يتوجه الناخبون الروس الى صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل لانتخاب رئيس جديد من بين خمسة مرشحين يتنافسون على منصب رئيس روسيا ، في سادس انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ اقامة النظام الرئاسي بها عام 1991.
وستجري الانتخابات الرئاسية في روسيا بموجب القرار الصادر عن مجلس الاتحاد الروسي (المجلس الاعلى للجمعية البرلمانية الفيدرالية)، حيث سينتخب الرئيس الروسي لأول مرة لمدة 6 سنوات ( وكان ينتخب سابقا لمدة 4 سنوات).
وستجري الانتخابات الرئاسية بعد مضي 4 أشهر على الانتخابات البرلمانية التي أثار فرز الأصوات وإجراؤها استياء لدى الأوساط الواسعة في روسيا ، واعقبتها اقامة تظاهرات احتجاجية تحت شعار " من أجل الانتخابات النزيهة "، ويزداد الاستياء في المجتمع ككل.
وينص قانون انتخاب رئيس روسيا الاتحادية على أنه يحق لأي مواطن روسي يقطن في روسيا بشكل دائم خلال فترة لاتقل عن 10 سنوات ويبلغ سنه 35 عاما بأن ينتخب رئيسا لروسيا الاتحادية، وهناك بعض القيود الأخرى المفروضة على المشاركة في الانتخابات والتي تم ذكرها في المادة الثالثة للقانون ، وهي أن يكون غير محكوم عليه وعدم حيازته على جنسية أجنبية.
وهناك طريقتان للمشاركة في الانتخابات .. الأولى طريقة ترشيح ذاتية، ويحق لكل مواطن في روسيا الاتحادية بأن يترشح للرئاسة الروسية مع شرط أن يشكل فريقا لايقل عدد الناخبين فيه عن 500 مواطن يتمتعون بحق الانتخاب ويجمع فيما بعد ما لايقل عن مليوني توقيع للناخبين وما لايزيد عن 2 ر1 مليون توقيع من الناخبين بحيث يأتي من كل كيان فيدرالي (اقليم فيدرالي ما لايزيد عن 50 ألف توقيع) وذلك لتقديمها الى لجنة الانتخابات المركزية التي تتخذ قرارا بتسجيل المرشح.. والثانية : طريقة الترشيح من قبل حزب ، ويقوم المؤتمر الحزبي بترشيح أحد عناصره.
أما المرشحون الذين ترشحهم أحزاب غير متمثلة في مجلس الدوما الروسي ، فيجب عليهم أيضا جمع ما لايقل عن مليوني توقيع للناخبين .. ويحق للرئيس الروسي بموجب الدستور بأن يشارك في الانتخابات الرئاسية للولاية الثانية.. وكان الرئيس الروسي الحالي دميتري مدفيديف أعلن أكثر من مرة احتمال مشاركته في الانتخابات الرئاسية لكن مؤتمر حزب "روسيا الموحدة" رشح رئيس الوزراء بوتين للرئاسة الروسية وأبدى مدفيديف له تأييده ، أما بوتين فعرض عليه بدوره أن يشغل منصب رئيس الوزراء في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية .
المرشحون الخمسة المتقدمون إلي الرئاسة فهم ، فلاديمير بوتين البالغ من العمر 59عاما وسبق أن شغل منصب رئيس الوزراء وتم ترشيحه من قبل حزب "روسيا الموحدة"، كما تم دعمه من قبل حزب "مواطنو روسيا" ، وسبق له أن شارك في الانتخابات الرئاسية عام 2000 حين حصل على نسبة 53 \% من أصوات الناخبين والانتخابات الرئاسية عام 200 وحصل على نسبة 71 \% من أصوات الناخبين .
ومن ضمن المرشحين الخمسة " غينادي زوغانوف" البالغ من العمر 67 عاما رئيس اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الروسي ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب الشيوعي الروسي بمجلس الدوما ، وتم ترشيحه من قبل الحزب الشيوعي الروسي الذي يحتل حزبه المرتبة الثانية في مجلس الدوما الروسي ، كما تم دعمه من قبل الجبهة اليسارية، وسبق له أن شارك في الانتخابات الرئاسية عام 1996 حيث حصل على نسبة 03ر32 \% بالجولة الاولى ونسبة 31 ر40 \% بالجولة الثانية من أصوات الناخبين (المرتبة الثانية)، والانتخابات الرئاسية عام 2000 حين حصل على نسبة 21 ر29 \% من أصوات الناخبين (المرتبة الثانية) ، والانتخابات الرئاسية عام 2008 حيث حصل على نسبة 72 ر17 \% من أصوات الناخبين (المرتبة الثانية).
