القصة الكاملة لجزيرتين أشعلتا قناديل الوطنية في كل ربوع المحروسة .."إحنا السند والمستند"

على مدار ما يزيد على تسعة أشهر استمرت حالة من الجدل داخل المجتمع عن مصير جزيرتي "تيران وصنافير" اللتين كانا من المفترض أن تنقتل السيادة عليها إلى المملكة السعودية بموجب اتفاقية وقع بين البلدين في الثامن من إبريل الماضي، وأحدث الاتفاق وقتها موجات غضب عارمة بين جموع المصريين في مختلف المحافظات رافضين انتقال السيادة عليهما من مصر إلى المملكة ووصلت حدة المواجهات بينهما إلى حبس عدد من النشطاء السياسيين فيما "بقضية الأرض" وانتقلت رحى المعركة إلى ساحات القضاء.
أمس أعلن القضاء حكمه برفض المحكمة الإدارية العليا لطعن الحكومة المصرية على قرار محكمة القضاء الإداري والذي أيد بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وقضت بالسيادة المصرية على الجزيرتين تيران وصنافير.
البداية
في إبريل الماضي زار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز القاهرة وخلال تلك الزيارة وقع مع نظيره المصري عدة اتفاقيات أبرزها وأكثرها جدلا كانت اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين والتي انتقلت بموجبها تبعية الجزيرتين "تيران وصنافير" الواقعتان في البحر الأحمر وتبعدان عن بعضهما البعض بنحو أربعة كيلو مترات.
وفي الوقت الذي وصفت فيه الحكومة المصرية الاتفاق بأنه "انجاز مهم سيمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة" كانت حمما بركانية قد حمي وطيسها واتسعت فوهتها لتخرج الي شوارع القاهرة والمحافظات رافضة ما سمي وقتها " بالإنجاز" وعلى النقيض خرجت قوى أخرى محسوبة على الحكومة والنظام تتبارى عدد من في تأليف كتب واستخراج وثائق تثبت سعودية الجزيرتين، كان أكثرها إثارة للدهشة والاستغراب تصريح ابنة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر أنها وجدت ضمن أوراق أبيها ما يثبت سعوديتهما واحتلال مصر لهما لأسباب أمنية !
ورغم محاولات الرئيس والحكومة التأكيد على أن أحدا لم يكن ليتنازل عن شبر واحد في أرض مصرية وأن الجزيرتين سعوديتان وما تم هو إعادة حقوق السعودية في الجزيرتين، تحرك عدد من المحامين كان على رأسهم المرشح الرئاسي السابق والحقوقي خالد علي وطارق العوضي ومالك عدلي إذ قاما برفع طعن أمام محكمة القضاء الإداري، حمل رقم 43866 لسنة 70 ضد قرار التوقيع على الاتفاقية، استنادا إلى المواد رقم 1 و151 من الدستور المصري.
ودعا عدد من النشطاء إلى التظاهر في الخامس عشر من إبريل أمام نقابة الصحفيين رفضا للاتفاقية والتنازل عن الأراضي المصرية حمل اليوم شعار "جمعة الأرض" وبالفعل خرج المئات في القاهرة وعدد من المحافظات مرددين هتافات منددة بالاتفاقية، فيما اشتبكت قوات الأمن مع المتظاهرين وألقت القبض على العشرات.
بعد انتهاء فعاليات جمعة الأرض والقبض على عدد من المتظاهرين عاود النشطاء التظاهر مرة أخرى في الخامس والعشرين من إبريل بالتزامن مع احتفالات عيد تحرير سيناء، إلا أن قوات الأمن كثفت من حملات إلقاء القبض على النشطاء وأحكمت سيطرتها على الشارع وفشلت التظاهرات في ذلك اليوم.
وواجه الشباب المقبوض عليهم إثر تلك التظاهرات تهم منها التحريض على استخدام القوة لقلب نظام الحكم، التحريض على مهاجمة أقسام الشرطة، استخدام العنف والانضمام إلى جماعة إرهابية وعلى إثر ذلك حكم عليهم بالسجن ما بين عامين إلى خمسة فضلا عن إخلاء سبيل آخرون بكفالات وصلت إلى مائة ألف جنيه حتى أفرج عنهم جميعا مؤخرا.
الاحتكام للقضاء في السابع عشر من مايو الماضي عقب نحو شهر من توقيع الاتفاقية كانت أو جلسة لنظر الدعوى المرفوعة لوقف تنفيذ الاتفاقية برئاسة المستشار يحيى دكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة، وانتهت الجلسة بتأجيل الدعوى إلى 7 يونيو وأحالت المحكمة الدعاوى المقدمة لوقف تنفيذ الاتفاقية إلى هيئة مفوضي الدولة لإصدار تقريرها القانوني فيها.
وتأجلت القضية بعد ذلك حتى صدر الحكم في 21 يونيو الماضي في الدعوى رقم 43866 لسنة 70 المقامة من قبل خالد علي أمام محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وفي اليوم نفسه قدمت الحكومة طعنها على القرار أمام المحكمة الإدارية العليا لوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري.
ومن ثم حددت المحكمة الإدارية العليا في يوم 23 يونيو جلسة عاجلة يوم 26 يونيو 2016 لنظر الشق العاجل في طلب هيئة قضايا الدولة بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية، وقدم فريق الدفاع طلب لرد المحكمة التي تنظر الشق العاجل وبالفعل قُبل الرد وتغيرت هيئة المحكمة.
وتقدمت هيئة قضايا الدولة الممثلة للحكومة بطلب إلى محكمة الأمور المستعجلة بوقف تنقيذ حكم محكمة القضاء الإداري القاضي ببطلان الاتفاقية، وبالفعل قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 29 سبتمبر بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري مؤكدة أن الحكم باطل وأن الاتفاقيات الدولية تقع ضمن الأعمال السيادة التي تنأى عن رقابة القضاء.