أنا الرائد أحمد شومان من الجيش المصري أؤكد لكل من يهمه الأمر.. أن الدفاع عن ثورة "الحلم والأمل" هو واجب وطني، على كل مصري... سواء كان ضابط أو عامل أو فلاح ..أو في أي مهنة كانت. وأؤكد أن تهمة الانشقاق والخيانة.. إنما يجب أن توجه إلى كل من تخاذل عن نصرة الثورة، وعمل على قتلها، وأصدر أوامره باراقة دماء الثوار، الذين هم أطهر وأشرف من في مصر. كما أنني لم ولن أنشق عن الجيش المصري، ولم ولن أتنازل عن حقي في الدفاع عن الثورة حتى الموت، لأن الثورة هي ثورة الشعب، والجيش هو جيش الشعب.. وأبريء نفسي من أن يكون لي أي غرض أو مطمع شخصي من انضمامي لثوار التحرير من جديد، وإنما هدفي هو الدفاع عن الثورة، ووقف اراقة دم المصريين. فمنذ عام 1993 عندما سمعت أذناي لأول مرة، شعارًا من ثلاث كلمات (الواجب – الشرف –الوطن) وقتها كان عمري أقل من 19 سنة، وكان اليوم هو أول أيام دراستي في الكلية الحربية المصرية، وكانت هذه الكلمات الثلاث، وماتزال، شعار الكلية الحربية، سمعتها بأذني، فارتجف جسدي وملأته قشعريرة أتذكرها حتى الآن، وانتابني احساس بالفخر، أنني من طلبة هذه الكلية، وكنا عندما نعرِّف أنفسنا، كنا نبدأ بكلمة (طالب مقاتل ) يا الله...ما كل هذا الفخر والشرف، أنا مقاتل .. وكانت أكثر عبارة أسمعها على مدار اليوم لي ولزملائي، عندما يخطيء أحدنا، في أي شيء ولو بسيط، هي ( ازاي تعمل كده..انت هتتخرج ظابط)، بالاضافة إلى أقوال مأثورة كنت دائما أقف أمامها، أتأمل معانيها، مثل (الضابط فارس – الضابط شجاع – لا يكذب –لا يخاف- لا يهاب الموت - ....إلخ). وتخرجت من الكلية، وحضر حفل تخرج دفعتي، القائد الأعلى "الرئيس مبارك" والقائد العام "المشير طنطاوي"، وأصبحت ضابطًا، واخترت أن أكون بسلاح المشاة..وكيف اختار سلاحا غير المشاة.. فالمشاة هي (سادة المعارك). وبدأت حياتي العملية بروح معنوية عالية جدا، تصل إلى نجوم السماء، ولكن شيئا فشيئا ، وبمرور الأيام والشهور والسنين، كانت تنخفض هذه الروح إلى أن وصلت الأرض، وعلى الأرض بدأت أرى ما كنت لااراه، وأدرك ماكنت لا أدركه، واستشعر ما كنت لا أحس به أصلاً. ما هذا..؟ هل هذا حقيقي ، أين أنا وأين نحن وأين مصر..؟ قرأت التاريخ فوجدته ذهب ومضى، ولا يوجد من معالمه إلا اثارًا تدل على أنه حدث.... هربت لأمارس حياتي خارج نطاق عملي ، فوجدت أن الحياة خارج الجيش لا تقل سوءا بل تزيد.. الفساد ينتشر ، والخير يقل، والجهل يعم، والبركة تنعدم، أما الخوف فكان يعشش داخل الجميع، وأدركت أن الخوف هو السبب الرئيسي لكل أمراض المجتمع الذي نعيش فيه، واتسعت دائرة الخوف داخلنا جميعا لتكسر ارادتنا، فردًا فردا، حتى كسر الخوف ارادة الوطن، وأصبحنا نخاف كل شيء حتى الخوف من أن نرى حقيقتنا، فامتلأت حياتنا بالكذب، وأصبح مبدأنا هو أن يكذب الجميع على الجميع، ومن يكذب أكثر، يعيش أفضل. يا الله.. هل هذه هي مصر؟ مصر مهبط الأديان وأرض الحضارات؟! هل هذه هي مصر مزرعة يوسف النبي الذي أنقذ منها العالم من الجوع؟ هل هذه هي مصر مهبط التوراة بكل علومها؟ هل هذه هي مصر التي احتمت بها مريم العذراء وصغيرها؟ هل هذه هي مصر التي أوصى بها وبشعبها سيد الخلق محمد؟ هل هذه هي مصر الحضارة التي لا تزال إلى الآن لم تبوح بكل أسرارها؟ لا والله ليست هذه هي مصر..إذًا أين مصر ؟؟ تاه الجميع وسيطر الاحباط على الآمال والطموحات. ولكن كنت دائما أشعر أن الله لن يتركها هكذا، وكان هناك احساس دفين أن شيئا ما سوف يُحدث التغيير في هذا الوطن ، هذا المارد المريض، الذي هو أمل الأمة بأكملها، فما يحدث في مصر يحدث في جميع بلاد الأمة وإن اختلفت الظروف، فجميع البلاد العربية محتلة، فمنها من يقع تحت سيطرة الاحتلال الفعلي على الأرض، ومنها من يقع تحت سيطرة احتلال الإرادة بالسيطرة على الحاكم وأنظمة الحكم، باستغلال ضعفه، وفساده، وحبه للجاه والمنصب كما هو الحال في مصر. ولكن ما هو الشيء الذي سوف يحدث ؟؟؟؟ هل هو انقلاب عسكري وشيك مثل ما حدث في عام 1952 ؟ لا ...الظروف الآن مختلفة، فالجميع يراقب الجميع، والجميع يخاف من الجميع، ولا مجال لأن يتفق اثنان فقط، على فعل أي شيء، ثم إنني شخصيًا كنت أتمنى الا يحدث ، فالانقلاب العسكري يُخضع الشعب مرة أخرى لمجموعة أخرى. فانقلاب 52 من وجهة نظري انتشل مصر من الوحل، وتركها بعد 60 سنة في الوحل. الأمل إذًا في قيام الشعب، ولكن ذلك شيء بعيد، فالشعب خاضع، والمجتمع مليء بالأمراض، التي غرسها فيه الحكام وأنظمتهم. ولكن لا يوجد شيء بعيد على الله، الذي أراد أن يحدث ذلك وألف بين قلوب المصريين، ووحدهم، وقام الشعب في ثورة هي أعظم ما في التاريخ المصري الحديث. يا الله.... الحُلم يتحقق ، والأمل يتجدد ، والنور يظهر من جديد.. ولكن نظام الحكم عنيد، يريد أن يحتوي الشعب، ويُقمع الثورة. أما أنا فأقوم بواجبي من خلال عملي ، كضابط بالجيش، ولكن قلبي متعلق بما يحدث في ميادين التحرير، ومن شدة قلقي على قمع هذا الحدث الجلل، استخرت الله..وقررت أن أكون واحدًا ممن يدافعون عن هذه الثورة..فسلمت سلاحي، وذهبت لأدافع عن حلمي الكبير، ومستقبل بلدي ومستقبل أولادي. لم أكن أسعى.. ولم أكن أتوقع أن أنال كل هذا الشرف، وانتصرت الثورة من وجهة نظر الثوار، وأنا منهم، فقاومت جميع الاغراءات والاغواءات وتركت الميدان وذهبت إلى عملي بنفسي، وسلمت نفسي، وقلت لهم بكل عزة ..نعم أنا سلمت سلاحي وناصرت الثورة واشتركت في اسقاط النظام، وأقسم بالله، لم أكن أعبأ بما سيحدث، فلست نادمًا أبدًا على ما فعلت، فالآن فقط، وجدت نفسي... وانعزلت عن العالم لمدة أسبوع، لا أعلم ما يدور خارج الغرفة التي احتجزت فيها، وبعد هذا الأسبوع نالني شرف آخر، بعد ان علمت أن الناس قدرت لي ما فعلت، ووقفوا بجانبي، ولأن في هذا التوقيت، كانت السلطة للشعب، خرجت من محبسي، سالما غانما بحب الناس.. ولكن النظام لم يستسلم، فلم نكن نعلم أن ما حدث، هو مراوغة سياسية، الهدف منها قتل الثورة، وقتل الحالة الثورية التي كان عليها الشعب، وبعد عشر شهور مضت.. أدركنا أن مصر تعود إلى الوراء وربما أسوأ، وبدلاً من ان يكفر الجميع عن ذنوب الماضي، وان يقوموا بواجبهم تجاه وطنهم، خاصة أن الشعب كان معبأ ومعنوياته في السماء وروح التضحيه والفداء والوطنيه تملأ قلوب الجميع.. إلا أنهم وبطرق شيطانيه مغلفة بالخضوع والضعف والتبعيه، استغلوا الطمع والجهل من بعض الناس، فقاموا ببث الفرقة بين الثوار، وأبعدوا الناس عن بعضهم، وتعارضت المصالح، وأصبح طموح الجميع أقل كثيرا من الحدث الذي وهبه الله لنا، وتم اختزال الثوره العظيمه في الحصول على مكاسب شخصيه لبعض التيارات والأشخاص في الاعلام والسياسة. والآن .. بدا واضحًا للجميع أن هدفهم، هو اغراق مصر في حالة من الفوضى، تستمر كثيرا، وعدم وضع أساس قوي لدولة قوية، لخدمة أهداف قوى غربية وتحييد مصر عما يحدث في الدول العربية. والله على ما أقول شهيد الرائد أحمد شومان