تواجه الأمة العربية الآن خطر التقسيم والتشتت والتشرذم إلى دويلات صغيرة من أجل تحقيق أهداف المستعمر القديمة التي تتجدد هذه الأيام بفك عرى الوحدة داخل الوطن والدولة الواحدة وجعلها مجرد كيانات صغيرة يسهل له السيطرة التامة عليها لتحقيق مخططاته التي ترمى في اتجاه خدمة الكيان الصهيوني والسيطرة على مقدرات هذه الأمة. وبالرجوع إلى التاريخ وتحديدا "سايكس بيكو" التي كانت وبالا على العرب برمتهم نجد أنه بينما كان نشاط الصهيونية يتزايد في فلسطين بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908، وبسبب الفساد والرشوة في الإدارة العثمانية، كانت الدوائر الاستعمارية الأوربية ترسم الخطط السرية فيما بينها لاقتسام الدولة العثمانية، والتي كانت مظاهر تدهورها وانهيارها بادية للعيان. وبالفعل توصلت كل من بريطانيا وفرنسا في 16 مايو 1916، إلى عقد معاهدة سرية "سايكس بيكو" لاقتسام المشرق العربي فيما بينهما وذلك بينما كانت نيران الحرب العالمية الأولى مستعرة بين بريطانيا وفرنسا وحلفائها من جهة والدولة العثمانية وألمانيا وحلفائهما من جهة ثانية . وبموجب معاهدة سايكس بيكو، قسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي باستثناء شبه الجزيرة العربية إلى خمس مناطق، ثلاث مناطق ساحلية هي المنطقة الزرقاء (السواحل اللبنانية السورية وأعطيت لفرنسا)، الحمراء (السواحل العراقية من بغداد إلى البصرة وأعطيت لبريطانيا)، والسمراء (فلسطين)، ثم منطقتين داخليتين رمز لهما بحرفي (أ) للمنطقة الداخلية السورية، و(ب) للمنطقة الداخلية العراقية ، وظلت سايكس - بيكو سراً لا يدري به العرب، إلى أن نشرتها الحكومة السوفيتية في روسيا بعد الثورة الشيوعية سنة 1917. وبالنظر إلى ما حدث ويحدث فى العراق عقب الغزو الأمريكي له عام 2003 نجد أن تقسيم العراق أضحى اليوم حقيقة ميدانية ملموسة ومسألة وقت ، حيث أن تقسيم العراق لثلاث دول سنية وشيعية وكردية مخطط قديم نسجت خيوطه أياد أمريكية غربية إسرائيلية . ومن العراق ننتقل إلى السودان الذي تم تقسيمه بالفعل إلى دولتين في الشمال والجنوب ، وتم تأسيس دولة جديدة في الجنوب بدعم أمريكي وصهيوني خالص ، ستكون آثارها سلبية ومدمرة على مستقبل المنطقة، وقد تتسبب أيضا ببروز تحديات جديدة إقليمية، بالإضافة إلى التهديدات التي ستشكلها للدول الإسلامية والعربية. وما يحدث في مصر من محاولات لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين ومحاولات خرق النسيج الوطني تحت دعاوى التقسيم الآتية من جهات ممولة من الخارج . وبالأمس فوجئنا بما نشرته صحيفة "القدس العربي" من أن مصادر ليبية أعلنت أن قبائل الشرق الليبي تستعد لإعلان برقة إقليماً فيدرالياً، ومن المتوقع أن يجتمع نحو ثلاثة آلاف سياسي وزعيم قبيلة ليبية بمدينة بنغازي الثلاثاء لإعلان إقليم برقة الممتد من حدود مصر في الشرق إلى سرت غربا فدرالية اتحادية تستمد شرعيتها من الدستور الذي أقر إبان عهد الملك الراحل إدريس السنوسي عام 1951. وعلى هذا تؤكد شبكة الإعلام العربية "محيط" أن مخاطر التقسيم لا تخص بلدا بذاتها أو إقليما بعينه بل هي مثل السرطان المستشري في الجسد يمتد ويتوغل أكثر وأكثر إذا لم يتم البتر والعلاج الحاسم ، ورفض تلك المخططات الاستعمارية التي تهدف إلى تمزيق الكيان الوطني الواحد. كما نقول أن الوطن العربي بأكمله يمر بمرحلة عصيبة تحتاج إلى تضافر جهود أبنائه لصد دعاوى التمويل التي تهدف إلى التقسيم لخدمة الكيان الصهيوني وقوى الاستعمار العالمي ، وندعو مجددا الشعب الليبي وكافة الشعوب العربية إلى النظر بعين الحذر لما يحاك ضدها وصده والذود عن أوطانها والحفاظ عليها ككيان واحد غير مفتت أو مقسم .