تعتبر أول هولوكوست بحق شعوب السبت 4 ديسمبر 1852 عام الخلية كاظم العبّودي: هولوكوست الأغواط إبادة جماعية تستحق التعويض محامية الثورة: فرنسا ترفض لكلمة "حرب" عندما تتحدث عن الثورة الجزائرية أول هولوكوست يحدث في التاريخ الحديث هو ما حدث في الأغواط تلك المدينةالجزائرية، فما حدث هو إبادة جماعية لثلثي سكان الأغواط في 4 ديسمبر 1852 ليسمي هذا العام في الجزائر باسم عام "الخلية" لأن البلاد خلت من السكان بعد مقتل نحو ألفي وخمسمائة شخص على يد ضباط الاحتلال الفرنسي آنذاك. كانت استراتيجية فرنسا في احتلال الجزائر هي القتل والتهجير فهدفت منذ اللحظة الأولى القضاء على المقاومة للتوسع بدون عائق وأبادت قرى كاملة لمجرد الشك في أنها تنضم للمقاومين، فبعد استسلام الأمير عبد القادر وأحمد باي في 1849 وجهت أنظارها نحو الأغواط التي كانت هدفهم منذ السنوات الأولى للاحتلال. ما اشبه الليلة بالبارحة وما اشبه ما يحدث في "سيرت" الليبية و"حلب "السورية و"الموصل" العراقية اليوم بما تقوم به قوى الاستعمار قديما، فقد أرسلت فرنسا أول رحلة استكشافية للأغواط عام 1844، أعدوا الخرائط " الطبوغرافية " للمكان على يد الجنرال "ماريموج" فجاء للولاية كجاسوس يتكلم العربية بطلاقة، فوجد في المدينة هيكلة سلطنة ونظام اجتماعي وبنيان متماسك ولم تكن الدولة حينها كما زعموا قبيلتين متقاتلتين من أجل الزعامة، وكان له استقبال رسمي. كان يحكمها آنذاك الزعيم أحمد بن سالم والذي وحد القبائل وعرفت المدينة الاستقرار في عهده ، فبدأت فرنسا تحطمها بالمكائد والدسائس، بإغراء قادة القبائل، وأدرك أحمد بن سالم القائم على الجيش المقاوم هو وعلي بن ناصر بن شهرة أن فرنسا تخطط لاحتلال الأغواط فبدأ الاستعداد للمقاومة منذ عام 1844م حتى جاء يوم الزحف تجاهها. لكنها أدركت أن سياسة ضرب الاستقرار بين القبائل بدون فائدة أمر لن يجد، وأرسلت حملة أخرى عام 1852 بقيادة الجنرال " لادميرول" جاء لإلقاء القبض على بن ناصر بن شهرة لكنه لم ينجح، وحينها أرسل تقرير إلى القيادة الفرنسية بضرورة إرسال حملة كبيرة لاحتلال مدينة الأغواط لأن احتلالها مهم ويحقق لها أهداف استراتيجية منها كسر المقاومة التي امتدت في الجنوب. الحملة على الأغواط وقرر وزير الحربية الفرنسي آنذاك تسخير قوة لغزو الأغواط وكسر المقاومة وتشكلت القوة بقيادة الجنرال يوسف المملوك وجاء على رأس حملة ثانية، والذي قرر بناء مركز عسكري جديد قريب من مدينة الأغواط في مدينة الجلفة وكان بمثابة مركز استطلاع للمنطقة وتحركات المقاومة. وتقدمت حملة أخرى بهدف القضاء على المقاومين بن ناصر بن شهرة والشريف محمد بن عبد الله لكن القبائل أذاقوهم وأوقعوا هزيمة نكراء بالفرنسيين، فأرسل الجنرال الفرنسي جوسيف رسالة إلى القيادة يطلب المدد وهو ما حدث فتلاحقت القوات تباعًا وبدأت الحملة الكبرى وكانت أولى معارك السيطرة على المدينة في 21 نوفمبر من العام 1852م. ما أن وصل الدعم من كل الجهات بدأ الهجوم المكثف على المدينة بتاريخ 2 ديسمبر 1852، بدأ بقصف مدفعي شديد استمر لثلاثة أيام فكانت المدينة محصنة جيدًا، لذلك استخدموا المدفعية لتحقيق الغلبة وعملوا فجوات قدروا على الهجوم البري من كل الجهات وحدثت خلال هذه الأيام الثلاث حرب شوارع ومعارك طاحنة. مقاومة الأغواط مقاومة الأغواط كانت بين قوتين غير متكافئتين بين شعب أعزل يدافع عن دياره وأكبر قوة عسكرية آنذاك ورغم الإمكانيات البسيطة أصابت المقاومة عدد من الضباط العسكريين الفرنسيين، فكان قصر بن حيران مركز المقاومة بقيادة عسكرية لبن ناصر بن شهرة والشريف محمد بن عبد الله وآخرين شكلوا قيادة موحدة للدفاع عن المدينة فضلا عن الأطفال والشيوخ والنساء الذي ساهموا قدر إمكانياتهم. استخدمت فرنسا لأول مرة خلال اقتحامها للأغواط مادة "الكلورفورم" الكيماوية المحرمة دوليًا لتكون أول حرب كيماوية في التاريخ وليس كما تزعم فرنسا أن أول استخدام لها كان في الحرب العالمية الأولى، وهو ما تؤكد وثائق وأبحاث وكذلك الاتفاقيات التي وقعت عليها فرنسا للحد من استخدام السلاح الكيماوي بداية من عام 1874 كلها تؤكد تمكن الجيش الفرنسي من استخدام السلاح الكيماوي بداية من مذبحة الأغواط عام 1852. وأكد الدكتور العراقي كاظم العبّودي المتخصص في