الجيل الذي شهد كارثة انفجار المفاعل النووي تشيرنوبيل، في الخامس والعشرين من أبريل 1986، يتذكر القلق العام المترتب من آثار تلك "القيامة الصغرى". هذا الجيل لا يمكن أن ينسى أيضا ذلك التاريخ المحفور بدماء وغبار ذري وموت طارد الصغار والكبار، أولئك الذين لم يملكوا حيلة للفكاك من الإعصار النووي. ولكن الجيل التالي لا يذكر تلك الكارثة، فالاتحاد السوفيتي نفسه تفكك، واختفى اسمه، وورثته روسيا، ولكن القلق من تكرار الانفجار في أي مكان آخر بالعالم مازال قائما. لمن يطارده مثل هذا الجنون، ولمن لا يعي حجم تلك الكارثة، للجيلين معا تقدم رواية "لودميلا" للكاتبة السورية لينا كيلاني والصادرة عن دار "الهلال" استعادة للظلال الإنسانية للكارثة، تستعيدها ولا تعيد التفاصيل، ترصد الكاتبة بحس إنساني شفيف من خلال الممرضة "لودميلا" (واسمها يعني: محبوبة الناس) مقدمات الحدث الذي وقع رغم القبضة الحديدية السوفيتية، وربما بسببها: "إنها بلادنا. والأسوار فيها تحيط بالأسرار. فلا يصل إليها أحد. ولكن.. ضرورية لعلها هذه الأسوار لتحمي بلادا تقترف بين وقت وآخر حروبا تقع بين ساخنة وباردة. نظام صارم لا يجوز اختراقه ولو بلهفة السؤال عن أب غائب". وتتناوب السرد "ناديا" ابنة "لودميلا" التي كبرت بعد تسع سنوات من الكارثة، أنضجتها الذكرى، وأنهكت ذاكرتها، ولكن "لودميلا" تظل الشاهدة على الجحيم الأرضي الذي صاغته مؤلفة الرواية بنسغ من العذوبة والألم على مصائر البشر، في سرد هامس لا يخفي عمق المأساة، بداية من الإهداء "إلى الذين عبروا إلى الضفة الأخرى.. عسى أن يقبضوا على مفاتيح الجحيم.. قبل أن ينفتح أمامهم أي باب من أبوابه"، وصولا إلى المشهد الأخير، حيث تلوذ بالسرير، وتتمدد كلموتى، وترفعت الملاءة البيضاء فوق رأسها. وتتساءل: هل هي النهاية؟ ربما. ماذا تنتظرين غير ذلك يا لودميلا وقد كنت في عين العاصفة منذ بدأت أنسامها.. ثم عندما تفجرت بالبروق والرعود والسيول؟ هل عدت تأملين بشيء؟ مؤلفة الرواية لينا كيلاني: لها عشرات المؤلفات في أدب الخيال العلمي، والقصص القصيرة والرواية، كما كتبت أعمالا درامية تلفزيونية للأطفال. ترجم بعض مؤلفاتها إلى لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألبانية والسلافية والصينية والروسية والإسبانية، والفارسية والسويدية والدنماركية والنرويجية. كانت مؤلفاتها في مجال أدب الأطفال الذي اشتهرت به موضوعا دراسة لرسائل جامعية في سوريا، ولبنان، ومصر، وإيران، وتونس، وفرنسا. واعتمدت بعض أعمالها لتدرّس في المنهج الدراسي للصف الأخير من المرحلة الإبتدائية بسوريا. ونالت عددا من الجوائز الأدبية والتلفزيونية.