر عبدالناصر البحث عن رئيس مأمون الجانب للجهاز وتشاور مع عبدالحكيم عامر الذى استدعى مدير مكتبة صلاح نصر فى منتصف اكتوبر 1956 وقال لة:المخابرات مهمة للثورة ياصلاح ولازم شخص موثوق فية يمسكها .
فرد صلاح :مش فاهم..قال عامر:اما انت او عباس رضوان .ورد صلاح نصر:اسف..انا مانفعش..وفى صباح 23اكتوبر طلب عبدالناصر صلاح نصر فى مكتبة وقال لة:اريد ان اعينك نائبا لرئيس الجهاز .
ورد صلاح:لا اعرف الكثير عن اعمال المخابرات .قال عبدالناصر:بحثت ولم اجد سواك يصلح لهذا العمل ولم اشأ ان اخبرك حتى يصيبك الغرور سوف تكون نائبا لفترة قصيرة بعدها يصبح على صبرى وزيرا وتتسلم انت رئاسة الجهاز.رد نصر:هذه مهمة صعبة ولااريد ترك الجيش.فقال له عبدالناصر بلهجة حادة:هذا تكليف من الثورة لرجل من الثورة والا نفضها ثورة.
والمثير فى هذه القصة ان عبدالناصر الذى كان متحمسا الى هذا الحد لتعيين صلاح نصر رئيسا للمخابرات هو نفسة الذى امر بمحاكمتة بعد ذلك بعشر سنوات فى قضية المخابرات الشهيرة.
فى كل المراحل كانت المخابرات العامة المصرية جهازا وطنيا خالصا على مدى عمرة الذى تجاوز الخمسة والخمسين عاما بعامين وكانت المصلحة الوطنية هى غايته الاولى والأخيرة .