اعتبرت المؤرخة الأمريكية المتخصصة بتاريخ فرنسا جوان سكوت أن قانون حظر الحجاب في فرنسا، جاء "دفاعاً عن الهوية الفرنسية" التي يصورها المسئولون والسياسيون للمواطنين الفرنسيين أنها تعني رفض كل ما هو وافد . وأشارت في لقاء نظمته الجامعة الأمريكية بالقاهرة مساء أمس إلى أن هناك نساء فرنسيات صوتن لمنع الحجاب في فرنسا واعتبرن أنه لا يمثل لهن سوى سيطرة الرجل على المرأة وتطويعه لها، وهو أمر مرفوض في فرنسا . ولكن من جانب آخر اعتبرت المؤرخة الأمريكية أن الهوية الحقيقية لفرنسا تتحقق في قبول الاختلاف، والوصول إلى التعايش بشكل لا يجعل فرنسا ترفض المسلمين، منتقدة قانون حظر الحجاب في فرنسا.
تقول سكوت أنه في عام 2004، فرضت الحكومة الفرنسية حظراً على ارتداء "كل ما من شأنه أن يكون علامة دالة على الهوية الدينية في كافة المدارس الحكومية" ورغم أن ذلك الحظر كان ينطبق على أتباع جميع الأديان بلا استثناء حيث كان من المفهوم أنه يحظر ارتداء القلنسوة اليهودية والصليب المسيحي إلا أنه كان مفهوماً لدى الكافة أنه موجه بشكل خاص إلى الفتيات المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب.
وترى المؤرخة أن الشعب الفرنسي قد انقسم في ذلك الوقت بين رافض لصدور القانون ومؤيد له. فالرافضون للقانون، وجلهم من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا، رأوا أن الحجاب فريضة دينية وتعبير عن الحرية الشخصية التي تدعي فرنسا أنها تحترمها وأنه لم يكن هناك داع بالتالي لصدور قانون يحظر ارتداءه، أما المؤيدون فقد ذهبوا إلى أن صدور هذا القانون ضروري من أجل المحافظة على التقاليد الفرنسية العريقة في العلمانية والليبرالية، ومن أجل حماية الوحدة الوطنية في البلاد، وحماية للفتيات المسلمات أنفسهن من الجماعات اليمينية المتطرفة التي يمكن أن تستهدفهن.
ورأى المؤيدون أن إصرار الفتيات المسلمات على التحجب، حتى وهن يعشن في مجتمع غربي، ما هو إلا دليل إضافي على أن الإسلام دين لا يواكب الحداثة!، حتى أن احدى المتخصصات في الشئون الاجتماية الفرنسية، عبرت عن ألمها لرؤية هؤلاء النساء المسلمات ممنوعات من ممارسة الجنس سوى مع أزواجهن فقط ، وهو أمر تراه هذه السيدة الفرنسية عقوبة بالغة تستحق التعاطف!، وخرجت بعض الدراسات تقول أن النساء لا يرتدين الحجاب بمحض إرادتهن، بل يرتدينه فقط إذا اضطررن، وهو أمر مخالف للحقيقة، تروج له النساء الفرنسيات، كما تشير سكوت.
وتختلف الكاتبة الأمريكية مع من يؤيدون قانون حظر الحجاب بفرنسا، باعتبار أن الحظر ستترتب عليه تداعيات تطال الغرب بأكمله، كما أنه يعد دليلاً ساطعاً على فشل فرنسا في استيعاب المهاجرين، ومعاملتهم كمواطنين فرنسيين كاملي الأهلية، وليسوا كرعايا مستعمرات سابقة يعيشون على الأراضي الفرنسية. تواصل: إن المسلمين في الشرق ينظرون إلى المرأة التي ترتدي الحجاب كامرأة ملتزمة بآداب الإسلام وتعاليمه، وإلى المرأة المتبرجة بأنها ليست كذلك، أما في الغرب- وفرنسا في حالتنا هذه- فإن المجتمع يعتبر الانفتاح الجنسي معياراً ودليلاً على أن المرأة طبيعية ومتحررة وذات شخصية مستقلة، وأن الخضوع الجنسي أي خضوع المرأة لتعليمات الذكور أو الكبار ولنواهي المجتمع، هو دليل على أن المسلمين غير قابلين للاستيعاب في نسيج الحضارة الفرنسية وأنهم لن يتحولوا أبدا إلى مواطنين فرنسيين بالكامل.