وقد أعلن غينادي زوغانوف عن برنامجه لإصلاح سياسة البلد الداخلية والخارجية في حال فوزه، ويشمل برنامج الحزب الشيوعي في السياسة الخارجية زيادة دور الأممالمتحدة والحد من تأثير الناتو ، كما تعهد زوغانوف بحياة أفضل للمواطن الروسي ممزوجة بتكرار لهجة التنديد بالسلطة الحالية.
والمرشح الثالث هو فلاديمير جيرينوفسكي البالغ من العمر 65 عاما ويشغل منصب رئيس الحزب الليبيرالي الديمقراطي الروسي ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب بمجلس الدوما ، وتم ترشيحه من قبل الحزب الليبيرالي الديمقراطي ، وسبق له أن شارك في الانتخابات الرئاسية عام 1991 حين حصل على نسبة 81 ر7 \% من أصوات الناخبين (المرتبة الثالثة) ، والانتخابات الرئاسية عام 1996 حين حصل على نسبة 7 ر5 \% من أصوات الناخبين (المرتبة الخامسة) ، والانتخابات الرئاسية عام 2008 حيث حصل على نسبة 35 ر9 \% من أصوات الناخبين (المرتبة الثالثة)، وقد أعلن فلاديمير جيرينوفسكي عن دعم حزبه لانتخاب السلطة التنفيذية على جميع المستويات.
والمرشح الرابع هو " سيرغي ميرونوف" البالغ من العمر 57 عاما رئيس مجلس النواب في حزب "روسيا العادلة" ورئيس الكتلة البرلمانية لحزب " روسيا العادلة " بمجلس الدوما ، وتم ترشيحه من قبل حزب "روسيا العادلة "، وسبق له أن شارك في الانتخابات الرئاسية عام 2004 حين حصل على نسبة 75 ر0 \% من أصوات الناخبين (المرتبة السادسة) ، وقد ركز سيرغي ميرونوف بشكل أساسي على ضرورة تغيير القانون الانتخابي في روسيا لمنع بوتين من تسلم الرئاسة أكثر من مرتين ، كما أكد إستعداده أن يصبح رئيسا لفترة انتقالية.
الخامس للانتخابات الرئاسية الروسية هو " ميخائيل بروخوروف" البالغ من العمر 46 عاما ويشغل منصب رئيس شركة "أونيكسيم" للمسئولية المحدودة .
ويعد بروخوروف الذي تقول التقارير أنه ثالث أغنى رجل في روسيا ، من كبار رجال الصناعة في قطاع المعادن الثمينة ، وهو أيضا زعيم سابق لحزب القضية الصحيحة التي حصلت فقط على 59 ر0 \% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة .
وأظهر آخر استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا (وهو أكبر مركز مستقل لاستطلاعات الرأي في روسيا) الأسبوع الماضي قبل انتخابات الرئاسة الروسية ، أن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين سيفوز بنحو ثلثي الأصوات أي بنسب تتراوح ما بين 63 \% و 66 \% من الأصوات بفارق كبير عن أقرب منافسية ليتفادى بذلك خوض جولة إعادة، حيث يأمل بوتين أن يحقق فوزا مقنعا بالانتخابات لتخفيف حدة حركة احتجاج متنامية في المدن تصوره على أنه زعيم مستبد يحكم من خلال نظام سياسي فاسد .
ورغم الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها بوتين في الداخل الروسي ، إلا أن عودته إلى سدة الحكم انتقدت من طرف عدد من رجال السياسة الروس ومن بين أبرزهم الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف الذي اتهم بوتين بافساد النظام الديمقراطي الانتخابي في روسيا، مضيفا أنه لا ينبغي لبوتين أن يترشح لفترة رئاسية جديدة .
وقال جورباتشوف إنه كان ينبغي على روسيا أن تقطع شوطا أكبر في التوجه نحو الديمقراطية في العقدين الأخيرين محملا بوتين المسئولية عن ذلك ، وان كان قد اشار الى أن بوتين وفريقه يمثلون الاستقرار الذي يقتل التنمية ويؤدي إلى الجمود ، وقد أعترف جورباتشوف بأن عهد بوتين قد شهد بعض الانجازات ، إلا أنه يعارض ترشيح رئيس الوزراء نفسه في الانتخابات المقبلة قائلا "إن الوقت قد حان للتغيير ، وإن السنوات الخمس أو الست المقبلة ستكون حاسمة ، فإذا لم تنجح روسيا في استغلال هذه الفرصة لتحديث ديمقراطية مجتمعها ستبقى متخلفة إلى الأبد".
وكان بوتين قد أدخل تغييرات جذرية في النظام الانتخابي عندما كان رئيسا للبلاد ، منع بموجبها المرشحون المستقلون والأحزاب الصغيرة من دخول البرلمان وأخضعت الأقاليم للسلطة المركزية.
