"شعور صادم" هذا هو حال الكثيرين بعد انتهاء جلسة النطق بالحكم في محاكمة الرئيس المخلوع مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعديه، البعض انتابه هذا الشعور جراء تبرئة مبارك من تهم الفساد المالي والتربح وهكذا نجليه، والبعض الآخر سيطرت عليه الدهشة من إدانة مبارك ووزير داخليته في قضية قتل المتظاهرين بينما حصل مساعدين العادلي على براءة، "محيط" استطلع ردود أفعال الكتاب والمثقفين. وصف دكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ في الجامعة الأمريكية بأن الحكم على مبارك وحبيب العادلي ومعاونيه كان "صادماً" قائلاً أنها أحكام لا ترقى لما توقعناه.
وبحكم تخصصه في علم اللغة أكد فهمي أن المقدمة التي سبقت نطق القاضي أحمد رفعت بالحكم تدل على اعتذار القاضي للشعب المصري من الأحكام التي أطلقها؛ لأن الحكم المتوقع كان الإعدام.
وقال فهمي أن القاضي وقع فريسة التناقض بين أمرين، الأول هو الالتزام المهني الذي يحتم عليه أن يحكم بناءً على الأوراق التي قدمت له في رفع الدعوى، والأمر الثاني ما عايشه واستقر في ضميره من توافر الحقائق بقتل أبناءنا الثوار؛ لافتاً إلى أن القاضي صمم خطابه الذي جاء في مقدمة النطق بالحكم بناء على ما وقع في ضميره من معرفته بالشهداء، لكنه أصدر حكمه بناءً على ما قدمته الأوراق؛ لذلك فإن تحليل مجمل خطاب النطق بالحكم يعد اعتذاراً من القاضي للشعب.
أكد المؤرخ أن هناك مجموعة أخطاء وقعت في المحاكمة منها عدم جواز محاكمة مبارك ووزير داخليته ونجليه ومساعديه بتهمة الفساد المالي، خاصة أنه وفق قانون العقوبات المصري تسقط الدعوى بعد عشر سنوات وهو ما استند إليه القاضي في حكمه بالبراءة، كما أنه كان يتحتم أن يتحمل مبارك مسئولية استيراد سموم من قبل وزارة الزراعة أفسدت صحة المصريين، وأمرضتهم ويحاكم من أجل ذلك، وكان لابد أن يحاكم أيضا على تراجع مصر الإقليمي والدولي وهذا أدلته ثابتة. كما كان ينبغي أن يحاكم بمجموع المعذبين والمعتقلين في سجونه طيلة الثلاثين عاما، وقضية التعذيب لا تسقط بالتقادم. مؤكدا أن كل واحدة من هذه التهم كانت كفيلة بأن تقدم مبارك وأشهر وزراء داخليته إلى الإعدام، لكن هذا لم يحدث.
وتعجب فهمي من صدور حكم بالبراءة على مساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، فإذا كان القاضي حكم بالمؤبد على مبارك والعادلي في قضية قتل المتظاهرين، باعتبارهما المسئولين المباشرين، كان ينبغي الحكم على المساعدين الستة للعادلي بذات الحكم في نفس القضية، لأنهم كانوا في مناصبهم وقت قتل المتظاهرين.
ولفت المؤرخ إلى أن هذه الأحكام تفرض علينا التمسك باستمرار الثورة، والتصويت ضد رئيس وزراء المتهم الأول في قتل المتظاهرين أحمد شفيق المسئول عن قتل المتظاهرين في "موقعة الجمل" لأنها حدثت أثناء توليه رئاسة الوزراء.
اعتبرت الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد الحكم في قضية مبارك إدانة للطرف الثالث الذي يتحمل مسئولية كافة الجرائم بالبلاد الفترة الأخيرة، فقد برأت المحكمة جهاز الشرطة معتبرة أن الشهداء قتلوا بدون رصاص الشرطة!، وهو أمر مدهش على حد قول الكاتبة الكبيرة حيث من الممكن أن يؤدي الحكم ببراءة معاوني العادلي إلى براءة مبارك والعادلي أثناء النقض.
وأكدت فؤاد أن المحاكمات للمتهمين لم تكن بناء على الجرائم الحقيقية، كجرائم الخيانة العظمى التي ارتكبت في حق هذا الشعب، ووصفت المحاكمة بأنها تغافل وتهوين للاتهامات الحقيقية، واختزالها في اتهامات هزيلة، مضيفة أن هذا يعد ظلماً لهذا الشعب وتجريف لحقوقه وإهانة لآدميته ولدم شهداءه، قائلة أن الشعب سيشعر بالرفض والغضب والمهانة، والإصرار على انتداب المنظومة التي أفسدت الماضي، في محاولة لإثبات أن مصر لم تتغير بعد الثورة، ووجهت الكاتبة الكبيرة رسالة إلى القوى الوطنية والأمناء على مصر بالتصدي عبر وحدة قوى الثورة لمحاولات إجهاض الثورة وتشويهها.
من جانبه قال الناشط السياسي جورج إسحاق أن الحكم على مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بالسجن المؤبد مقبول إلى حد ما، أما أحكام مساعدي حبيب العادلي فاعتبرها اسحاق غير مقبولة على الإطلاق. مبررا ذلك بأنه لا يعقل أن يحكم على الوزير بالمؤبد وأن يحكم على أدواته التي يصدر منها الفعل بالبراءة.
وتساءل إسحاق "كيف يبرأ مبارك من الفساد الاقتصادي، في حين أن لدينا معلومات تفيد امتلاكه أموال طائلة خارج البلاد؟". لافتاً إلى أن الأمر الأهم حاليا هو معرفة من قام بطمس الأدلة.