شعراء ل"عفيفي مطر" : علمتنا التغريد بعيدا عن حاشية السلطان! محيط – سميرة سليمان "طباعي لا تطيق الاحتجاز وشكائم الكبح وسلاسل الرضا بما هو كائن" كلمات عرف بها الشاعر المصري الكبير محمد عفيفي مطر والذي دعا مؤخرا عدد من الشعراء والنقاد والمثقفين لإقامة احتفالية بالذكرى الخامسة والسبعين لميلاده .. يقول مطر عن مسيرته الشعرية وعلاقته بالسلطة في احدى حواراته السابقة: "ارتبكت واضطربت علاقاتي بالمؤسسات الثقافية والقائمين عليها لأسباب يطول شرحها، وحين قال صلاح عبد الصبور، رئيس مؤسسة النشر الرسمية في الستينات، لن أنشر له ديواناً ولو على جثتي، نشرت دواويني في العواصم العربية المختلفة، بيروت ودمشق وبغداد وطرابلس، ثم لندن، وفي بعض دور النشر الخاصة في القاهرة في السنوات الأخيرة، وقد أحدث هذا النشر ارتباكا وفوضى في ترتيب نشر الدواوين من ناحية، وفي إمكان وصولها إلى القراء في مصر، من ناحية أخرى، فبعضها لم يدخل البلاد وبعضها دخل إلى عدد محدود من البلاد، ما لم يمكن أحد من متابعة مسيرتي في تدرجها وانتقالاتها، وقد حاولت تصحيح هذا الوضع بإعادة نشر جميع الدواوين "13 ديوان" عن طريق هيئة الكتاب، ووقعت عقداً، وكادت الدواوين تذهب إلى المطبعة، وفي لحظة صدورها تأتي الأوامر بسحبها وحجبها لأسباب سياسية". يقول مطر في قصيدته "كنا معا" كنا معا.. بيني وبينك خطوتان / كنت صراخ اللحم تحت السوط حينما / يقطع ما توصله الأرحام / وشهقة الرفض إذا انقطعت مسافة الكلام / بالسيف أو شعائر الإعدام / كنت أحتاج الضوء والظلام / وثغرة تنفذ منها الريح / لليائسين من أرغفة الولاة والقضاة / والخائفين من ملاحقات العسس الليلي / أو وشاية الآذان في الجدران !! السماح عبدالله من جهته قال الشاعر "السماح عبد الله" ل"محيط" : عفيفي مطر هو "الاسم الأكثر حضورا في مخيلة الشعراء المصريين وكثير من الشعراء العرب، هو مقلب التربة التي تدربت أصابعه جيدا كفلاح متمرس على معرفة مواعيد الزرع والحصيد، وتهجين النباتات لذلك فقصائده متجذرة في الوجدان العربي وارفة الظلال، وعباءته الفلسفية التي ورثها من الحكيم الأكبر أبي العلاء المعري تجعل ثمار أشجاره أكثر طزاجة بالرغم من مرور العقود". مضيفا : "لقد أطلقت عليه منذ سنوات لقب "صاحب السعادة" ؛ لأنه نموذج حي للشاعر المثابر، الذي يعكف على طبخته الشعرية بصبر وإناة غير ملتفت لطبيخ المائدة الشعرية السائدة" . هو أيضا أكثر شعراء الحقبة التفعيلية قدرة على إثارة الدهشة، أما عن التقدير والتكريم والجوائز فلا أظن أن شاعرا نال منه ما ناله محمد عفيفي مطر لأن التقدير الحق للشاعر الكبير هو سريان شعوره في أوردة عشاق الشعر، ويقيني أن شعره سار ومتغلغل في وريدنا" ، وتمنى السماح عبدالله للشاعر العمر المديد وأن يجتمعوا بعد ربع قرن ليهدوه وردة وقلما .. عيد للكلمة حزين عمر يقول الشاعر المصري حزين عمر سكرتير اتحاد الكتاب المصري أن عيد ميلاد عفيفي مطر عيد للكلمة المتزنة وللموقف الوطني القومي الحر الذي يتخذه الإنسان ولا يخشى رد فعل بعد ذلك، فعفيفي مطر سجل الكثير من المواقف القومية الحاسمة التي أوقف بسببها ولكنه ظل على موقفه دائما. بجانب المواقف السياسية – يواصل عمر في كلمته ل"محيط" - يعد عفيفي مطر قيمة متحركة حميمية من قيم الوطن ونبضه الذي يتحرك على قدمين وهو ما زال مثلنا فلاحا يحمل الفأس داخله وإن لم يحمله على كتفيه، ليردم بفأسه هذا أشكال الفساد والخنوع والاستبداد، فعيد ميلاده إذاً ينبغي أن يحتفي به بين جميع المثقفين خاصة أنه ظل مقهورا ومستبعدا على المستوى الرسمي عشرات السنين وقد التفت إليه في السنوات الأخيرة لينال بعض حقوقه وبمبادرات غالبا من اتحاد الكتاب.