علوم الكيمياء النووية اثناء شرحة لهذه الجريمة في الذكري السنوية لها هذا العام أن مدينة الأغواط تعتبر أول منطقة تعرّضت ل "هولوكوست" فرنسي في العالم. وفي تعريفه لكلمة "الهولوكوست"، أوضح أن اليهود سبقونا في توظيف واستخدام هذا المصطلح، بمعنى "المحرقة"، ومن خلال ذلك استطاعوا الحصول على التعويضات الكاملة والمستمرة عما وظفوه بدعاياتهم ومطالبتهم تحت عنوان "الهولوكوست" النازي، أو "محرقة اليهود". وقد تواردت الأجيال هذه الرواية بأن فرنسا استخدمت مادة حارقة وأودت بحياة المئات من القتلى، وتقول إحصاءات إن عدد السكان كان نحو 3600 مواطن وكان من يدافع عن المدينة أكثر من ذلك بعد انضمام مواطنين من أماكن مجاورة، ويقول الفرنسيون إن عدد الضحايا هم ثلثي سكان المدينة ليكون عدد الضحايا ما يزيد عن 2500 إلى أكثر من ذلك، وتتبعت القوات الفرنسية الفارين من المدينة وحرقتهم أحياء. لتتحول بعدها الأغواط إلى مدينة أشباح هجرتها الحياة، ويسمى العام باسم عام "الخلية"، وطال الأسرى منهم ما طال الموتى من ويلات وأخذوا يروونها جيلا بعد جيل. أساليب الاستعمار الفرنسي أساليب الاستعمار الفرنسي الوحشية التي كان يمارسها على الجزائريين لم تتغير ولم تنقص مثقال ذرة طيلة سنوات الاحتلال، حتى أصبح يشك في وجود شيء اسمه الإنسانية. وسجل التاريخ صفحات مخزية من انحطاط خلقي وأدبي وإنساني كتبت بأقلام قادة وجلادي الاستعمار الفرنسي.. وخلال قرن ونصف القرن من التواجد الاستعماري الفرنسي بالجزائر كاد الشعب الجزائري الموزع في شكل قبائل أن يبيد عن بكرة أبيه من خلال تبنّي فرنسا لسياسة استعمارية إبادية من جهة واستيطانية من جهة أخرى. وارتكبت فرنسا مئات المجازر الجماعية، من التقتيل الفردي والعشوائي، واستعانت بعدة وسائل وقوانين عقابية تتعارض مع القوانين الدولية وحتى الفرنسية، أطلقت عليها اسم القوانين الخاصة، كما أطلق أحد الجنرالات الفرنسيين المسمى "Bugeaud" سياسة الأرض المحروقة وحرب الإبادة على مشروع همجي لإنهاء الوجود الجزائري بكل الطرق. وعلى هذا الأساس عبّرت محامية الثورة السيدة فاطمة الزهراء بن براهم في الذكري السنوي للمذبحة هذا العام عن رفضها لاستعمال فرنسا لكلمة "حرب" عندما تتحدث عن الثورة الجزائرية، مشيرة إلى أن هذه الكلمة مقصودة تهدف من خلالها السلطات الفرنسية للتهرب من مسؤولياتها التاريخية لأن ارتكاب جرائم في حرب أخف من ارتكاب جرائم ضد ثورة لأن فرنسا-تضيف- ارتكبت جرائم ضد ثورة خرج فيها مجاهدون بسيوف وببنادق تقليدية للدفاع عن حقهم وليس لحرب فعل فيها الطرفان نفس الشئ.. لأن الحرب- تقول المحامية- تكون بجيش معترف به ويملك نفس أسلحة العدو، أما المقاومات الشعبية وجبهة التحرير الوطني فلم يكن معترفا بها آنذاك، ولم تكن تملك نفس أسلحة الجيش الفرنسي الذي كان يمثل قوة عالمية. إحصائيات تدل علي الجريمة الأرقام المتداولة عن شهداء الثورة لا تمثل ربع الرقم الحقيقي الذي تخفيه كتب التاريخ والأرشيف الفرنسي في حد ذاته، والذي لم يفوت أية مرحلة أو حادثة تاريخية، إلا ودونها وذلك طيلة فترة تواجده بالجزائر فالشهداء هم أكثر من ثلث الشعب الجزائري الذين سقطوا من أجل افتكاك الحرية، بخصب ما اشارت المحامية فاطمة الزهراء بحيث لم يكن يمر شهر على تواجد فرنسا إلا وسقط فيها ما لا يقل عن 1000 شهيد خلال معارك أو إبادات واعتقالات ثم إعدامات وغيرها. واستنادًا إلى سلسلة من المعارك غير المتكافئة والإبادات الجماعية، فقد اعتبرت المحامية فاطمة بن براهم، أن فرنسا الاستعمارية من أكبر الجناة كونها لم تكتف بإصدار أحكام بالإعدام ضد المجاهدين الجزائريين خلال سنوات حرب التحرير السبعة، بل لأنها استعملت "الإعدام" من سنة 1830 إلى 1962 كوسيلة حرب ضد الثوار الجزائريين الذين كانوا يطالبون بالحرية والاستقلال، وإنها اتبعت سياسة إبادية لا استعمارية لأن الغرض الأسمى لها هو مسح الشعب الجزائري والقبائل المنتشرة على أراضيه، واستبداله بأجناس مختلفة يتم استحضارها من أوروبا وهي عبارة عن خليط من الإيطاليين والإسبان والبرتغاليين بالإضافة إلى الفرنسيين. ستبقى مذبحة الأغواط شاهدة على إجرام الاستعمار، وعلى صبر وشجاعة العرب والمسلمين في كل مكان ونبراس للمقاومة تستمد منه الأجيال الحالية صمودها وثباتها.