يخطئ من يتصور أن الفقير لله يكن مثقال ذرة عداء أو كراهية واحدة للقوات المسلحة، بل العكس هو الصحيح. وما نتطرق إليه من سلبيات وطرح للعلاج، هو بمثابة انتصار لتلك القوات ولأجهزتنا الأمنية، ودفاعا عنها، ولقد قال رسولنا الحبيب محمد بن عبد الله "صلي الله عليه وسلم"، ما معناه انصر أخاك ظالما أو مظلوما.
ونصرة المظلوم معروفة، أما نصرة الظالم فهو رده عن ظلمه، وهنا نقول: إن العقل البشري مهما بلغ من علم وتفكير، وامتلك من أدوات تخطيط وفكر، فمن الممكن أن يخطئ، لاسيما ان المؤسسة العسكرية الحاكمة تخطط لها نفس الأجهزة التي كانت تخطط لنظام مبارك. نفس الكوادر ونفس العقول.
ومن هنا تبدو توجهات قادتها للعيان مشابهة لتوجهات حكم مبارك بالنسبة لإدارة الشئون الرئيسة في هذا الوطن، ومن هنا تجيء الأخطاء المتكررة التي يرتكبها إخواننا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي لا يمكن أن نقف منها موقف المتفرج، وسنتصدى لها بكل ما أوتينا من فكر وعلم، وذلك من منطلق حرصنا على كرامة الجيش المصري العظيم وعلى سمعته.
وهنا يتوجب أن نكشف قاصري التفكير، من ضيقي الأفق، أو من دعاة الشخصنة الذين أعمى الحقد قلوبهم، وهؤلاء باتوا منتشرين للأسف في كل المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية والثقافية، ويجيء انتشارهم لكون أن النظام المنهار وفلوله يستعينون بهم، حيث لم يتم تطهير مؤسسات الدولة منهم بعد.
وكان النظام البائد يستعين بهؤلاء المشار إليهم، على اعتبار أن تلك الصفات كان يتصورها مبارك وتشكيله الإجرامي ميزات، ويذكي أصحابها ويحتضنهم، تلك الكائنات البشرية المشوهة من داخلها، والتي تعمل على الخلط الآن ما بين مصر وقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وخصوصا من يعمل منها بوسائل الإعلام المختلفة، والتي تستضيف عناصر على شاكلتها.
والمعروف أنهم كانوا من قبل أيضاً يخلطون بين مصر والرئيس المتنحي "حسني مبارك"، على اعتبار أن من ينتقد "مبارك" وسياساته، فإنه ينتقد الدولة المصرية، ومن يسعى لهدم نظامه والإطاحة به فكأنه يهدم الدولة المصرية.
تلك العدوى وهذا المنهاج في التفكير انتقل الآن للمجلس العسكري، وبات من ينتقدون المجلس العسكري يتم اتهامهم بأنهم يستهدفون مصر الدولة، وهو منطق مرفوض تماما؛ لكون أن الدولة المصرية وجيشها في حدقات عيوننا، وإن أخطأ قادة هذا الجيش فهم ليسوا معصومين من الخطأ.
وكل ما هنالك أنهم ارتضوا أن يلعبوا دورا سياسيا، ومن هنا يجوز نقدهم، بل من المفترض توجيه هذا النقد لسياساتهم إن ارتكبوا أية تجاوزات، وهو ما حرص السيد المشير على تأكيده دوما، عبر تركيزه على أنه لا أحد فوق القانون، إلا أن أصحاب العقول القاصرة والأفق المحدود باتوا ملكيين أكثر من الملك.
وهم كالدببة التي تقتل أصحابها، مع العلم هنا أنهم ليسوا بأصحاب للمجلس وإنما مستفيدين منه ومنافقين، ونثق أن السيد المشير سيلتزم بما قاله ويحيل كل عسكري ارتكب تجاوزا بحق الشعب للتحقيق والمحاكمة؛ حرصا على سمعة جيشنا العظيم.
