يعرض الكاتب جمال الغيطاني في كتابه "قاهريات مملوكية" لمجموعة من أندر المصاحف، فيقول أنه في دار الكتب المصرية بالقاهرة مجموعة من أندر المصاحف الشريفة يرجع بعضها إلى القرن الأول الهجري، كتب بعضها فوق رق الغزال، والبعض الآخر فوق قطع عريضة من عظام الجمال، تتميز المصاحف التي خطت في الزمن المملوكي بتجلي آيات الجمال وروعة الفن العربي فيها، حيث كان سلاطين المماليك يوقفون الأموال الطائلة عى نسخ المصاحف التي تحمل أسماءهم. فمثلاً، مصحف السلطان محمد بن قلاوون، مصحف متوسط الحجم تخلو صفحاته من المستطيلات الزخرفية، ما عدا فراغ السور، في الصفحة الاستهلالية التي تسبق سورة الفاتحة، المصحف كله مكتوب بماء الذهب، بالخط الثلث، إنه من المصاحف النادرة التي كتبت كلها بماء الذهب، مضبوط الشكل الكامل، كتب في 764ه. وبالرغم من ذلك تبدو صفحاته بسيطة، رقيقة، تجبر الناظر على طول التأمل والتمعن. يعلق الغيطاني: بأن العصور العظيمة تنتج فنا عظيما وبسيطا، لا يقدم نفسه من خلال ترف المادة وحشدها، لقد انفرد الناصر محمد بن قلاوون بين سلاطين المماليك بطول مدة حكمه، فقد استقر على عرشه ما مجموعه حوالي أربعين سنة كاملة، خلع مرتين وعاد واستمرت سلطته الثالثة وحدها اثنين وثلاثين سنة، طرد آخر بقايا الصليبيين من عكا، وخلال فترة حكمه شهدت البلاد نهضة عمرانية كبرى، انشأ الميدان العظيم، والقصر الأبلق، والإيوان، ومسجد القلعة، الذي كتب له خصيصاً هذا المصحف النادر، أوقفه عليه وظل به حتى نقل إلى دار الكتب المصرية. ومد في كل بلد جسرا أو قنطرة، وطور وسائل الري، ومد جهده إلى الشام، عديد من المنشآت أقامها ونشرها، لكن معظمها اندثر أو وصل إلينا ناقصا أو مشوهاً، شئ واحد ظل زاهيا حتى الآن، فكأن يداً لم تمسه عبر هذه القرون كلها، حقاً "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". من أشهر المصاحف التي كتبت في العصر المملوكي، مصحف السلطان شعبان، الصفحة الأولى من محلاة بالذهب واللازورد والمنقوش بالنقوش العربية البديعة كتب عام 764ه. ومصحف الأمير حدغمتش 776 ه وفيه نرى ظاهرة فريدة، إذ التزم كاتبه العبقري، أن يبدأ كل صفحة بكلمة قرآنية تبدأ بحرف أ. ومصحف السلطان "خشقدم" 866ه، يحتفظ حتى الآن بزهاء ألوانه، كأنه كتب بالأمس، ورقه من الكتان المعالج بمواد أخرى، وردي اللون، وعلى الرغم من ضخامته إذ يتجاوز طول صفحاته المتر وعشرين سنتيمتراً، إلا أن نقوشه بسيطة رقيقة، جميع السور مكتوبة بخط نسخ كبير، عدد كلمات كل سطر تسع أو عشر كلمات، ولا توجد أي إطارات زخرفية تحيط بالسور داخل الصفحات، إنما يحيطها الفراغ الوردي الجميل. في السادس من ذي الحجة سنة 801، انتهى الخطاط الشهير عبدالرحمن الصائغ من كتابة المصحف الذي أمر السلطان برقوق بكتابته، فرغ الخطاط من المصحف بعد عمل متصل استغرق سبعين يوماً فقط، وبقلم واحد لم يغيره. المصحف مكتوب بالخط الثلث الواضح، منقوش بالذهب والألوان الزاهية الرائعة، اللون الذهبي استخدم فيه الذهب الخالص، والأزرق اللازوردي والأحمر الياقوتي، وتتخلل الألوان مساحات من ابياض التي تضفي على الألوان عمقاً وجمالاً، أما الزخارف ذاتها فتتكون من وحدات هندسية وأوراق نباتية، تغطي الصفحتين الاستهلاليتين، والصفحة التي كتبت بها سورة الفاتحة، والصفحة التي كتبت بها بداية سورة البقرة، أما فواتح السور فقد كتبت في إطارات مزخرفة، مستطيلة محفوفة بالألوان المتداخلة المتناغمة.