ويتمتع بوتين بشعبية واسعة لدى الروسين حسب المحللين السياسيين ، وذلك راجع بالأساس إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة، لإنقاذ روسيا من الانزلاق إلى الهاوية ، والتي أجراها إبان فترتي حكمه السابقتين والتي جعلت البلاد تستعيد بعضا من عافيتها الاقتصادية، بعد سنوات من التخبط والعشوائية أثناء حكم سلفه بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي .
ويرى المحللون السياسيون ، أن فلاديمير بوتين ، الذي رأى النور في 7 أكتوبر 1952، لم يكن معروفا على الإطلاق قبل تعيينه رئيسا لجهاز المخابرات الروسي في يوليو 1999، وكان اختياره لمنصب رئيس الوزراء مفاجأة للجميع ، كما أن توقيت رئاسته للوزراء كان حاسما، فقد جاء في نهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوريس يلتسين ، ومكنه ذلك من الحصول على فرصة خلافته في المنصب .
وبوتين، الذي قام والده فلاديمير سبيريدونوفيتش بوتين بالمشاركة في الحرب العالمية الثانية دفاعا عن لينينغراد ، هو خريج كلية الحقوق بجامعة لينينغراد سنة 1975، وقام بأداء الخدمة العسكرية بجهاز أمن الدولة ، كما حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد، ويجيد اللغتين الألمانية والإنجليزية ، ولم يرد بوتين بداية حضور دروس اللغة الألمانية، لأن النازيين أصابوا والده وقتلوا جدته واثنين من أعمامه ، لكنه في وقت لاحق أبدى بعض المرونة وأصبح يتحدث الألمانية بطلاقة ، الأمر الذي قاده إلى أن يصبح جاسوسا للمخابرات السوفيتية في ألمانيا.
وفي المدرسة ، لم يكن بوتين موهوبا في الرسم والغناء، ولم يتحمس كثيرا لتعلم العزف على آلة الأوكورديون التي كان والده يرغب في أن يتعلمها ، كما كان يرافق المشاغبين في المدرسة لبعض الوقت ، لكنه قال لمدرسته في وقت لاحق إنه كان يريد فقط معرفة ما يتحدثون عنه، كما كان بوتين يحب الإطلاع على مذكرات زملائه في المدرسة .
وعقب تخرج بوتين تم تكليفه بالعمل في لجنة مخابرات الدولة "كي جي بي" بالإتحاد السوفيتي سابقا، وفي 1984 ، تم إرساله إلى أكاديمية الراية الحمراء التابعة ل"كي جي بي" ومدرسة المخابرات الأجنبية ، وعقب انتهائه من الدراسة في 1985 تم تعيينه للعمل بجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة في الفترة ما بين 1985 -1990.
ثم توالت المناصب التي شغلها بوتين بسرعة البرق حيث أصبح مساعد رئيس جامعة لينينغراد للشئون الخارجية بداية عام 1990، وبعدها مستشارا لرئيس مجلس مدينة لينينغراد ، وفي يونيو 1991 تولي رئاسة لجنة العلاقات الاقتصادية في بلدية سانت بيترسبورغ، ثم أصبح النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سانت بيترسبورغ في سنة 1994.
وفي أغسطس 1996، أصبح نائبا لمدير الشئون الإدارية في الرئاسة الروسية ، ثم نائبا لمدير ديوان الرئيس الروسي ورئيسا لإدارة الرقابة العامة في الديوان منذ مارس 1997، وفي مايو 1998 أصبح نائبا أول لمدير ديوان الرئيس الروسي ، وبعدها بأسابيع تولى منصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي في روسيا الاتحادية ، وبعدها بعام شغل بوتين منصب أمين مجلس الأمن في روسيا الاتحادية لمدة خمسة أشهر ليصبح بعدها رئيسا لحكومة روسيا الاتحادية.
وفي 31 ديسمبر 1999 ، تولى مهام رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة وذلك بعد تنحي الرئيس السابق بوريس يلتسين ، ثم تم انتخابه رئيسا لروسيا الاتحادية في 26 مارس 2000، وأعيد انتخابه رئيسا لروسيا مرة أخرى في 14 مارس عام 2004 ، وقد اكتسح الانتخابات بغالبية الأصوات.
خلال فترة رئاسته، عمل فلاديمير بوتين على تعزيز السلطة المركزية ، وإحداث التوازن في العلاقات بين الجهاز التشريعي ووكالات تطبيق القانون ، والحفاظ على نمو اقتصادي مستقر ، كما بلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي في روسيا حوالي 7 \% سنويا، بالإضافة للانخفاض الملحوظ لكل من التضخم والبطالة ، وارتفع الدخل الحقيقي للسكان بنسبة 50 \% ، كما عملت الحكومة على تسديد ديون خارجية تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، ووصل الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي إلى رقم قياسي وهو 84 مليار دولار مما يدل على الانتعاش المالي التي حظيت به روسيا في عهده، فقد أصبح الاقتصاد الروسي واحدا من أكبر عشر اقتصاديات في العالم .