تواصل: اعتبر البعض أيضاً أن الحجاب إرهاب، وكان رأي الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، أن ارتداء الحجاب يشكل نوعاً من الاعتداء على الحرية. الحجاب هزم المستعمر
تعرج المؤرخة سكوت على ما كان يحدث في خمسينيات القرن الماضي، وموقف المستعمر من السيدات المحجبات، حيث كان المستعمر يمارس كثير من العنف تجاههن، وكان يجبرهن على خلع الحجاب، وكشف المستور منهن، فقد كان حجاب المراة يُشعر الستعمر بالإهانة، فهي تتمنع ولا تقدم نفسها، ومن هنا كان نزع الحجاب هو رغبة في السيطرة على المرأة، لكن في القرن العشرين تأتي رغبة فرنسا في نزع الحجاب عن المسلمات، بحجج الدفاع عن الحرية والهوية الفرنسية !
وعرضت المؤرخة لتساؤل مجلة "لوفيجارو" الفرنسية الذي يقول: هل سنظل فرنسيين في غضون 30 سنة، في إشارة إلى التخوف من ازدياد عدد المسلمين في فرنسا عن الفرنسيين.
تقول سكوت أنه في أكتوبر 2003 بدأ مديرو المدارس في استقبال طالبات يرتدين ملابس غير محتشمة، وكانت الشكوى أن هؤلاء الفتيات يشتتن انتباه الفصل بملابسهن غير المحتشمة، وعلى الفور تم مقارنة تلك القضية بالحجاب، الذي يشتت أيضاً انتباه الفصل، لأن غير المحتشمات يشتتن الانتباه بعريهن، والأخريات يشتتن الانتباه بتغطية أجسادهن، وهنا اقترح المسئولون أن تمنع الحالتين، وتتساءل المؤرخة هل يمكن أن يتساوى إظهار الملابس الداخلية مع الحجاب؟. شيطنة المسلمين تلفت المؤرخة إلى أن هناك طرقا عديدة يتبعها الفرنسيون "لشيطنة المسلمين" فلا ننسى أن ساركوزى عام 2005 هاجم تعدد الزوجات لأن الرجال يأتون باطفال كثر لا يستطيعون رعايتهم جيداً، مشيرة إلى أنه رغم رغبة الفتيات المسلمات في فرنسا في الإندماج، إلا أن الجمهوريين الفرنسيين يرفضون ذلك ويرونه محال، لذلك خرجت الفتيات المسلمات في فرنسا رافعات لافتات تقول "نحن فرنسيات بالفعل لماذا لا تعترفون بنا".
تحدثت احدى الفرنسيات التي اعتنقت الإسلام وارتدت الحجاب، قائلة أنه في عام 2004 سُن قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية، وقيل أنه من الممكن أن يمتد هذا القانون ليشمل كل الأماكن الحكومية، وهذه المسألة ليست فرنسية فقط، بل مسألة الحجاب والمحجبات غير مقبولة في البلدان الاوروبية، لتعلق المتحدثة أن الاحساس الملتبس بالهوية من قبل الفرنسيين، أدى إلى رؤية سلبية للآخر، وكأن الفرنسيين يحددون هويتهم باختلافهم عن الآخر، وليس التسامح معه وقبوله، ليصبح الحجاب في فرنسا مبرراً للمشاعر الأخرى التميزية الرافضة، فيقال مثلا للمواطن "انظر إلى الشكل السئ التي تظهر عليه نسائهم"، وهو كفيل بأن يحمل الفرنسيون مشاعر الكراهية للمسلمين، وحين كانت تبث فاعليات الثورة في ميدان التحرير، كان الإعلام الفرنسي يركز على وقائع الهجوم على النساء، والاعتداء عليهن، وكأنه يقول للمواطن الفرنسي أن هذا هو المتوقع في أي دولة مسلمة.
كذلك فعل بوش حين قال ان أفغانستان دولة سيئة لأن طالبان تأمر النساء بارتداء غطاء للرأس، وكأن حملة الغزو كانت مرتكزة فقط على هذا الأمر، لتحقيق المساواة بين الرجل والمراة.
لافتة إلى أن مسألة النوع الاجتماعي تستغل في الخطاب السياسي، بحيث تستغل هذه المصطلحات من التحرير والمساواة وغيرها لتحقيق المكاسب السياسية. وتؤكد الكاتبة على أهمية البحث عن المشتركات، وعن نقاط التشابه لا الاختلاف، وأنه يجب على الحكومة الفرنسية وغيرها من الحكومات الغربية أن تحتفي بالتنوع، وتعتبره إضافة وعنصر قوة لمجتمعاتها بدلاً من العمل على قمعه.