وثمة نقطة نريد أن نجليها لتكون واضحة للجميع، ألا وهي أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يلعب مع من يقول إنهم خصومه لعبة القط والفأر، وهي لعبة كان يلعبها معهم من قبل الرئيس المتنحي حسني مبارك، ويبدو أن المجلس ورثها عن الرئيس المخلوع عقب تنحيه وتنازله عن السلطة له؛ لكون أنهم رجاله، وأجهزته.
وتلك اللعبة لها طرفان يلعبان على أرضية واحدة وهي الليبرالية وموالاة الحلف الصهيوني الأمريكي، فواشنطن تحلم بعد الثورة أن يقتنع قادة الجيش في مصر بمبدأ تسليم السلطة للمدنيين، وتحبذ أن يكون هؤلاء المدنيون من تحسبهم رجالها من الجماعات الليبرالية التي لا تضع للدين أو للفضيلة معنى في تحركاتها، إلا إذا ما كان هذا المعنى ينسجم مع المفاهيم الأمريكية والأوربية ورؤيتهم المنفتحة للحضارة.
ومن هنا تدور بميدان التحرير بمصر معارك تكسير عصام ما بين الجماعات الليبرالية الثائرة المختلفة، وعناصر ثورية غير منظمة، وبين قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذين يريدون أن يحسموها لصالحهم حتى وإن تسبب ذلك في تشويه صورة الجيش في عيوننا وعيون العالم، وهو ما لن نسمح به على الإطلاق كثوريين ننتمي لوطننا وعقيدتنا ولأمة عربية إسلامية عظيمة أولا وأخيرا وقبل أي شيء.
والفقير لله هنا يعبر عن تصوراته الخاصة، ويرى أن قادة الجيش التزموا بخارطة طريق منذ تسلمهم قيادة مصر، ويسيرون بها إلى بر الآمان، وهم أوشكوا الآن على أن يتموا مخططهم في هذا السياق بشكل لا يرضي الجماعات الليبرالية الثورية واليسارية والعلمانية؛ لكون أن تلك الجماعات وجدت التيار الإسلامي يكتسح الانتخابات، وفي حالة تفاهم تام مع الجيش.
ومن هنا جاء اتهامها للجيش بالتحالف مع هذا التيار والاستقواء به لاقتسام السلطة، وإخراج تلك الجماعات الليبرالية واليسارية والعلمانية من الميدان بتمثيل هزيل بالبرلمان، وبالتالي سيكون دور تلك الجماعات بالتبعية هزيل عند إعداد الدستور الدائم.
ولقد مارست الولاياتالمتحدة ضغوطا مكثفة علي القادة العسكريين بوطننا لكي يضعوا دستورا يمكن الجماعات الليبرالية من الحكم تماما بمصر، ومن خلاله يتم استئصال التيار الإسلامي أو الحد من نفوذه، وكان هذا معناه أن حدث إبعاد الجيش المصري تماما عن الحياة السياسية، وتسليم مقدرات الوطن للحكم المدني، وهو ما أيقنته الأجهزة المخططة بمصر، عندما وضعت الخارطة المشار إليها.
لذا جُنَّ جنون العناصر والجماعات المشار إليها فبدأت تعتصم وتنظم تظاهرات وتحاول عرقلة العملية الانتخابية بمصر، وكان من الممكن أن تترك تلك الجماعات تعبر عن وجهات نظرها في إطار القانون والإعلان الدستوري، ولكن بقايا أجهزة مبارك التي لا تزال تخطط رأت أن تدفع بالبلطجية وتحالفت مع فلول بالحزب الوطني المنحل لتدافع عن مصالحها.