مسيرة مطر عبدالمنعم عواد قال الشاعر عبد المنعم عواد ل"محيط" : "مطر" ترك بصمة خاصة في أبناء جيله ، وهي ممتدة في تاريخ الشعرية العربية ، وهو لا تستهويه المناصب او التكريمات ، وليس أدل على ذلك من استقالته من لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة احتجاجا على فوز أحمد عبد المعطي حجازي بجائزة الملتقى الشعري وهو رئيسه، ودائما ما كانت مواقفه سببا في احترام الجميع له. ويعتبر الشاعر عفيفي مطر من أبرز شعراء جيل الستينات في مصر، وقد تنوّعت مجالات عطائه بين المقالات النقدية وقصص الأطفال وترجمة الشعر، وفاز بجوائز عديدة منها جائزة سلطان العويس عام 1999. وعن الكتابة للطفل يقول مطر: "أعرف مشقة الكتابة للطفل وصعوبة المطلقات التربوية والأخلاقية اللازمة، وأعرف فجاجة الوعظ وتفاهة التسلية التي يلجأ إليها مغتالو الطفولة، فهل من مقاومة؟! قلت: فلنحاول، وإنها لمهمة مقدسة تستحق أن أزيح ما على مكتبي وأن أعيد ترتيب نفسي وانشغالاتي، وتنظيم إيقاعاتي النفسية والروحية، وأن أطلق من خيالي وخبراتي طاقات جديدة عليًّ، وهكذا بدأت الكتابة واستغرقتني بهجتها العجيبة، وتفجر الحوار بيني وبين الولد الصغير القابع في أحد أركان قلبي منذ زمن بعيد.. وانهمرت الحكايات والمسامرات والقصائد، وانفتحت أمامي آفاق المسامرات والأخيلة، واغترفت منها إلى الآن ما يزيد على مائة نص، نشرت منها كتابا، وفي ظني أنني سأنتهي من هذا المشروع في أربعة كتب أو خمسة، جميعها تحت عنوان جامع هو "مسامرة الأولاد كي لا يناموا". ولد عفيفي مطر عام 1953 بمحافظة المنوفية، تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1989. من دواوينه: "من دفتر الصمت"، "كتاب الأرض والدم"، "احتفاليات المومياء المتوحشة"، "فاصلة إيقاعات النمل"، "رباعية الفرح"، "أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت"، "يتحدث "، وغيرها من الدواوين، وصدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام 2000 ويصف الشاعر الفلسطيني المتوكل طه شعر مطر قائلا: " إنّ مفردة "الظلام" التي يستعملها الشاعر محمد عفيفي مطر هي من أكثر المفردات تكراراً في دواوينه، والظلام الذي يعيشه الشاعر ليس فقط، في زنزانته التي يسميها "جحيماً" وإنما في لحظته المعيشة وفي تاريخه". يقول مطر في قصيدته "هذا الليل" التي كتبها من معتقل طرة عام 1991 هذا الليل يبدأ / دهر من الظلمات أم هي ليلة جمعت سواد / الكحل والقطران من رهج الفواجع في الدهور!/ عيناك تحت عصابة عقدت وساخت في عظام الرأس عقدتها ، وأنت مجندل – يا آخر الأسرى... / ولست بمفتدى.. / فبلادك انعصفت وسيق هواؤها وترابها سبياً / وهذا الليل يبدأ / تحت جفنيك البلاد تكومت كرتين من ملح الصديد .
مع الشعر نقرأ في أحدث قصائد عفيفي مطر: لى خيمةٌ فى كلّ باديةٍ ولى كهفٌ ألوذُ بهِ ولى طللٌ وشاهدُ مدفنٍ وهديرُ كلبٍ حول نيران القِرى وأنا المغنى جامعُ الأشعارِ من متردّمِ الشعراءِ أروى ما رأيتُ لمن رأى وأنا ربيبُ الدمع كلُّ أراملِ الشهداءِ أُماتى على وترين أسحبُ قوسَ أغنيتى وأضربُ نقرةَ الإيقاعِ فى عظمِ الرباب ومن ديوانه " صيد اليمام" يقول : لم الخوف من طلقات الرصاص ومقدور موتك في البحر : أنفاسك الماء والملح ، والعشب في القاع أكفان صمت الحرير الرحيم ؟ تهيّأ اذا وابدأ الركض والرقص بين عيون البنادق والبس من النار والذهب المتوقّد قمصان عمرك ، وادخل بلادك كلّ من عناقيدها وتشمّم بها عرق الأهل ... ما كان فيها لأعدائك الغاصبين سوى شهوة الذئب، ليس لهم في الوليمة الاّ الرصاص ، فقم واقتحمها عليهم ، فمقدورك الموت في البحر ما بين ماء وملح حميم .. لم الخوف من فورة البحر ان كان مقدور موتك في وقدة النّار : يرجع منك الرماد الى أصله والغناء الى أفق ايقاعه والحرائق في خضرة الروح تعلو إلى منتهاها ؟!