ودفعت بعناصر إجرامية وسط الجماعات الليبرالية لتسرق وتخرب وتحرق وتحاول أن تصور أن تلك الجماعات لا تنتمي إلى ثورة مصر وأن عناصرها بلطجية، وهذا المخطط الفاسد كان يجافي الواقع وأساء للجيش أبلغ إساءة؛ لأنه لو افترضنا ما قاله أكثر من عنصر بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة من أن عناصر ليبرالية تتلقى تمويلا أمريكيا أم غير أمريكي، فالبينة على من ادعى والقضاء موجود.
إن إلقاء التُّهم جزافا غير مقبول، ونحن نرى أنه يتوجب أن يعاقب من تورطوا في وضع هذا السيناريو المقيت، ومن أعطوا الأمر بتنفيذه أيا كانت مواقعهم.
وأول أمس خرجت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون بتصريحات، نرفضها جملة وتفصيلا، تخلط خلالها ما بين تجاوزات ارتكبتها عناصر على علاقة بمن يديرون مصر بحق متظاهري التحرير، وبين الجيش المصري.
خرجت لتقول: إن التجاوزات ألحقت العار بجيش مصر –لا فُض فوهها- ونقولها للسيدة هيلاري إن جيش مصر العظيم، جيش أكتوبر، وجيش البطولة، وجيش الانتصارات على مدار تاريخه لم يخلق بعد حتى الآن من يلحق العار به.
وإن كان عارا لحق بهذا الجيش فهو عار الرئيس المتنحي حسني مبارك الذي ورط جيشنا من قبل في مغامرات مع الجيش الأمريكي ألحقت بجيشنا للأسف ما يسجل سلبيا في تاريخه.
أما لكون أن عناصر بالجيش تجاوزت بحق مصريين في ظروف معينة؛ فإن لدينا قانونا نثق أنه سيأخذ مجراه، ولجيشنا قائد وهو المشير طنطاوي نثق في أنه سيتدخل للانتصار لمن ارتكبوا أخطاء من أبناء هذا الجيش بحق شعبنا.
وعلى الأمريكان أن يعلموا أن الجيش المصري هو أخي وأبي وابني وخالي وعمي، وأختي وأمي وخالتي وعمتي، ولا توجد أسرة لدينا إلا ومنها مجند داخل هذا الجيش الذي يعرف تماما كيف يقتص ممن يسيئون للمصريين وللمصريات، حتى وإن كانوا من بين أبنائه.
ذلك، لأن المشير طنطاوي يعرف أن بناتنا الذين سحلن وأُهدرت كرامتهن، وأولادنا الذين قتلوا بالرصاص بمثابة أبناء وبنات له، ولكل قائد داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
لذا فإننا هنا بكل ذرة حب موجودة بكياننا للجيش المصري نناشد السيد المشير إحالة من قتلوا وارتكبوا تجاوزات بحق أبناء شعبنا بالتحرير وغيره من أبناء القوات المسلحة لمحاكمات عاجلة حتى يكونوا عبرة لكل من يتجرأ على إهدار كرامة وحرية مصري أو مصرية.
وإن لم يحدث ذلك فإننا نعطي الفرصة لأمثال السيدة هيلاري كيلنتون أن تقول ما قالته، وسنظل كشرفاء في هذا الوطن نشعر بمرارة داخلنا، من أن عناصر من جيشنا ورطت لتعتدي على شريحة من أبناء الشعب، وتنتهك أعراضها وتبيح دماءها، لأننا على قناعة أنه لا يوجد شيء في الوجود يساوي إهدار كرامة فرد.
والفقير لله يؤكد في الختام أننا عارضنا من قبل التحالف والشراكة الاستراتيجية سياسية كانت أم عسكرية بين الولاياتالمتحدة والنظام الحاكم في مصر، ورفضنا التبعية بشكل استراتيجي، وما زلنا نعارض تلك السياسات التي ورثها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وسنعارضها إن التزمت بها أية جماعات ليبرالية أم إسلامية تصل للحكم بوطننا. E-Mail: [email protected]